أفتت دار الإفتاء المصرية بوجوب إعطاء أموال الزكاة لصندوق "تحيا مصر"، أحد أهم الصناديق السيادية التابعة لنظام عبد الفتاح السيسي، وهو ما أثار جدلا وتساؤلات.
وقال مستشار مفتي الجمهورية مجدي عاشور، عبر برنامج تلفزيوني: "لدينا فتوى رسمية من دار الإفتاء -تعود لمنتصف عام 2016- بإخراج أموال الزكاة وزكاة الفطر إلى صندوق تحيا مصر، لأن هذا الصندوق مخصص للوقوف بجانب الفقراء والمساكين والمحتاجين".
وقال إنه "يجب إعطاء الزكاة للفقراء والمحتاجين، ودفع أموال الزكاة للمؤسسات المعروفة مثل صندوق تحيا مصر، بجانب المؤسسات الخيرية المعتمدة، وتعتبر مؤسسات قانونية، وتعمل من أجل خدمة الوطن والمواطنين، ولديها قاعدة بيانات بالقرى الأكثر فقرا، فهي تستحق أموال الزكاة".
حديث دار الإفتاء يأتي في الوقت الذي يعاني فيه نحو ثلث المصريين حسب البيانات الرسمية من الفقر، ونسبة الثلثين منهم حسب إحصاءات البنك الدولي، كما يأتي في الوقت الذي يقول ناشطون إن المصريين لا يعرفون شيئا عمّا يصل إلى صندوق تحيا مصر من أموال ولا عن طريقة إنفاقها.
هل يخضع للرقابة؟
تضرب السلطات المصرية سرية تامة حول أعمال الصندوق، وعلى الرغم من مرور نحو 6 سنوات منذ إعلان السيسي عن إنشائه في تموز/ يوليو 2014، إلا أنه لم يصدر عنه أي تقارير أو بيانات تتحدث عن حجم ما وصله من أموال أو طريقة إنفاقها.
وبدأ السيسي فترة حكمه الأولى بتدشين صندوق "تحيا مصر"، وقيل حينها إنه سيخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات الجهاز الحكومي، وهو ما لم يحدث، حيث خضعت أعمال الصندوق للإشراف المباشر من السيسي والجيش، رغم أنه له مجلسا استشاريا من رجال دين بينهم شيخ الأزهر وبابا الأقباط ورجال أعمال وبعض الوزراء.
وتحدثت تقارير صحفية عن أن الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة -مسجون حاليا على خلفية تقرير للجهاز حول الفساد في البلاد- حاول ممارسة دوره الرقابي على صندوق تحيا مصر، وهو ما تم رفضه؛ بحجة رقابة هيئة الشؤون المالية للجيش على الصندوق.
وأصدر مجلس الدولة فتوى قانونية تقضي بمنع الجهاز المركزي للمحاسبات من مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة "تحيا مصر"، ليكون الصندوق هو الاستثناء الوحيد من بين كل المؤسسات العامة التي ينص الدستور على خضوع أنشطتها المالية لرقابة الجهاز.
وقطع قرار رئاسي أصدره السيسي وأقره البرلمان المصري، في تموز/ يوليو 2015، بعدم خضوع أعمال الصندوق للمراقبة، ومنحه حصانة من الرقابة المالية والتشريعية وبعيدا عن الموازنة العامة للدولة.
وفي آب/ أغسطس 2016، كشف رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، شريف سامي، عن عدم خضوع صندوق "تحيا مصر" لإشراف الهيئة؛ بحجة أنه لم ينشأ وفقا لقانون سوق المال، وجاء بقرار من السيسي.
وفي ظل أزمة كورونا، انطلقت الحملات الداعية للتبرع للصندوق، حيث أعلن عدد من رجال الأعمال والمشاهير عن مساهمات منهم رجل الأعمال محمد فريد الخميس بـ5 ملايين جنيه، والممثل محمد رمضان بمبلغ 2 مليون جنيه، وثلاثة أشهر من رواتب أعضاء مجلس النواب بنحو 20 مليونا، وهو ما نحاه المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للنيابة الإدارية.
ودعم شيخ الأزهر الصندوق بـ5 ملايين جنيه في 27 آذار/ مارس الماضي، فيما تبرعت الكنيسة الكاثوليكية بـ2 مليون جنيه، وقدمت الكنيسة الأرثوذكسية مبلغ 3 ملايين جنيه للصندوق.
وهي التبرعات التي تتم في معظم المواقف الصعبة التي تواجهها البلاد، حيث يتم استنفار الدعوات لدعم الصندوق.
اقرأ أيضا: الشعب أقوى.. مبادرة لمعارضين مصريين لمواجهة كورونا
فتوى لأبوزيد
وأفتى عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور وصفي أبوزيد، بقوله: "في ظل ما تحياه مصر من حالة سياسية مضطربة وأوضاع اجتماعية متحللة، وظروف اقتصادية متردية أوصلها إليها من توسدوا الأمر وهم ليسوا أهله، ومن انقلبوا على إرادة الشعب المصري بفسادهم وكذبهم وخياناتهم للأمانة والإيمان التي أقسموا عليها؛ فإنه لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يضع زكاة ماله تحت تصرف سلطة مثل سلطة السيسي، ولا أن يأتمنهم على أي شيء يتصل بدين أو دنيا".
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "رأينا الأموال الخليجية التي أتتهم بالمليارات من سلطات تلك البلاد أين ذهبت؟ ورأينا انتهاك حرمات الله والمؤمنين جهارا نهارا، ورأينا الفساد المالي الذي تم إنفاقه على السيسي وحاشيته، وعلى المقربين منه والحاكمين معه، وعلى أذرعه المختلفة التي تروج له ويحتمي بها".
ولفت إلى أنه "في الوقت الذي يتضور فيه الشعب المصري جوعا، ويزداد فقره وعوزه يوما بعد يوم، الله تعالى يقول: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)".
وقال أبوزيد، إن "المسلم مؤتمن على المال الذي آتاه الله، ولا يجوز له أن يخون هذه الأمانة ويعطيها ليد غير أمينة، وفي هذه الحالة يجب أن يبحث عن جهة أمينة يأتمنها على الدين، أو ينفقها هو بنفسه على من يعرفهم من مستحقي الزكاة".
وأضاف: "كما أن المسلم مطالب شرعا بالتحري في المصرف الذي يصرف فيه زكاة ماله، وأن المال فيه حق لله، وفيه حق للفقراء، ويجب أن يصل هذا الحق لأهله شرعا، وهو ما لا يتحقق في الحالة المذكورة".
سؤال لدار الإفتاء
أكد الداعية الإسلامي الشيخ عبدالخالق الشريف، أن "زكاة المال حق الفقراء في مال الأغنياء، والأولى بها الفقير القريب، والفقير الجار ومن يعرفه المزكي؛ فالزكاة للفقير القريب صدقة وصلة رحم، وفيها أيضا أنه أعلم بحاله، وكذلك صلة رحم وتراحم بين الأقارب والجيران ومن يعرفهم مؤدي الزكاة".
وأضاف عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، أن "كثيرا من العلماء قالوا إنه لا يجوز إخراج الزكاة من بلدة لأخرى، ومن أهم مصارف الزكاة طلبة العلم الفقراء، وهذه الأمور تتم عن طريق المعرفة الشخصية".
وأوضح الشيخ الشريف، أنه "كان بمصر قديما جمعيات خيرية تقوم بذلك حسبة لله تعالى والعاملين عليها لا يأخذون لأنفسهم أجرا إلا من الله تعالي، لكن هذه الجمعيات معظمها تم تدميره والسيطرة عليها".
وتابع: "أما صندوق مصر، فلا نعلم عنه شيئا"، مضيفا: "والسؤال لدار الإفتاء: هل هؤلاء لا يعرفون من الإسلام إلا أخذ الأموال؟ أليس من الإسلام منع الظلم الواقع على المسجونين ظلما والممنوع عنهم حتي العلاج؟ أليس من الإسلام الحرية والعدالة والرحمة؟".
"سبوبة لصندوق مشبوه"
وفي تعليقه على الموضوع، قال البرلماني المصري السابق، عز الدين الكومي، إن "دار الإفتاء منذ وقوع الانقلاب على الرئيس المنتخب انحصر عملها في رؤية الأهلة، وكذلك إصدار الفتاوى السياسية لمصلحة النظام الانقلابي، دون مراعاة لأدنى قواعد الفتوى".
وأضاف عضو مجلس الشورى الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، لـ"عربي21"، أن "دور الإفتاء المصرية الأبرز الآن هو البصم على أحكام الإعدام بالجملة والقطاعي الصادرة من قضاء مسيس، وبتهم ملفقة، ومحاكمات تفتقد لأبسط قواعد العدالة؛ لذلك نصطلح على تسميتها بإفتاء الدم ومفتي الإعدامات".
وتابع: "فلا غرو أن تفتي دار إفتاء الدم بإعطاء الزكاة لصندوق مشبوه لا يعرف أحد عنه شيئا، لا عن طريقة تأسيسه ولا عمله أو تمويله أو بنود صرفه".
ويرى الكومي، أن "مجدى عاشور لم يراع حرمة رمضان، معتبرا أنه "يؤسس لسبوبة جديدة لنظام الانقلاب، لتكون مثلها مثل صناديق النذور والأتاوات التي تفرض على رجال الأعمال في ظل الشعار الذي رفعه قائد الانقلاب: هتدفع يعني هتدفع".
حملات ترهيب وتهديد بمصر لمنتقدي تعامل الحكومة مع كورونا
موقع أمريكي محافظ يطالب بقطع المساعدات عن "فرعون مصر"
هل تسبب وزراء الأوقاف والصحة والتعليم في تآكل شعبية السيسي؟