أبانت فعاليات المقاومة الفكرية بمختلف أشكالها الفنية والأدبيّة للاحتلال الصهيوني عن حضورها وتميُّزها منذ بواكير نكبة 1948، جاسرة بذلك مربّعات الفن المقاوم بواقع المعارك الاجتماعية والسياسية للإنسان العربي، ونجحت في ربط جمالية الفن بضنك حمل الرسالة الإنسانية، المرتبطة بهمّ الأوطان السليبة و"صداقة الشعوب" التي تَمثَّلها بول نيزان في رائعته "كلاب الحراسة".
ولئن أبطأت الدراما العربية خطى سيرها، زهاء عقدين إثنين على بداية النكبة، نحو رفد فعاليات هذه المقاومة الفنية والأدبيّة، ولم تعرُج بمضامينها المستجدّة نحو مُربعات الوعيين السياسي والاجتماعي المطلوبين، إلاّ بداية مع فيلمي "الأرض" ليوسف شاهين (1968)، و"صور من ذكريات خصبة" لميشيل خليفي، وأفلام رشيد مشهراوي، نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وصولا إلى مسلسلات "التغريبة الفلسطينية" و"الاجتياح و"الروح" و"الأغراب" و"الفدائي"، فإنّ لوثة التطبيع لم تدنّس مضامينها. و بدت الدّراما العربيّة، وإن غلبت على أغلبها الهواية، متساوقة مع الشعور العربي.
وفيما تبدو الحاجة ماسّة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى وعي فني وجمالي يسنُد جذوة المقاومة المتأصّلة لدى الطّيف الغالب من النخب الثقافية العربيّة وسياسييها، خاصّة في ظلّ الصّلف الصهيوني ومحاولات القوى الدّولية والإقليمية فرض ما بات يعرف بـ"صفقة القرن" أمرا واقعا، فإنّ محاولات التطبيع الدرامية التي رشحت خلال السنوات الأخيرة، بدءا بمسلسل "حارة اليهود" وانتهاء بالمسلسلين الخليجيين "أم هارون" و"مخرج7"، اللّذان يُبثّان حاليّا على فضائيّة "أم بي سي" السعوديّة، كشفت عن نكسة أخلاقيّة وقوّت شكوك البعض حول وجود تيّار تطبيع ممنهج أطلّ برأسه من بوّابة الدراما الرّمضانيّة.
شكوك كبيرة وجدل واسع، كان بدأ حتى قبل بداية عرض المسلسلين الرمضانيين، بسبب ما يجري تسويقه من سرديات صهيونية، عبر بوّابة الدراما، خاصة مسلسل "أم هارون" الذي اشتغل على ما يعتقد أنّه معاناة اليهود في العالم العربي. وهو ما يشكّل ردّة على ما أسماه حسن حدّاد، الناقد السينمائي، بـ"اكتمال مرحلة تعمق الوعي السياسي والاجتماعي"، في كتابه "تعال إلى حيث النكهة: رؤى نقدية في السينما"، ويُهدد حصانة الوعي الوطني "للمستهلك" الدرامي.
بعيدا عن النقد الدرامي المباشر لهذا المسلسل وغيره من الأعمال الفنية التي أثارت موجة استنكار واسعة، حفلت بها محطّات إعلامية وفضاءات التواصل الاجتماعي، يستطلع التقرير خلفيات الممانعة الشعبية التي ما فتئت تلقاها محاولات التطبيع الدرامي. ومدى وجاهة موجة الاستنكار المسبقة لهذين المسلسلين الخليجيين، من قبل غير المختصّين الدّراميين.
تبريرات فنيّة غير مقنعة
يرى رياض عمايرة، كاتب صحفي، في تصريح لـ "عربي21"، بعدم معقوليّة التبريرات الفنيّة المقدّمة من قبل المشرفين على مسلسل "أم هارون"، لنفي قيامهم بالتّطبيع مع الكيان الصهيوني. فقط هي تأتي لتثبت تورّطهم في ذلك إمّا عمدًا أو عن جهل، مشيرا إلى أنّه: " منذُ الحلقة الأولى كانت النّوايا واضحة من خلال تمرير لقطة الصّوت الإذاعي القائل "قامت دولة إسرائيل على أرض إسرائيل"، والواقع يقول إنّ هذا المُصطلح "أرض إسرائيل" هو مجرّد وهم صهيونيّ عزّزه حلفاء قلائل في تلك الحقبة الزّمنية التي بدأ فيها الاستعمار البريطانيّ يغادر فلسطين مسلّما إيّاها للصهاينة الوافدين من أوروبا كُرها وطوعًا بعد إقصائهم من العنصريّين هناك ونقلهم إلى الأرض الفلسطينيّة، إذ أنّ هذا المصطلح الكذبة لا يُوجد في قواميس الشّرق أو الغرب بشهادة باحثين وأكاديميين ذوي جنسيّة إسرائيليّة ومنهم المؤرّخ والكاتب "شلومو ساند"، صاحب كتاب "اختراع أرض إسرائيل".
ويقول عمايرة إنّ "مسلسل "أم هارون" لم يتناول موضوعا مغيّبا عن الكتابة العربيّة، فاليهود حاضرون روائيّا وقد سبق تسليط الضّوء على حقبة الأربعينيّات وما قبلها أو بعدها في روايات مختلفة، أغلبها كان موضوعيّا في مُساءلة تلك الحقبة. وقد ألقى أغلبها بالمسؤوليّة على الصّهيونيّة وعملائها على ما حدث ليهود الوطن العربي. لكنّ تفرّد "أم هارون" يكمن في كونه تناول الحدث من وجهة نظر إسرائيليّة واضحة في الخطاب المُتبادل بين شخوص المسلسل أو عبر بيان الإذاعة. وهذا ما يثبت حقيقة المساعي المتجدّدة لإسرائيل ووكلائها في الوطن العربيّ لتغيير الخطاب مع العدوّ وتلطيفه وجعله سلمويّا إلى أقصى حدّ لخدمة أغراض كثيرة، منها تمرير ما عُرف بصفقة القرن التي لا يختلف الواقفون خلفها عن الواقفين خلف المسلسل المذكور".
في ذات السياق يؤكّد محسن النابتي، الناطق الرسمي للتيار الشعبي في تونس، في تصريح لـ "عربي21"، على أنّ ما يسميّه رياض عمايرة بتغيير الخطاب إنّما يهدف إلى تملّك حق الاعتراف، الذي يعتبره أهم هدف لكيان العدو الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين سنة 1948.
وأضاف النابتي: "إنّ الحركة الصهيونية كانت مستعدة دائما إلى تأجيل أهدافها الأخرى مرحليا، في مقابل تحقيق هدف التطبيع العربي معها. فالتطبيع في حد ذاته عدوان متعدد الأهداف، فضلا عن تحقيق هدف الاعتراف أو ما يسمى القبول والتعايش مع الكيان العدو. فالاعتراف يحقق هدف اقتصادي من خلال تمكين كيان العدو من التغلغل في سوق استهلاكية كبيرة، يعوّض بها عن ضعف سوقه الداخلية ومحدوديّتها. كما يحقق الاعتراف هدف ثقافي من خلال اختراق البيئة الداخلية للأمة العربية بغية إضعافها وتفكيكها مثلما هو حاصل اليوم نتيجة الاختراق الكبير الذي حصل بعد معاهدة كامب ديفيد 1978".
ويخلص عمايرة إلى أنّ: "المشروع الصّهيوني فاشل بالضّرورة لأنّ كل محاولات التّطهير النهائيّ للوجود الفلسطينيّ فشلت واللّعب على وتر الدّراما والفنون ستفشل أيضا لأنّ لعبة إقحام العدوّ من بوّابة سيناريو ركيك ومليء بالمغالطات صارت لعبة مكشوفة".
موضوع الأقليّات العرقيّة أو الدينية بوّابة التطبيع
يرى رياض عمايرة أنّ تناول موضوع الأقليّات العرقيّة أو الدينية في الوطن العربي، بعيداً عن الانتماء الكلّي للعروبة الحضاريّة هو ضرب من ضروب تجزئة المجتمع، المُجزّإ بطبعه، وخدمة واضحة لأجندات خارجيّة كثيرة، منها الإسرائيليّة التي تعدّ اليوم المُستفيد الأكبر من أيّ مظلمة ترتكب ضدّ المواطنين اليهود واقعًا أم افتراضًا، وهي التي بنت سرديّتها الكاذبة على المظلوميّة، مضيفا أنّه رغم كون القائم بالمظلمة هو عنصريّ أوروبيّ فإنّ العرب، الفلسطينيين على وجه الخصوص، هم من دفعوا ثمنها.
وأضاف: "خير دليل على التوظيف السياسي لموضوع الأقليات هو ما رشح من ردود الأفعال والتعليقات الإسرائيليّة المرحّبة بعرض مسلسل "أم هارون"، بل إنّهم يبنون عليها مستغلّين هوس بعض العرب بالصّيد في مياه التفرقة العكرة. وخير دليل على ذلك دفاع الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيليّ المستميت عن موضوع المسلسل وبطلته".
اليهود العرب ضحيّة السياسات الصّهيونيّة
يؤكّد عمايرة أنه: "رغم أنّ اليهود العرب تعرّضوا إلى بعض المظالم من طرف جهلة ومتغطرسين لا يفرّقون بين اليهوديّة كمعتقد وبين الصّهيونيّة (وهذه النّقطة تحديدا هي ما عملت وتعمل من أجلها إسرائيل منذ عشرات السّنين وفي ذلك إساءة واضحة للديانة اليهوديّة)، فإنّ معظم تلك الأحداث التي كانت ضحيّتها يهود عرب، كانت بتنسيق بين مؤسسي الصهيونيّة وبين أنظمة عربيّة عميلة من ذلك ما حدث لليهود العراقيّين في 1941 (أحداث الفرهود) بتدبير بريطاني أو بتواطؤ من نظام نوري السّعيد، فغادروا إلى ما سُميّت زورا إسرائيل وليكتشف بعضهم في مراحل لاحقة التّزوير الذي حصل والخيانات التي مُورست ضدّهم لإخراجهم من أرض العراق.
من ذلك ما ذكره الكاتب العراقيّ الأصل نعيم جلعادي (المتخلّي عن جنسيّته الإسرائيليّة بعد اكتشافه حقيقة ما حدث) في مؤلّفه "جرائم بن غوريون": "الإسرائيليون يراهنون على الدّراما والفنّ الموجّهة والمحشوّة بالسّرديات الصهيونيّة لتعزيز أكاذيبهم الكثيرة وابتكار مزيد من البُكائيّات يُضيفها إلى معجم المظلوميّة التي استندت عليها الصّهيونيّة منذ مؤتمر بازل. وإذا تمّ النّظر إلى علاقة إسرائيل بالتّلفزيون والسنيما سنجد أعمالا عنصريّة كثيرة وُظّفت لإشاعة المزاعم الصّهيونيّة وجلب التّعاطف مع المحتلّ ويبقى أهمّها مسلسل "عمود النّار" الأسطوريّ الذي بُثّ عام 1981 على امتداد 19 حلقة وتمّ الضّغط من أجل بثّه على القناة الرّابعة البريطانيّة عام 1986، مُحدثا ردود أفعال كثيرة مُناهضة لمضامينه العنصريّة الكاذبة".
مكانة فلسطين في الضمير الجمعي العربي والإسلامي
يشير مراد اليعقوبي، جامعي ومؤرخ وكاتب عام جمعيّة "أنصار فلسطين" التونسيّة، في تصريح لـ "عربي21"، إلى مرور تاريخ الإجرام الصهيوني تجاه الحق الفلسطيني بتطورات عديدة، فبعد الإعداد ثم تنفيذ الاغتصاب الصهيوني وتدجين عدة قوى عربية، توهّم الصهاينة أن وجودهم على الأرض قد تجذّر وأنّ الأمر قد استقر لهم. ولذلك مرّوا إلى المرحلة الموالية وهي مرحلة تحويل الكيان الدخيل إلى جسم متعايش مع محيطه عبر فرض التطبيع بكل الأشكال.
وفي هذا السياق انطلق تيار التطبيع العربي الصهيوني منذ عشرات السنين، غير أنّه ظلّ يراوح مكانه في علاقة بالأجهزة الرسمية لبعض الأنظمة العربية، دون أن يتمكّن من تحقيق أي درجة من المقبولية لدى عامة العرب والمسلمين. وكانت آخر هذه المحاولات هي التطبيع عبر المنتجات الفنية من مسلسلات وحفلات وغيرها. وقد بلغت صفاقة بعض العرب أن اقتحم في الفترة الأخيرة مجال الدعوة لتبرير الوجود الصهيوني، مثلما نشاهده اليوم مع مسلسل "أم هارون" الذي يعرض على قناة "أم بي سي" السعوديّة. ولكن موجات السخط والرفض لهذه الأعمال جعل من المستحيل تحقيق أهدافها في الانسجام مع المجتمع العربي الإسلامي.
وهو نفس ما يراه محسن النابتي، الذي يقول بفشل الأعمال الدرامية والفنيّة التي تبنّت موضوع التطبيع مع الصهاينة، رغم ما رُصد لها من إمكانات مادّية ضخمة، مذكّرا في ذات السياق بما لاقته هذه الأعمال المشبوهة من ضعف نسب المشاهدة، بمجرّد انكشاف أمرها. بل إنّ القائمين على هذه الأعمال والمروّجين لها يكون نصيبهم العزلة في الأوساط الفنية والثقافية العربية. ويذكّر النابتي بمصير الفنانين والممثلين العرب، الذين انتهت مسيرتهم بمجرد مشاركة، ولو كانت بسيطة، في عمل فني يسوّق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، في الوقت الذي رفعت فيه الجماهير العربية ممثلين عربا، أدوا أدوارا فنية مقاومة للعدو الصهيوني إلى مستوى الأبطال القوميين، و"كلنا يذكر كيف رافق لقب رأفت الهجان الفنان محمود عبد العزيز عند الجمهور من المحيط إلى الخليج، ولا زال يحظى المسلسل بنسب مشاهدة عالية جدا كلما تمت إعادة عرضه برغم مرور سنوات طويلة على إنتاجه الأوّل" يضيف محسن النابتي.
من جهته يرى اليعقوبي أنّ هذا الفشل المتواصل في محاولات التطبيع الصهيوني يعود إلى "المكانة المتميّزة التي تحظى بها قضية فلسطين، نتيجة ارتباطها بحق الأرض، الذي لا يمكن التغطية عليه بمنطق القوة، وبحق الدين والمعتقد الذي يجسمه المسجد الأقصى بكل قوة. فدعاة التطبيع يبسطون المسألة في أذهانهم ويتعاملون معها متناسين مكانتها في الضمير الجماعي الضارب في التاريخ وفي العقيدة. ولقد فشلت محاولات التطبيع رغم استعانة القيادات العربية المطبعة بكل أشكال الضغط من توظيف المؤسسات الرسمية ولا سيما الدينية منها، وهو الحال بمصر التي تستغل دار الإفتاء للدعاية السياسية للاستبداد والتطبيع. ومستفيدة من طيف واسع من المثقفين الذين رضوا أن يقتاتوا من الدعايات الرخيصة ضد شعوبهم وأمتهم".
النزوع إلى "الأخلاقوية" يفشل التطبيع الشعبي
يرجع الدكتور أسامة عكنان، كاتب ومخرج، في تصريح لـ "عربي21"، فشل محاولات التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني إلى بعد المواطن العادي عن دوار تحقّق المصالح الشخصيّة المباشرة المرتبطة بالمواقف السياسية المحددة، فهو لن يكسب شيئا لو أنه طّبَّع، ولن يخسر شيئا لو أنه لم يُطبِّع، فإن عقله الباطن يكون قد كيف الفعل الظاهر والواعي في ضوء ذلك، وهو الأمر الذي يجعل المسألة عنده تكون أقرب إلى تحديد مواقفه بخصوصها استنادا إلى أسس العقل الجمعي المتحرر من تلك المنظومة المباشرة من المصالح والمزايا والمكتسبات أو الأضرار والخسائر التي تترتب على الموقف السياسي، والتي هي أقل نزوعا إلى البراغماتية، وأكثر نزوعا إلى "الأخلاقية"، وذلك خلافا للحيثيات البراغماتية والمصلحية التي يخضع لها المثقف في تحديد موقفه، على نحو أوضح وأجلى من المواطن العادي.
ويضيف عكنان بالقول أنّه: "لا يوجد شعب في العالم يطبّع حياته مع عدوّ يحتلّ أرضه ويرتكب الجرائم في حقّه كلّ يوم. إنّ التّطبيع لا يعني إلاّ شيئا واحدا: هو أنّ المطبّع يعترف بعدم وجود ما يستدعي عدم التّطبيع مع المحتل، أي أنّه يعترف بأنّ حالات الصّراع والحرب والنزاع قد زالت وانتهت، سواء أعلن صراحة بأنّ هذا هو داعي التطبيع أو لم يعلن. فالعبرة هنا ليست بالإعلان الصّريح من عدمه، فهذا لا قيمة له، وإنّما العبرة هي بالدّلالة السيكولوجيّة للفعل وللموقف. فأيّ تطبيع قبل تحصيل الحقوق وحلّ النّزاع، هو تبرّع مجاني وهديّة ثمينة، يتمّ تقديمها للعدو المغتصب دون أيّ مردود. ومن عادة الشعوب أنّها لا تميل إلى التبرّعات المجانيّة، لأنّها ليست صاحبة مصلحة في مثل هكذا صفقات للكرم غير المبرّر".
تطويع الدراما والفن للتطبيع مع الصّهاينة
يرى محسن النابتي أنّ تركيز الحركة الصهيونية على الاختراق الثقافي مردّه المكانة التي يحتلّها المدخل الثقافي في تغيير شعور الإنسان العربي ونظرته، سواء كان نخبة أو مواطنا عاديّا. ولذلك تمّ التّركيز على استهداف مناهج التعليم والمضامين الثقافية والفنية، من سينما ودراما وأغنية وحتى التراث المادي، مثل الآثار والصناعات التقليدية التي لم تسلم من الإجرام الصهيوني. ويشير النابتي في ذات الإطار إلى أنّ "مشروع اغتيال الأغنية العربية بدأ بالتوازي مع انطلاق ما سُمّي بمشروع السلام بعد حرب الخليج الثانية، من خلال ما قال أنّه مشروع صهيوني نُفّذ بأدوات وأموال خليجية، وذلك لأهمية الكلمة في الحضارة والثقافة العربية وتأثيرها في وجدان الناس".
وشكلت السينما والدراما العربيتين هدفا مستمرا للكيان الصهيوني لتمرير عملية التطبيع نظرا لكونه من خلالهما يستهدف النخب الثقافية وعموم الناس في وقت واحد ،وعادة ما تشهد الأعمال الدرامية في شهر رمضان المعظم مثل هذه الاختراقات باعتبار نسب المشاهدة العالية عربيا للدراما في هذا الشهر الفضيل، ولم يشذ هذا العام عن القاعدة حيث كانت الدراما الخليجية رأس الجسر كالعادة بأعمال صرف عليها المليارات من أموال الشعوب لا قيمة ولا هدف فني لها سوى تغيير صورة الكيان الصهيوني في وجدان الإنسان العربي وكانت محاولات هذا العام من خلال أعمال على غرار أم هارون غاية في الوقاحة حتى لكأنك تخال نفسك تشاهد مسلسلا "إسرائيليا ".
مسؤوليّة المثقّف في وقف تيّار التّطبيع
يحمّل أسامة عكنان المثقف، والفنان على وجه الخصوص، مسؤولية وقف ثقافة التطبيع مع العدو الغاصب، لكون النّظام السياسي في أيّ دولة عربيّة "دائما ما يتحرّى شرعيّة مواقفه في حالة ثقافيّة سائدة: تمنحه تلك الّشرعية، فمن الطّبيعي القول بأنّ من يتحمّل المسؤوليّة الكاملة في هذا الشأن هم المثقّفون، فلا وجود لمثقّف تتسم ثقافته بالشّرعيّة الوطنيّة ويكون مطبّعا، ولا يمكن لعروبي يعي العروبة ويطبّع، ولا يوجد شخص يتحدّث باسم الإسلام ويطبّع، لا بل لا يوجد إنسان يحترم الحدّ الأدنى من إنسانيّته ويطبّع مع هذا الكيان في الظروف الرّاهنة للصّراع وللقضيّة. يا أيّها المثقّف في هذه الأمّة: إمّا أن تكون إنسانا وإمّا أن تطبّع، إمّا أن تكون عربيّا وإمّا أن تطبّع، إمّا أن تكون مسلما وإمّا أن تطبّع، هذه هي المعادلة. ولا يمكن الجمع بين النقيضين: العروبة والتّطبيع، الإنسانيّة والتّطبيع، الإسلام والتطبيع!".