يمثل واقع
المعتقلين في
مصر
همّا يذبح الجميع، ولا يوجد إنسان حُر يمكن أن يتساهل فيه أو يتغافل عنه أو يتسامح
بشأنه، فضلا على أن يعطله أو يرفضه.
ولعل الكل على استعداد للتضحية بإرجاء بعض
الأهداف والطموحات، لو كان ذلك سبيلا لأن ينال الأسرى حريتهم وتنتهي معاناة أسرهم.
في هذا الباب؛ كل عاطفة مُقدَّرة وكل سعي
مشكور وكل جهد محمود، وكامل الاحترام لكل من أطلق مبادرة؛ حَسبُهُ منها نية طيبة
وهدف نبيل.
هي إذن مقدمة واجبة؛ تحفظ الحقوق وترطب على ما
يفرضه علينا الواقع من مناقشة لمبادرات أُطلقت في فضائنا المصري المعاصر، بعيدا عن
أي مزايدة أو لمز.
إن الواقعية تفرض علينا أسئلة عديدة حول جدوى
المبادرات من حيث المبدأ، بغض النظر عن أهدافها أو أصحابها، أو من أي قلب رقيق
انطلقت أو من أي عقل مكلوم مكدود خرجت وطُرحت.
لا شك أن حديث الواقع يسائلنا جميعا: هل يمكن
أن تحقق مبادرات البعض (الموجهة للسيسي) مصلحة أو تُحرر معتقلا أو نصل معها إلى
شيء ذي بال؟!
هل
السيسي والعسكر في مصر يملكون عقلية مناقشة
المبادرات؟! هذا من حيث الطبيعة أو الإمكانية أو ملكة التفكير.
ومن حيث القرار؛ هل السيسي يملك فعلا ناصية
قرار مناقشة أي مبادرة، أم أنه مجرد وسيط وهناك أصحاب قرار أهم؟!
وعلى ذكر أصحاب القرار، ومنهم بالطبع الكفيل
الإماراتي عَـرَّاب الثورة المضادة ومُحَارب إرادة الشعوب العربية؛ هل ننتظر من
محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات وعدو الربيع العربي النافذ، أن يتعاطى مع أي
مبادرات رحمة أو مهادنة مع رموز ثورة يناير ونشطاء ميدان التحرير؟!
هل تملك الإمارات بقيادتها ورموز سياستها
عقلية مناقشة مبادرات "عفو" أو تسامح تجاه ما يسمونه بـ"الإسلام
السياسي"؟!
وفي ذات الصدد، يجب أن لا نتجاوز
"إسرائيل" ؛ الراعي الرسمي للانقلاب منذ التخطيط له ورعايته في مهده
ودعمه اللامتناهي.
الآن وبعد كل هذه المصالح التي جنتها إسرائيل
من الانقلاب وهزيمة الربيع العربي لصالح وكلائها؛ هل ننتظر منها (وهي صاحبة الكلمة
العُليا على الانقلابيين) أن تناقش شيئا من هذه المبادرات، فضلا عن أن تسمح بها
وتقبلها؟!
وعَودا إلى السيسي وطغمته؛ أليس من السذاجة أن
نأمل منهم التعاطي مع هذه المبادرات؟!
شركاء الانقلاب يتخوفون من أن يمثل الإفراج عن
المعتقلين مقدمة لحركة الشعب مرة أخرى، وبالتالي يعتبرون خطوة كهذه وقودا للنار
التي ستحرقهم وأعوادا للمشانق التي سيعلقون عليها.
طبيعة الانقلابيين أنهم يخافون من كل شيء، حتى
من أصدقائهم وحلفائهم، ويحسبون كل صيحة عليهم، وظاهر السيسي وباطنه وسنوات انقلابه
الماضية تكشفه أنه أجبن وأخوف.
نحن إذن أمام ثلاثي محدد وواضح؛ السيسي
وجنرالاته، ومحمد بن زايد وطغمته، والكيان الصهيوني.
يقيني أنَّ من طَرَحَ المبادرات يعي هذه
الثلاثية الكئيبة، لذا أستغرب وأتساءل: ماذا ينتظر من ثلاثي الشر هذا إزاء
مبادراته؟!
هل يمكننا أن نتصور حوارا ما مع إسرائيل
يرق معه قلبها تعاطفا مع الإسلاميين؟! وأي طريق نستجدي فيه الإنسانية والرحمة من
الإمارات بثوار يناير وأصحابها؟! وما هي نظرة كل من شارك في الانقلاب لخروج رموز
الشعب المصري وقواه الحية الفاعلة؟!
ومن باب آخر يشي بقراءة مباشرة للواقع؛ ها نحن
في جائحة "كورونا" التي طالت الكبار في العالم ولم يسلم منها جنرالات
العسكر الكبار، ولم تنج منها قصور الأمراء ولا أنسال الملوك، خاصة في جزيرة العرب
من رعاة الانقلاب وداعميه.
هل توقفت الإعدامات احتراما لظروف الجائحة
مثلا؟! هل توقفت الاعتقالات أو هدأت أثناء كورونا؟! هل تحسنت معاملة المعتقلين أو
أسرهم وأهاليهم؟!
أَما وأنَّ شيئا من ذلك لم يحدث، ما الذي يدعو
إلى إطلاق مبادرات إذن؟!..
المفروض أن لا أحد يسعى لتقديم مبادرات لتُرفض
أو لنداءات ومطالبات تُطلق صوب الفضاء لتذروها الرياح!!
ولا يقولن قائل إن مبادرته تستهدف إحراج
السيسي أو كشف حماقته أو تعريته أمام الداخل أو الخارج!! هل يمكن (بعد سبع سنوات
عجاف) أن نصدق مثل هذا أو نهضمه فضلا عن أن نتعاطى معه؟!!
ماذا تعلمنا إذن من سنوات الانقلاب السوداء
الكئيبة؟!
ربما من أسوأ مظاهر البؤس أنه رغم كل هذه
التجارب والأحداث لم يتعرف البعض على الطريق بعد!
إن الطريق هو أن نخاطب الشعب ونخصه بالمبادرات
والمحاولات والسعي، نستفرغ في ذلك الوسع والطاقة، ونسعى جميعا متحدين في هذا المضمار.
أما مخاطبة القتلة والتعويل على القراصنة وداعميهم في الإقليم والخارج، فهو ضرب من
السذاجة والبحث عن السراب، سواء أكان في أمر خطير أو كان في أمر حقير.