ملفات وتقارير

تقدير يرصد سياسة قيادة "العمال البريطاني" تجاه قضية فلسطين

هل يغير الزعيم الجديد للحزب من طريقة تعاطيه مع القضية الفلسطينية؟ - جيتي

نشر رئيس المنتدى الأوروبي الفلسطيني، زاهر البيراوي، والصحفي البريطاني روبرت أندروز، تقديرا حول الانتخابات الأخيرة في حزب العمال البريطاني، والتي أفرزت قيادة جديدة - كير ستارمر - للحزب، خلفا لجيريمي كوربن، وأثر ذلك على القضية الفلسطينية.

وانتخب ستارمر بـ 56% من الأصوات، في الرابع من نيسان/ أبريل الجاري.

وقال التقدير إن انتخاب ستارمر بالنسبة للعمل التضامني البريطاني مع فلسطين ليس إيجابيا، خاصة أن ولايته تأتي على خلفية هزيمة كبيرة في انتخابات 2019، تركت أثرها على الحزب، ولعل أبرز أسباب الخسارة كانت قضية "معاداة السامية" التي أصبحت شاغلا أساسيا لزعيم الحزب، وجميع المرشحين الذين نافسوا على القيادة.

 

اقرأ أيضا: تحقيق: قياديون في "العمال" البريطاني تآمروا لإفشال كوربين

ولفت التقدير إلى أن المجموعات الموالية لإسرائيل في الحزب، وهي "مجلس النواب اليهودي"، و"أصدقاء إسرائيل في حزب العمال"،  و"حركة العمال اليهود"، منحت نفوذا في الحزب سيمكنها من احتكار تعريف معاداة السامية، وسيصبح انخراط قياديي وأعضاء العمال في أي أنشطة قد تحسب على هذا المصطلح معدوما.

وذكر بأن ستارمر اعتذر مرارا في السابق عن معاداة السامية، ووصف ظاهرة عداء اليهود في الحزب بأنها "وصمة عار"، وعرف بتأييده لطرد عمدة لندن الأسبق، كين ليفينغستون، الذي اتهم بأنه معاد لليهود.

 

اقرأ أيضا: MEE: ماذا خسرت فلسطين بخروج كوربين من زعامة "العمال" البريطاني

وبناء على كل ما سبق، قال التقدير إن ذلك سيؤثر بشكل ملحوظ على قدرة حملات التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة على التواصل مع قيادات حزب العمال، وعلى تنظيم الفعاليات بالتعاون مع الهيئات العامة الحكومية والخاصة، خصوصا إذا ما تضمنت هذه الفعاليات انتقادا لإسرائيل.

وتابع التقدير: "فيما يتعلق بموقف حزب العمال وسياسته الخارجية بشأن قضية فلسطين، فإنه لا يبدو بأن كير ستارمر سيبتعد عن الموقف التقليدي للحزب (...) لكنه سيقوم بتحقيق أهداف اللوبي الصهيوني من خلال اقتلاع أولئك الذين يدافعون بقوة لقضية فلسطين وأولئك الذين يعبرون عن الخطاب المؤيد لفلسطين من الحزب بذريعة اتهامهم بمعاداة السامية وفقا للتعريف الجديد وأمثلته المعتمدة من قبل الحزب".

على جهة أخرى، غرد ستارمر بشأن صفقة القرن قائلا: "صفقة ترامب المسماة خطة السلام تعتبر مهزلة، إنها تتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان. يجب على حكومتنا إدانتها بشكل لا لبس فيه لأنها ستسبب المزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير بالفعل".

وكان كير أعرب سابقًا عن دعمه لـ "دولة فلسطينية مستقلة" ودعا "جمعية كامدن - أبو ديس للصداقة" إلى البرلمان للتحدث عن وضع حقوق الإنسان في فلسطين في عدد من المناسبات. وربما يكون هذا مؤشرا واضحا بأنه من المرجح أن يستمر في موقف حزب العمال بشأن الملفات الأساسية المتعلقة بقضية فلسطين – كموضوع حل الدولتين، ومعارضة الاستيطان الإسرائيلي، وغيرها.

لذلك، يبدو أن نهج إدارة ستارمر الجديدة إزاء السياسة الخارجية بشأن فلسطين سيكون داعما لحقوق الفلسطينيين مع التوقف عن الخطاب العلني حول الموضوع خشية إثارة التوترات في أوساط الجالية اليهودية وبين أولئك الذين يسعون إلى رصد تحركاته في مواجهة معاداة السامية. وفي ضوء ذلك، من المحتمل أن يحاول ستارمر تهميش قضية فلسطين وتقليل ظهورها في اللقاءات أو الفعاليات العامة، مثل المؤتمر العام للحزب، ولكن دون تقويض دعمه الأساسي لحقوق الإنسان الفلسطيني ودون العودة إلى سياسة بلير تجاه القضية الفلسطينية.

وتاليا التقدير كاملا: 

 

ماذا يعني انتخاب "كير ستارمر" كزعيم لحزب العمال بالنسبة لفلسطين؟


زاهر بيراوي وروبرت أندروز

في يوم السبت الرابع من أبريل الجاري، تم الإعلان عن السير كير ستارمر كزعيم جديد لحزب العمال في المملكة المتحدة بعد فوزه في انتخابات قيادة الحزب بأكثر من 56%  من الأصوات. ولكن ما الذي تعنيه فترة ولاية "كير ستارمر" كزعيم لحزب العمال بالنسبة للعمل التضامني البريطاني مع الحقوق الفلسطينية ولسياسة حزب العمال الخارجية بشأن قضية فلسطين؟

بخصوص حركة التضامن البريطانية مع فلسطين

يبدو أن انتخاب كير ستارمر بالنسبة للعمل التضامني البريطاني مع فلسطين ليس إيجابيا. وخاصة أن ولايته كقائد لحزب العمال تأتي على خلفية الهزيمة الكبيرة في الانتخابات العامة في ديسمبر 2019 التي تركت حزب العمل في حالة سيئة جدا مع تزايد الدعوات إلى "نهج جديد" بالنظر إلى الطبيعة الكارثية للهزيمة. ونظرًا لوجود إجماع كبير داخل حزب العمال على أن قضية "معاداة السامية" لعبت دورًا أساسيًا في خسائر حزب العمال في الانتخابات الأخيرة، فقد أصبح هذا الموضوع شاغل أساسي ليس فقط لزعيم الحزب الجدير كير ستارمر ولكن لجميع المرشحين الذين شاركوا في سباق القيادة.

ومع تحول معاداة السامية إلى قضية مركزية في سياسات حزب العمال، فقد تم منح المجموعات الموالية لإسرائيل مثل JBOD مجلس النواب اليهودي، أصدقاء إسرائيل في حزب العمال (LFI) ، وحركة العمال اليهود (JLM) نفوذا داخل الحزب سيمكنهم من احتكار تعريف الخطاب حول معاداة السامية. ومع قبول كير وكل مرشحي القيادة الآخرين "تعهد مجلس النواب اليهودي بـنقاطه العشرة" ومع سيطرة مناخ الخوف الذي صنعته هذه المجموعات، فقد أصبح انخراط قياديي وأعضاء حزب العمال في مناشط معاداة الصهيونية معدوما، ولم يعد بإمكان أي منهم الظهور بمظهر اللين عندما يتعلق الأمر بقضية معاداة السامية.

إن سجل كير فيما يتعلق بالتحدث عن قضية معاداة السامية يجسد تمامًا هذا المناخ الجديد. على سبيل المثال، اعتذر كير مرارًا وتكرارًا عن معاداة السامية داخل حزب العمال، وفي خطاب النصر وصف "ظاهرة عداء اليهود في الحزب" بأنها "وصمة عار" على الحزب. وذكر أيضًا أنه ينوي معالجة القضية مباشرة و "من اليوم الأول" وقد اعتبر أن "عودة الأعضاء اليهود وأولئك الذين شعروا أنهم لم يعودوا قادرين على دعم الحزب" هو معيار النجاح الأساسي له في قيادة الحزب.

بالإضافة إلى ذلك، فقد عرف بتأييده طرد عمدة لندن الأسبق "كين ليفينغستون" الذي وجهت له تهمة العداء لليهود بسبب بعض تصريحاته بخصوص علاقة الحركة الصهيونية بالنازية ايّام المحرقة. ويؤيد ستارمر المطالبات بتغيير النظام الداخلي للحزب للسماح بالطرد التلقائي للأعضاء الذين يتبين أنهم معادون للسامية. وأشار إلى أن إدارته ستتعاون مع لجنة المساواة وحقوق الإنسان EHRC وتنفذ توصياتها حول مواجهة معاداة السامية داخل الحزب وأكد بأنه لن ينتظر التقرير بل سيكون مبادرا في معالجة هذا الموضوع. وقد سبق له أن ضغط مرارًا وتكرارًا لعقد جلسة خاصة لمجلس وزراء حكومة الظل لمعالجة موضوع معاداة السامية، ويعارض ستارمر بشدة مقاطعة إسرائيل ويتبني التعريف الجديد الكامل لمعاداة السامية. بالإضافة إلى ذلك، وفي مقابلة مع صحيفة "جوويش كرونيكل" اليهودية في مارس 2020، كان كير قد تعهد بإصلاح علاقة الحزب مع حاخام المملكة المتحدة في حال انتخابه.  

ويمكن رؤية مؤشر آخر أكثر أهمية يوضح التزام كير بمعالجة موضوع معاداة السامية بعد فوزه في انتخابات قيادة الحزب، وهو مشاركته يوم 7 إبريل الجاري مع نائبته أنجيلا راينر في اجتماع بالفيديو كونفرس مع عدد من ممثلي الجالية اليهودية بما في ذلك مجلس النواب اليهودي JBOD، ومجلس القيادة اليهودية (JLC) ، ,ومؤسسة "أمن المجتمع" (CST) ، و حركة العمال اليهودية في الحزب (JLM). ، والذي قدم فيه كير عددًا من التعهدات للجالية اليهودية تضمنت قوله "التزمت ببدء العمل على إنشاء لجنة شكاوى مستقلة، والتعاون بشكل كامل مع استفسار ات لجنة EHRC و طلبت تقريرا عن جميع الحالات المعلقة لتكون على مكتبي هذا الأسبوع. وناقشت أيضًا مع حركة العمال اليهود (مجموعة يهودية في الحزب) طموحي في بدء تدريب لجميع موظفي الحزب حول مسألة العداء للسامية في أقرب وقت ممكن. وأضاف: "لقد خيبنا كحزب ظن الجالية اليهودية وفشلنا على مدى السنوات القليلة الماضية في معالجة معاداة السامية".

وردا على عدد من الوعود التي أعلن عنها كير خلال الاجتماع، أصدر كل من رئيسة مجلس إدارة مجلس النواب اليهودي JBOD "ماري فان دير زيل"، ورئيس مجلس القيادة اليهودية JLC "جوناثان جولدشتاين"، ورئيس حركة العمال اليهود في الحزب JLM مايك كاتز ، ورئيس لجنة العلم والتكنولوجيا "جيرالد رونسون" ، بيانًا أشاروا فيه إلى أن "كير ستارمر حقق بالفعل في أربعة أيام أكثر من سلفه في أربع سنوات في معالجة معاداة السامية داخل حزب العمل. وأضافوا: نريد أن يكون لدينا علاقة طبيعية مع حزب العمال حيث يمكننا مناقشة مجموعة كاملة من القضايا التي تؤثر على مجتمعنا، من الحرية الدينية إلى إسرائيل.

وفي ضوء ذلك، ليس من المستغرب أن يكون كير ستارمر مؤيدا بشدة وداعما للتعريف الجديد لمعاداة السامية ومؤيدا لخطاب وسياسة معاداة حملات مقاطعة إسرائيل. وأنه بات ينظر إليه من قبل مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل بأنه قائد مثالي يسير وفقا لما يخططون له ويقوم بتلبية طلباتهم.

علاوة على ذلك، فإن ، مورجان سويني ، مدير حملة ستارمر الانتخابية والذي أصبح رئيس هيئة الموظفين في مكتب زعيم الحزب، يعتبر معالجة قضية معاداة السامية قضية بالغة الأهمية ومعروف بتأييده لإسرائيل. ووصفه لوك أكهورست مدير موقع "نحن نؤمن في إسرائيل" بأنه شخص محوري في التعامل مع أزمة معاداة السامية في حزب العمال. وقد أشارت بعض الأوساط الإعلامية إلى McSweeney بأنه الشخص الذي يقف وراء المحادثات الاستراتيجية التي تمت بين فريق ستارمر وحركة العمال اليهود JLM خلال حملته الانتخابية، كما أنه شارك شخصيا مع ستارمر في اللقاء (المذكور أعلاه) مع مؤسسات الجالية اليهودية (قيادات اللوبي الإسرائيلي) بتاريخ 7-4 . ومن المؤكد بناء على كل ذلك أن يجعل من خلال موقعه الجديد "أزمة اللا سامية" المفترضة على رأس أجندة زعيم الحزب ستارمر وتحريكها إلى الأمام.

ومن المرجح أيضا أن كير سيواجه ضغطًا إضافيًا لربط موضوع الصهيونية بقضية معاداة السامية والعمل تجاهها بصرامة. ورغم أن زوجته "فكتوريا ألكسندر" يهودية ويحضر معها بانتظام إلى الكنيس ويشارك في عشاء السبت الأسبوعي، وفي نشاطات الجالية اليهودية.  إلا أن ستارمر واجه انتقادات شديدة من داخل الجالية اليهودية حول تعامله سابقا مع قضايا "معاداة السامية" داخل الحزب. وبسبب عدم وضوحه التام في إجابته عندما سئل في المناظرة "هل أنت صهيوني". وعلى سبيل المثال، فإن حاخام لندن الراحل "ديفيد غولدبيرغ"، وحاخام الكنيس الذي يتردد عليه كير ستارمر وعائلته، سبق وأعلن عن خيبة أمل شديدة من كير بسبب تعامله مع موضوع معاداة السامية داخل حزب العمال. كما دعا الكثيرون في الجالية اليهودية كير إلى "إثبات جديته" في قضية معاداة السامية. وهذا ربما يفسر عدم موافقة حركة العمال اليهود (JLM) على كير كمرشحهم المفضل خلال انتخابات القيادة.

بالإضافة إلى ذلك، من المثير للاهتمام أن رئيسة مجلس النواب اليهود JBD، "ماري فان دير زيل" طلبت من كير ستارمر تسوية القضايا التأديبية ذات العلاقة بملف العداء للسامية في الحزب في غضون أربعة أشهر وصرحت بأن مجلس النواب اليهود JBD سيراقب الخطوات والإجراءات عن كثب، سواء في مكتب زعيم الحزب، أو في الكتلة البرلمانية للحزب، أو في حكومة الظل وفي مقر الحزب للتأكد من القيام بخطوات جوهرية لمعالجة ظاهرة العداء للسامية.

وبشكل عام، يمكن لكير أن يتحرك بسرعة وحسم في مسألة معاداة السامية، وهذا سيعني، تلقائيا، استمرار المناخ الذي يتهم فيه بالعداء للسامية كل من ينتقد إسرائيل كدولة فصل عنصري بما في ذلك مقارنتها مع جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري أو الحديث عن موضوعة أن الصهيونية تمييزية بطبيعتها.

وهذا بالتالي سيؤثر بشكل ملحوظ على قدرة حملات التضامن الفلسطينية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها على القيام بنشاطاتها وأعمالها التضامنية. وسيؤثر على قدرتها على التواصل مع قيادات داخل الحزب وحكومة الظل في حزب العمال، وعلى تنظيم فعاليات بالتعاون مع الهيئات العامة (الحكومية وغيرها)، سواء كانت خيرية أو سياسية، وخاصة إذا كانت تلك الفعاليات تتضمن نقدا لإسرائيل ضمناً أو صراحة. وسيكون من الصعب الاتصال بأعضاء حزب العمل الذين يدافعون بقوة عن قضية فلسطين. ومن المرجح أن يكون كير ستارمر نفسه في طليعة قيادات الحزب التي تعمل على استمرار هذه التطورات السلبية وتقليص مساحة العمل لمنظمات التضامن المؤيدة لفلسطين التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها. 

بخصوص سياسة حزب العمال الخارجية بشأن فلسطين

فيما يتعلق بموقف حزب العمال وسياسته الخارجية بشأن قضية فلسطين، فإنه لا يبدو بأن كير ستارمر سيبتعد عن الموقف التقليدي (الحالي) للحزب. بينما بالنسبة إلى اللوبي الإسرائيلي، فإن الهدف هو أن يكون هناك قائد للحزب ملتزم بالنظام الاقتصادي والإمبريالي الغربي الحالي، وهذا ممكن الحصول من خلال "دعم كير ستارمر" القوي للتعريف الجديد لعداء السامية ومن خلال التأثير عليه من قبل مجموعات اللوبي الإسرائيلي. وهذا لا يعني أن كير سيبتعد جذريًا عن موقف حزب العمل بشأن فلسطين، بل سيقوم بتحقيق أهداف اللوبي الصهيوني من خلال اقتلاع أولئك الذين يدافعون بقوة لقضية فلسطين وأولئك الذين يعبرون عن الخطاب المؤيد لفلسطين من الحزب بذريعة اتهامهم بمعاداة السامية وفقا للتعريف الجديد وأمثلته المعتمدة من قبل الحزب.

في الواقع، على الرغم من أن كير اعترف صراحة بأن "عائلة زوجته يهودية وأن لديه عائلة ممتدة في إسرائيل"، فقد كان مترددا في وصف نفسه بأنه صهيوني ولم يقترح أبدا ما يشير إلى نيته الابتعاد عن سياسة حزب العمل الخارجية بشأن قضية فلسطين. بل على العكس من ذلك فقد غرد في 29 يناير 2020 بشأن صفقة القرن بقوله: "صفقة ترامب" المسماة خطة السلام تعتبر مهزلة. إنها تتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان. يجب على حكومتنا إدانتها بشكل لا لبس فيه لأنها ستسبب المزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير بالفعل".

علاوة على ذلك، في إطلاق حملته للانتخابات القيادية، أشار كير ستارمر ضمنيًا إلى دعم القضية الفلسطينية من خلال قوله "يمكننا تعزيز السلام والعدالة في جميع أنحاء العالم بسياسة خارجية قائمة على حقوق الإنسان" وكان في الخلفية نشطاء حملة "أوقفوا الحرب" يحملون الأعلام الفلسطينية. وهو أيضًا عضو في مجموعة أصدقاء فلسطين والشرق الأوسط في الحزب LFPME، وهو ليس عضوا في مجموعة أصدقاء إسرائيل البرلمانية (LFI) . وكان كير أعرب سابقًا عن دعمه لـ "دولة فلسطينية مستقلة" ودعا "جمعية كامدن - أبو ديس للصداقة" إلى البرلمان للتحدث عن وضع حقوق الإنسان في فلسطين في عدد من المناسبات. وربما يكون هذا مؤشرا واضحا بأنه من المرجح أن يستمر في موقف حزب العمال بشأن الملفات الأساسية المتعلقة بقضية فلسطين – كموضوع حل الدولتين، ومعارضة الاستيطان الإسرائيلي، وغيرها.

ومع ذلك، تجدر الإشارة أن ستارمر لم يوافق على التوقيع على التعهدات الثلاثة التي طالبته بها حملة التضامن مع فلسطين (PSC) في الوقت الذي تعهدت بها المرشحتان المنافستان له في سباق قيادة الحزب ليزا ناندي وريبيكا لونج بيلي. وليس مستغربا أن يكون تردد ستارمر في التوقيع على التعهدات بسبب استشارة من شخصيات داخل الجالية اليهودية. المؤثرة

لذلك، يبدو أن نهج إدارة ستارمر الجديدة إزاء السياسة الخارجية بشأن فلسطين سيكون داعما لحقوق الفلسطينيين مع التوقف عن الخطاب العلني حول الموضوع خشية إثارة التوترات في أوساط الجالية اليهودية وبين أولئك الذين يسعون إلى رصد تحركاته في مواجهة معاداة السامية. وفي ضوء ذلك، من المحتمل أن يحاول ستارمر تهميش قضية فلسطين وتقليل ظهورها في اللقاءات أو الفعاليات العامة، مثل المؤتمر العام للحزب، ولكن دون تقويض دعمه الأساسي لحقوق الإنسان الفلسطيني ودون العودة إلى سياسة بلير تجاه القضية الفلسطينية.

حكومة الظل الجديدة وفلسطين

توضح تشكيلة حكومة الظل التي شكلها ستارمر انفصالًا ملحوظًا عن الحقبة الماضية. فقد استثنى من تشكيلة حكومة الظل عددا من السياسيين البارزين من ذوي الميول اليسارية مثل Dawn Butler و Richard Burgon و Barry Gardiner و  Ian Lavery وذلك ضمن سعيه للظهور بشكل أكثر "توازنا" ومحاولته تمثيل تنوع حزب العمال الحديث. ولكن السؤال المهم هو إلى أي مدى تمثل هذه الحكومة الجديدة تطوراً إيجابياً للعاملين من أجل الحقوق الفلسطينية؟ 
فيما يلي نظرة على مجلس وزراء حكومة الظل من خلال ثلاثة مناصب أساسية لها درجة كبيرة من التأثير في صياغة الخطاب السياسي للحزب المتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وهذه المناصب هي: نائب زعيم الحزب/ الرئيس، وزير خارجية الظل، ووزير التجارة الدولية الظل.

نائبة القائد ورئيسة حزب العمال - أنجيلا راينر

تعتبر أنجيلا راينر على نطاق واسع جزءًا من الجناح اليساري الناعم في الحزب. وفيما يتعلق بمواقفها السابقة تجاه فلسطين، فقد تضمن سجلها عدد من المواقف الإيجابية الداعمة لفلسطين، ومنها التوقيع في يوليو 2019، مع زملائها في البرلمان مارغريت هودج وروث سميث، على عريضة تدين عمليات الهدم الإسرائيلية لمنازل الفلسطينيين في القدس الشرقية. كما أنها أدانت قتل الفلسطينيين خلال مسيرة العودة الكبرى، وذكرت مراراً وتكراراً الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، أشارت أنجيلا في السابق إلى كتاب نورمان فينكلشتاين "صناعة المحرقة" على أنه عمل أساسي.

ولكن أنجيلا تراجعت بسرعة عن تعليقاتها بشأن كتاب فينكلشتاين بعد ضغوط من مجلس النواب اليهود JBD. كما أنها انتقدت بصورة علنية معالجة جيرمي كوربين لموضوع معاداة السامية داخل الحزب، ونقل عنها قولها إنها "محرجة للغاية" من فشل الحزب في التعامل مع "الأزمة". وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أنها تحدثت في عدد من نشاطات حركة العمال اليهود (JLM) وتفاخرت بحماس أنها وقعت التعهدات العشرة لمجلس النواب اليهود.

وفي الخلاصة، تعبر أنجيلا تقدمية إلى حد ما فيما يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطينية، إلا أنها تستجيب بشكل سريع لضغوط اللوبي الإسرائيلي بشأن خطابها المتعلق فلسطين، وتبدو ملتزمة إلى حد كبير بمعالجة قضية "معاداة السامية" داخل الحزب.

 

وزيرة خارجية الظل - ليزا ناندي

تعتبر ليزا أيضا من الجناح اليساري الناعم في الحزب، وفي ديسمبر عام 2018، تولت ليزا ناندي رئاسة المجموعة البرلمانية لأصدقاء فلسطين والشرق الأوسط في حزب العمال خلفا لغراهام موريس بعد خدمته في هذا الموقع قرابة عشر سنوات. وقد نقل عنها أن قرارها الاستلام من موريس كان بسبب زيارة مؤثرة قامت بها إلى الضفة الغربية، حيث شاهدت خلالها صبيًا فلسطينيًا عمره 15 عامًا يقيده جنود الاحتلال من كاحليه والذي علمت أنه ظل قيد الاعتقال الإداري لعدة شهور. كما أنها تأثرت بصورة طفل عمره 3 سنوات محاط بجدار الفصل وتخيلته يكبر بدون ضوء النهار.

بصفتها رئيسة المجموعة البرلمانية لأصدقاء فلسطين والشرق الأوسط في الحزب، سعت ليزا للحصول على التزام من الحكومة لضمان سحب المستوطنات الإسرائيلية من على الطاولة في أي صفقة تجارية محتملة. كما احتفلت بمناسبات وطنية عديدة للشعب الفلسطيني مثل يوم النكبة. وهي من أشد المؤيدين لحل الدولتين. وقد انتقدت ما يسمى بصفقة القرن لأنها تقترح دولة للفلسطينيين غير مستمرة وليست ذات سيادة. كما أنها تحدثت في فعاليات مختلفة تتعلق بقضية فلسطين، مثل تلك التي عقدت في مؤتمر حزب العمال في سبتمبر 2019 حيث تحدثت إلى جانب زملاء لها يعتبرون أكثر تطرفا إلى يسار الحزب مثل النائبة ديان أبوت ولين ماكلوسكي.

ومع ذلك، حصلت ليزا على دعم حركة العمال اليهود JLM خلال السباق الانتخابي لقيادة الحزب (حيث تنافست مع كل من كير ستارمر وربيكا لونغ بيلي) ووصفت نفسها خلال مناظرة نظمتها الحركة بأنها "صهيونية". بل إنها ذهبت أبعد من ذلك فيما يتعلق بمسألة معاداة السامية، وقامت بوضع خطة خاصة بها من سبع نقاط "لاستئصال" معاداة السامية من الحزب. وتتضمن خطتها إنشاء "فريق عمل" مكون من "الموظفين والمسؤولين الحاليين والسابقين" لتنفيذ استنتاجات تقرير لجنة المساواة وحقوق الإنسان EHRC. وفي مقابلة لها حول فريق العمل، أشارت ناندي إلى أن خطتها تتضمن إشراك مؤسسة "أمن المجتمع"، وحركة العمال اليهود JLM وعدد من الشخصيات الذين ظهروا في الفيلم الوثائقي لبي بي سي حول معاداة السامية، ومنهم إيلا روز وأليكس ريتشاردسون، الذين ظهرت أسماؤهم في فيلم الجزيرة الوثائقي السري حول اللوبي الإسرائيلي وتأثيره على السياسيين في بريطانيا

ورغم ذلك، تلقت ليزا انتقادات لاحقة من الحركة بسبب توقيعها على سلسلة من التعهدات المؤيدة لفلسطين أعدتها حملة التضامن مع فلسطين. وقد أدى ذلك إلى اتهامها من قبل مسؤولي حركة العمال اليهود JLM بأنها "تلعب على الجانبين". 

وفي الخلاصة، يبدو أن ليزا ناندي ليست قوية بما يكفي لتبني موقف واحد ونهائي من الموضوع الفلسطيني دون أن تناقض نفسها بسبب الضغوط التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي. بل وأكثر من ذلك، حيث يبدو أنها ملتزمة أيديولوجياً بمكافحة معاداة السامية.

وزيرة التجارة الدولية في حكومة الظل - إميلي ثورنبيري

إميلي ثورنبيري، هي عضو في البرلمان ومن تيار الوسط في الحزب، وشغلت في فترة كوربين منصب وزيرة خارجية الظل، وهي في الظاهر تدعم حركة التضامن مع فلسطين وتطالب بسياسة خارجية تقدمية تجاه قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبالفعل، فقد حثت ثورنبيري الحكومة البريطانية سابقًا على الاعتراف بدولة فلسطين "هذا إن بقي هناك دولة تعترف بها" حسبما سبق لها القول. وسجلت في مقابلة مع القناة الإسرائيلية i24 قولها "لم نر دولة فلسطينية بعد ". وقد عارضت قرار المملكة المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس حقوق الإنسان بشأن إسرائيل في إطار البند 7 من جدول الأعمال، بحجة أن هذه الخطوة شبيهة بنقض قرارات بشأن الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد عارضت ثورنبيري مرات عديدة، خلال فترة ولايتها في حكومة الظل، الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وفي خطاب ألقته في مجلس العموم، وصفت قتل إسرائيل للفلسطينيين خلال مسيرة العودة الكبرى بأنها "سياسة ممنهجة" ، واعتبرت استخدام الجيش الإسرائيلي لذخيرة معينة كدليل على نيتهم المسبقة في إصابة الفلسطينيين وقتلهم. كما صرخت في مجلس العموم أيضًا بأن نتنياهو "يتجاهل الحقوق الإنسانية للفلسطينيين في غزة" وأنه "ابتعد عن الديمقراطية وسيادة القانون". كما اتهمت نتنياهو بمحاولة تحويل "إسرائيل إلى دولة فصل عنصري".

ومع ذلك، لا تعني المواقف العلنية أعلاه أنها ليست مؤيدة قوية لإسرائيل (حيث جاءت معظم تلك المواقف خلال توليها حقيبة وزيرة خارجية حكومة الظل في عهد كوربين) ، وقد وصفت نفسها بأنها صهيونية خلال حملتها الانتخابية لمنصب زعيم الحزب، وهي معارضة شديدة لحملات المقاطعة لدولة إسرائيل، ووصفت الناشطين بـالحملة بال "متعصبين". وقد ذكرت سابقًا أنها اضطرت إلى "محاربة" مساعدي كوربين أثناء وجودها في منصب وزير خارجية الظل لكي تتم إدانة الهجمات الصاروخية على إسرائيل في البيان الانتخابي للحزب عام 2019، ووصفت استعداد فريق كوبين لرفض إدانة الهجمات على الإسرائيليين بالأمر "المقرف". وأشادت مؤخرًا بتعامل إسرائيل مع جائحة كورونا ودعت المملكة المتحدة للتعلم من إسرائيل.

 

الخاتمة:

في الختام، فإن تغيير حزب العمال لقيادته له آثار متباينة على العمل من أجل قضية فلسطين في المملكة المتحدة. فبالنسبة للمنظمات التضامنية، تأتي قيادة حزب العمل الجديدة في أسوأ وقت ممكن - فقد أصيب حزب العمال بالضيق إلى حد كبير بعد الهزيمة الزلزالية في انتخابات ديسمبر 2019، وبات يُنظر إلى "قضية معاداة السامية" (بغض النظر عن أهدافها ومن وراءها) إلى جانب مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنها عوامل أساسية فيما آل إليه الحزب وأنها أزمات كادت تؤدي بالحزب إلى التقهقر. وبالتالي فإن مركزية مسألة معاداة السامية في الخطاب الجديد للحزب سمحت لجهات وشخصيات فاعلة بالتأثير، وربما التوجيه، لسياسة الحزب في الأيام والسنوات القادمة. ويتجلى ذلك بشكل واضح في لقاءات زعيم الحزب الجديد كير ستارمر خلال السباق لانتخابات القيادة مع حركة العمال اليهود LJM والتي تمحورت حول مختلف القضايا الاستراتيجية منها والتكتيكية. كما يمكن رؤيته ظهور قيادات في الحزب يحاولون الابتعاد عن الظهور بمظهر الضعف في معالجة موضوع معاداة السامية؛ وذلك من خلال تسابقهم لتبني التعهدات العشر التي وضعها مجلس النواب اليهود JBD، وإكراه المرشحين لقيادة الحزب على جعل قضية معاداة السامية في أعلى سلم أولوياتهم خلال حملاتهم الانتخابية.

لذلك، فإن تحييد أو تهميش المجموعات اليهودية المعادية للصهيونية وتلك التقدمية منها سيغيب أي تأثير حقيقي لها في الحزب خلال هذه الفترة، وهذا سيعني بأن التعريف الجديد لعداء السامية IHRA سيترسخ وسيصبح عاملا أساسيا في تحديد توجهات الحزب فيما يتعلق بالعمل للقضية الفلسطينية، وسيكون من الصعب على المجموعات المؤيدة لفلسطين أن تجادل فيه ولا أن تضغط ضده. وهذه الحقيقة المطلقة تعطي صورة قاتمة للمنظمات التضامنية وغالبا ستعني خفضا لسقف مطالبها أو خطابها السياسي المتعلق بالعمل لفلسطين في المملكة المتحدة، وذلك خشية اتهامها بمعاداة السامية.

هذه الحقيقة ينبغي أن تدفع جميع المنظمات التضامنية التي تعمل من أجل فلسطين، إلى التفكير مليا في كيفية مواجهة هذا التحدي وربما تدفعها إلى سلسلة من الاجتماعات لإعادة رسم استراتيجية عملها في بريطانيا. لأنه بدون فهم مشترك ومتماسك حول أفضل طريقة للمضي قدمًا في هذا الظرف الصعب، فإن تأثير التطورات السلبية المذكورة أعلاه سوف تستمر دون تحد حقيقي لها في وقت تتطلب فيه الظروف استجابة فورية وواعية وموحدة.

ومع كل ذلك، فإنه يمكن العثور على مجال بسيط للتفاؤل من خلال معرفة أن السياسة الخارجية لحزب العمال بشأن قضية فلسطين ستبقى على الأرجح كما كانت من قبل. ويتوقع ان ينظر إليها على أنها قضية منفصلة عن "معاداة السامية"، حيث من المرجح أن يواصل الحزب سياسته السابقة فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط ولن يعود إلى سياسات عهد بلير الزعيم الأسبق للحزب. وعلى سبيل المثال، في قضايا مثل المستوطنات، وخطة صفقة القرن، وحل الدولتين، وسياسة هدم الممتلكات، وانتهاكات حقوق الإنسان، فإن الحزب سيواصل اتخاذ موقف تقدمي يتماشى مع إجماع أعضاء الحزب كمثل التي اعتمدت في المؤتمرات العامة الأخيرة ومع القانون الدولي. ويدعم هذا الاستنتاج التحليل أعلاه لمواقف وتصريحات كل من زعيم الحزب الجديد "كير ستارمر"، ووزيرة الخارجية في حكومة الظل ليزا ناندي.

وعلى كل حال، فإن إحدى الملاحظات المثيرة للاهتمام ليست التساؤل إلى أي مدى ستتغير سياسة حزب العمال بشأن القضايا الجوهرية، وإنما التساؤل إلى أي مدى ستكون قضية فلسطين مركزية في حزب العمال خلال السنوات الأربع المقبلة؟ وهل سيركّز الحزب على الموضوع الفلسطيني في هذا الوقت الحرج الذي تمر به القضية وما تواجهه حقوق الإنسان الفلسطيني من محاولات التصفية؟ وهل يجب أن يتم تطبيق صفقة القرن لكي تستعيد القضية زخمها داخل الحزب؟ أم أن القيادة الجديدة للحزب، وكثير من أعضائها لديهم سجل من عدم التناسق في الموقف بشأن قضية فلسطين، وبالتالي ستسعى إلى التقليل من الجدل بشأن فلسطين خوفًا من استفزاز شركائها الجدد فيما يسمى "مكافحة معاداة السامية ''، وخوفًا من مقارنتها مع السياسات التي اتبعت في فترة كوربين؟ وربما مع مرور الوقت سيكون تحليل مواقف الحزب الجديدة وسياساته تجاه فلسطين من أكثر الموضوعات إثارة في المشهد السياسي البريطاني.

لندن


15-04-2020