اشتعل في تركيا قبل أيام نقاش حول احتمال وقوع انقلاب عسكري جديد، بعد أن أطلق قياديون في حزب الشعب الجمهوري المعارض تصريحات مثيرة تلمح إلى إسقاط الحكومة التركية المنتخبة عبر طرق غير ديمقراطية.
وكان نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، قال في مؤتمر صحفي، إن "نظام القصر" يقترب من نهايته، وسيأتي بعده "نظام الجمهورية التركية"، كما صرَّحت رئيسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري، جانان كافتانجي أوغلو، بأن الحكومة الحالية ستسقط "إما بانتخابات مبكرة أو بطرق أخرى".
النقاش الدائر حاليا حول احتمال وقوع انقلاب عسكري يثير أسئلة عديدة، أولها: "لماذا يبحث حزب الشعب الجمهوري عن طرق أخرى غير ديمقراطية، لإسقاط الحكومة، بدلا من السعي للوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع والحصول على ثقة الشعب التركي؟".
وللإجابة على هذا السؤال، يجب النظر في سجل الحزب، بالإضافة إلى المعطيات عن الظروف الراهنة في البلاد وميول الناخبين.
سجل حزب الشعب الجمهوري مليء بتأييد الانقلابات العسكرية، والتصفيق للانقلابيين والتعاون معهم، منذ انتقال تركيا إلى التعددية الحزبية في منتصف القرن الماضي. ولذلك، ليس غريبا أن يدب في صفوف قادته الحنين إلى تلك الأيام التي كان يصل فيها حزب الشعب الجمهوري إلى الحكم على ظهر دبابات الانقلابيين، لأن دعم الانقلابات متأصل في جينات هذا الحزب، ومهما حاول إخفاء تلك الجينات فإنها تطل برأسها في أول فرصة تجدها.
حاضر حزب الشعب الجمهوري لا يختلف كثيرا عن ماضيه. وهناك حوالي 25 في المائة من الناخبين يؤيدونه في السراء والضراء، لكونه الحزب الذي أسَّسه مصطفى كمال أتاتورك، ولا ينظرون إلى نجاحه أو فشله. كما أن الحزب ذاته لا يبدي أي رغبة في التغيير أو السعي إلى نيل ثقة مزيد من الناخبين.
هاكان بايراكجي، صاحب شركة "سونار" لاستطلاعات الرأي، المقرب من حزب الشعب الجمهوري والمؤيد له، انتقد هذا الوضع في برنامج تلفزيوني، وانفجر غضبا، وقال: "شعبيتكم دائما 25 في المئة.. تنامون وهي 25 في المئة، وتستيقظون وهي 25 في المئة"، في إشارة إلى أن قادة الحزب لا يبذلون جهدا لرفع هذه النسبة، بل يصرون على تكرار ذات الأخطاء والسياسة الفاشلة.
حزب الشعب الجمهوري فاز في الانتخابات المحلية الأخيرة في العاصمة أنقرة وإسطنبول، إلا أن هذا الفوز كان بفضل تحالفه مع معظم القوى المعارضة للحكومة، ولعبت فيه عوامل أخرى ليست متعلقة بجهود الحزب، كقضية اللاجئين. إلا أن ذاك الفوز بدأ يتآكل بسبب الإخفاقات التي يسجِّلها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، منذ توليه رئاسة البلدية.
بلدية إسطنبول الكبرى، منذ بداية أزمة كورونا لم تقم بما يجب عليها في مكافحة الجائحة، بل تتصرف وكأنها تتعمد خلق ظروف تؤدي إلى تفشي الفيروس. وعلى الرغم من ضرورة الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي في وسائل المواصلات، قامت البلدية بتقليل رحلات الحافلات والمترو، ما أدَّى إلى الازدحام. ولما نشر بعض الركاب صور ذاك الازدحام في مواقع التواصل الاجتماعي، ادَّعى إمام أوغلو في بث مباشر بأن مجموعة من أنصار حزب العدالة والتنمية ركبوا الحافلة في إحدى المحطات ليظهروها مزدحمة، وأن "دماءه تجمدت في عروقه حين شاهد "الشر المنظَّم" في تسجيلات كاميرات المراقبة"، وأضاف قائلا: "إن كانت السياسة هي هذه فعليها اللعنة".
إمام أوغلو لم ينشر تلك التسجيلات التي ادَّعى بأنه شاهدها، على الرغم من مطالبة عدد من الإعلاميين بنشرها ليثبت ما ذكره في البرنامج التلفزيوني، كما أن النيابة العامة أكدت أن تسجيلات كاميرات المراقبة، سواء الموجودة في الحافلة أو بجوار المحطة المذكورة، تؤكد أنه لم يركب الحافلة في تلك المحطة أحد. واتضح أيضا أن البلدية أرسلت إلى النيابة العامة معلومات خاطئة عن عدد الركاب والمحطات التي ركبوا الحافلة فيها.
شركة توزيع الغاز التابعة لبلدية إسطنبول الكبرى، طلبت من المشتركين في الفواتير الأخيرة مبالغ كبيرة. وذكر كثير من المشتركين أنهم لم يستهلكوا الغاز في شهر نيسان/ أبريل الماضي كما استهلكوه في الأشهر السابقة، نظرا لبدء الربيع وتحسن الأجواء، إلا أن المبلغ المطلوب في الفاتورة الأخيرة حوالي ضعف المبلغ المطلوب في الفاتورة التي قبلها. وقال بعض المشتركين إنهم سيرفعون دعوى قضائية ضد الشركة، بالإضافة إلى أن مجلس التنظيم لسوق الطاقة فتح تحقيقا في الموضوع بشبهة التلاعب والفساد.
شعبية رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ارتفعت في الآونة الأخيرة، كما تشير إليه نتائج استطلاعات الرأي، بما فيها ذاك الذي أجراه حزب الشعب الجمهوري نفسه. ويعود ذلك إلى النجاح الذي حققته الحكومة في مكافحة جائحة كورونا. ويعرف حزب الشعب الجمهوري جيدا أنه لا أمل له في الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع في مثل هذه الظروف. ولذلك يبحث عن طرق أخرى لإسقاط الحكومة.
twitter.com/ismail_yasa
تركيا وكورونا: الأسوأ لم يأت بعد
لماذا هاجموا رئيس الشؤون الدينية التركي؟