تشهد الساحة السورية حضورا متزايدا للصين، بدأ بمشاركة النظام لأول مرة بقمة "الحزام والطريق" في نيسان/ أبريل 2019، وإعلان بشار الأسد، نهاية العام ذاته، عن تقديم ستة مشاريع لبكين في سياق إلحاق البلاد باستراتيجية العملاق الآسيوي، وليس انتهاء بالحديث عن إدراج سوريا في "الحزام والطريق الصحي".
ووضعت تقارير ذلك في سياق اهتمام الطرفين بتعزيز العلاقات القائمة أصلا، لا
سيما مع تثبيت الأسد أقدامه في أغلب مساحة البلاد، فيما رصدت أخرى بصمات لإيران في
محاولة إدخال معطى جديد، أي الصين، في اللعبة، من شأنه تخفيف الضغوط التي تتعرض
لها هناك، بينما رأى مراقبون أن دور بكين لم ولن يصل بها إلى مرحلة المواجهة مع أي
طرف أساسي في المعادلة، ولا سيما الولايات المتحدة.
رسالة بكين للأسد
تعد العلاقات بين نظامي البلدين بطبيعة الحال قوية جدا، لكن حضور كل من إيران وروسيا في مشهد الحرب جعل دور الصين يبدو مقتصرا على التصويت ضد قرارات أممية بشأن سوريا في مجلس الأمن والمحافل الدولية.
إلا أن رسالة من سفير
بكين- السابق- لدى دمشق، تشي تشيانجين، إلى النظام، في 5 آب/ أغسطس 2018، شكلت
مؤشرا على انعطافة صينية نحو تدخل أكبر، حيث أكد فيها عزم بلاده توسيع حضورها
الاقتصادي والسياسي والعسكري في سوريا، بحسب تقرير نشره "مركز السياسات
العالمية" في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وأورد السفير في تلك
الرسالة، التي نشرتها صحيفة "الوطن" السورية، ملامح استراتيجية بلاده
الجديدة نحو المنطقة، معلنا البدء بضخ أموال في إعادة الإعمار والبنى التحتية، مرحبا
بـ"انتصارات النظام".
وقال: "تقدر الحكومة الصينية موقع سوريا المهم في الاستراتيجية
الجيولوجية الدولية.. وتعتبرها شريك التعاون الطبيعي لبناء الحزام والطريق.. ونستعد
للقيام بتعاون أكثر معها في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية
والمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار الاقتصادي".
وإثر ذلك، بدأ بالفعل إقحام دمشق تدريجيا في منظومة "الحزام والطريق"، وصولا إلى استضافة وفد النظام في قمة حول المبادرة، العام الماضي، وبدء نظر بكين في مشاريع مقدمة من قبل الأسد، قبل أن يداهم "كورونا" الصين، ومن ثم العالم، وينصب اهتمامها على الجانب الصحي والطبي، الذي لم تغفل سوريا منه بطبيعة الحال.
وبحسب تقرير
"مركز السياسات العالمية"، فإن سوريا تعد من جهة محطة استراتيجية
"محتملة" للحزام والطريق، عبر إيران والعراق، كما تعد ساحة استثمارات هائلة
في البنى التحتية بالنسبة للصين، التي لا يبدو أن بقية دول العالم تحظى
بإمكاناتها، فضلا عن رصيدها المسبق بموجب علاقتها "الخاصة" مع نظام
الأسد.
كما أن الحضور في البلد المضطرب ذي الموقع الاستراتيجي من شأنه أن يمنح
الصين "تراكما في النفوذ الإقليمي على حساب الولايات المتحدة"، فضلا عن أهمية ذلك في إطار مواجهة من تعتبرهم
بكين "إرهابيين" ينشطون في المنطقة، في إشارة إلى المسلحين المنحدرين من
تركستان الشرقية، الذين يشكلون تهديدا محتملا للإقليم الصيني ذي الغالبية المسلمة،
في حال تم توجيههم ودعمهم من "طرف ما".
اقرأ أيضا: لماذا تغامر الصين باستثمار المليارات في بلد محاصر؟
دور إيران
أشارت عدة تقارير على مدار العامين الماضيين إلى خلافات محتملة بين حليفتي الأسد، روسيا وإيران، مع قرب بلوغ الحرب نهايتها لصالحهم، سواء بشأن النفوذ في دمشق أو إعادة الإعمار أو ملف "أمن إسرائيل"، وغيرها.
وبالتوازي مع ذلك، تعرضت طهران لضغوط متزايدة
من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وخاصة المتمثلة باستهداف مصالحها على الحدود
بين سوريا والعراق، وصولا إلى دخول تركيا على خط الاشتباك مع ميليشيات إيرانية في
إدلب ومحيطها.
ومنتصف آذار/ مارس الماضي، أصدر "المعهد
الألماني للشؤون الدولية والأمنية" (SWP)، تقريرا يؤكد
عمل إيران على "استجلاب" التدخل الصيني في سوريا، لتشكيل توازن في ذلك
المشهد، يحمي وجودها ومصالحها، وأهمها الاحتفاظ بورقة الوصول إلى مياه المتوسط
والتواصل مع مختلف القوى الموالية لها في المنطقة واستخدام تهديد إسرائيل كورقة
ضغط على الولايات المتحدة.
ويوضح المعهد أن خطوات عملية تتخذها طهران، نحو جعل العراق- سوريا- المتوسط
أحد الطرق الرئيسية لربط الصين
بأوروبا، إلى جانب الطرق الشمالية عبر روسيا وآسيا الوسطى، والحزام البحري عبر
الخليج العربي.
ويشير في هذا السياق
إلى إعلان إيران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عن خطة لبناء خط سكة حديدية يربط "معبر
شلمجة" الحدودي الواقع على الحدود الإيرانية العراقية، مع ميناء البصرة في
جنوب شرق العراق، على أن يمتد حتى الساحل السوري، فضلا عن طرق سريعة تصل مختلف
حدود الأردن والسعودية كذلك.
وفي الآونة الأخيرة،
باتت طهران أكثر اعتمادا على بكين من أي وقت مضى، بحسب تقرير نشره "معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في 27 آذار/ مارس الماضي، موضحا أن ذلك يحدث بعد
تشديد واشنطن عقوباتها الاقتصادية على إيران، ثم تضررها بشدة بتفشي فيروس كورونا
المستجد، قبل أن تضربها آثار ما ترتب على الجائحة من أزمات اقتصادية وانهيار أسعار
النفط، الذي يعد موردا أساسيا لاقتصادها.
وفي الواقع، فإن
الارتباط بالبحر الأبيض المتوسط يعد مكسبا لإيران بذاتها، وهي التي تسعى للمنافسة
بقوة في سوق الغاز بأوروبا، فضلا عن الفرص التجارية الأخرى المحتملة بين الجانبين،
وهو ما شكل منذ بداية الأزمة أحد دوافع روسيا للتدخل في سوريا، والتركيز على
ساحلها بشكل خاص.
كما تعد سوريا سوقا كبيرة للبضائع الإيرانية، ينتظر أن تزداد أهميتها بعد نهاية الحرب، فضلا عن لبنان المجاورة.
اقرأ أيضا: لماذا تعتبر الصين أنها مستهدفة بأي تصعيد أمريكي ضد إيران؟
"ملف مغلق"
وفي حديث لـ"عربي21"، تطرق الباحث في العلاقات الدولية، عبد الله عقرباوي، إلى ما يثار بين الحين
والآخر حول تحولات في المشهد السوري، سواء على صعيد تنامي أدوار لأطراف جديدة أو
شكل نهاية الأزمة، موضحا أن معظمها يتركز حول النفوذ الإيراني ومصير الأسد، بما في
ذلك الحديث عن سعي طهران، مؤخرا، لتعزيز دور بكين في هذا الملف لإحداث توازن مع موسكو.
وقال عقرباوي: "رغم مستوى التعقيد الكبير للمشهد السوري منذ بداية
الأزمة، إلا أنه أخذ يستقر على مستوى الفواعل الداخلية والخارجية والعوامل المؤثرة".
وأضاف: "يمكننا القول إنه ومنذ العام 2017 باتت القضية السورية قضية
غير قابلة للمفاجآت الدراماتيكية، ودخلت مسارا واضحا يعتمد على مواقف الأطراف
الدولية الرئيسية والقوى الإقليمية ذات التأثير في المشهد".
وتابع: "وعليه فإن غالبية الملفات المتعلقة بالأزمة محصورة بين
أطراف رئيسية هي الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا بالإضافة للأطراف السورية
الداخلية".
وحول فرضيات تنامي الدور الصيني، أكد عقرباوي على "عدم وجود مؤشرات
حقيقية لهذا الدور، فمن غير المتوقع أن تقوم الصين، وهي قوة اقتصادية وذات تأثير
دبلوماسي في عدة ملفات، بلعب دور خارج السياق في ملف مغلق كالملف السوري"،
مستبعدا أن تكون بكين في هذا الوارد حاليا، أو أن تتمكن طهران من تشجيعها على سلك
هذا المسار.
الصين لا تصادم أمريكا
وأوضح الباحث في العلاقات الدولية أن الدور الصيني في سوريا يشكل تعبيرا
مثاليا للسياسة الخارجية الصينية في ما يتعلق بالأزمات ذات الطابع الدولي، "إذ
تعتمد الصين في سياستها الخارجية على قوتها الاقتصادية ونفوذها التجاري العالمي،
وتجعل من ذلك أحد أهم أدواتها في التأثير ومنطلقا مهما في حسابات مصالحها".
وتسعى الصين عادة، بحسب عقرباوي، "لتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة
بتحويل سياساتها الرافضة للسلوك الأمريكي لسلوك عملي على الأرض، فالصين لا ترسل
قوات في أي من النزاعات الدولية، رغم حرصها على تبني مواقف مخالفة للولايات المتحدة
في ضوء الحفاظ على مصالحها الأساسية".
ويختم بالقول: "في تنفيذها لسياستها الخارجية وتحركها الدبلوماسي، تميل الصين للهدوء والابتعاد عن البروباغندا في تصدير دورها، وهو الأمر الذي يفسر أدوارها في بعض الملفات دون تأثيرات سلبية على صورتها الدولية، والتي تؤثر بدورها على الاقتصاد والتجارة".
منتدى الشرق: كورونا سيغير العالم والمستقبل لصالح تركيا
لماذا تأخرت أمريكا بمواجهة الصين حتى بلغت أعتاب "التفوق"؟
أربعة ملايين إصابة بكورونا عالميا.. ودول جديدة تخفف الإغلاقات