أثارت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، جدلا واسعا في الأوساط السياسية، بعد إعلانها قوائم الموظفين الجدد في مكاتبها بعموم محافظات البلاد، والتي أظهرت عودة سيطرة الأحزاب عليها من جديد.
ويأتي إعلان القوائم الجديدة للعاملين فيها، بعد حلّ مفوضية الانتخابات السابقة، على إثر المظاهرات الشعبية، وتعيين أخرى جديدة تتكون من 9 قضاة، والشروع بإعادة هيكلة جميع مكاتبها الإدارية.
سيطرة حزبية
وعلمت "عربي21"، من مصادر سياسية خاصة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "التيار الصدري استحوذ على أغلب المناصب القيادية والمهمة في المفوضية العليا للانتخابات، وأبرزها دائرة العمليات والأمانة العامة، وحتى رئاسة مجلس المفوضية".
وأكدت المصادر أن "تمثيل السنة في المفوضية تراجع إلى 10 بالمئة بعدما كان 20 بالمئة، وفقدوا منصب رئيس مجلس المفوضين الذي كان من حصتهم بالسابق، إضافة إلى إبعادهم عن مناصب قيادية في مكاتب المفوضية ببغداد، في حين لم يعد توازن المكونات موجودا".
وفي حديث لـ"عربي21"، قال المحلل السياسي الدكتور يحيى الكبيسي، إن من يراجع القوائم الأخيرة التي أصدرتها مفوضية الانتخابات لموظفي مكاتبها في المحافظات "سيكتشف بسهولة أنها تعيينات حزبية، وأن الأحزاب الفاعلة بالبرلمان سيطرت على المكاتب التي تعنيها بشكل مباشر".
وأوضح الكبيسي أن حزب رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، سيطر على مكتب مفوضية الأنبار بالكامل، وحزب حليفه النائب أحمد الجبوري (أبو مازن)، سيطر على مفوضية صلاح الدين، وبالتالي لا أعتقد أن ثمة جديد بمكاتب المحافظات عما كانت عليه في السابق".
انحرافات خطيرة
ورأى المحلل السياسي أن "مشكلة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، منذ تأسيسها كانت مجرد ممثلية للأحزاب، ولم تكن الاستقلالية سوى مفردة لامعة داخلها".
ولفت إلى أنه "في المظاهرات الشعبية كانت هناك رغبة لاستعادة استقلالية المفوضية العليا للانتخابات، وشُرع قانون جديد للمفوضية، لكننا اكتشفنا من خلال التعيينات التي تمت واختيار القضاة التسعة لإدارة المفوضية أن المحاصصة الطائفية كانت واضحة".
ونوه الكبيسي إلى أن الأحزاب الفاعلة والمسيطرة على البرلمان، هي التي سمّت القضاة الذين ظهرت أسماؤهم في القائمة الأخيرة، بدليل أن إحدى القاضيات ظهر اسمها بالقرعة المفترض، وتمت إزاحتها وتعيين شخصية أخرى مكانها، وبالتالي فإن المحاصصة هي التي تحكم بالنهاية".
وبخصوص استبعاد المكون السني من مناصب مهمة بالمفوضية، قال الكبيسي إن المحافظات المختلطة، لا سيما ديالى وكركوك وبغداد وبابل، لم يكن فيها أي توازن في التمثيل المكوناتي".
وشدد على أن المشكلة الأساسية ليست في التمثيل المكوناتي، وإنما في عدم استقلالية المفوضية العليا للانتخابات، وسيطرة الأحزاب على مكاتبها، وبالتالي سيطرتها على الانتخابات، ما يعني أننا سنكون أمام تزوير لن يختلف عن ما جرى في جميع الانتخابات السابقة".
ووصف تحالف القوى العراقية (أكبر ممثل للسنة بالبرلمان) في بيان له التعيينات الجديدة داخل مفوضية الانتخابات، بأنها تمثل "انحرافا خطيرا في مسارات تشكيل مفاصلها وتسييسا لاختيارات الكوادر الوسطية والفنية فيها".
وحذر التحالف مما أسماه "انحراف المسار وفقدان العدالة في تمثيل بعض مكونات الشعب العراقي بالمحافظات ذات النسيج المختلط (كركوك، ديالى، بغداد، بابل والبصرة) في مفاصل المفوضية الجديدة"، داعيا إلى ضرورة الإسراع بمعالجة هذه الاختلالات وتصحيحها وإنصاف جميع المكونات.
مبعث قلق
من جهته، قال النائب جاسم البخاتي عن كتلة "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم إن الهيمنة والسيطرة على المراكز الانتخابية، دفعنا ثمنها بوصول شخصيات غير مؤهلة إلى قبة البرلمان، وذلك عن طريق الاستحواذ والضغط على المواطن وتغيير قناعاته، وهذه كلها كانت حاضرة في الانتخابات الماضية.
اقرأ أيضا : البرلمان العراقي يقر قانون مفوضية الانتخابات
وأكد البخاتي لـ"عربي21" أن البرلمان "سيتحقق من التهم الموجهة للمفوضية بخصوص سيطرة أو استحواذ قوى سياسية على مكاتبها والدرجات الوظيفية العليا فيها، وأن على المفوضية إزالة الاتهامات بقرائن وأدلة تمتلكها، لتكون رسالة اطمئنان للقوى السياسية وبالتالي للشعب العراقي".
وأردف بالقول إن عودة الهيمنة وسيطرة القوى على المفوضية والعودة إلى الآليات السابقة، يشكل مبعثا للقلق يراود المواطن والمنصفين من المتصدين للعملية السياسية المطالبين بالنزاهة والشفافية.
وحاولت "عربي21"، التواصل مع نواب يمثلون تحالف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، للرد على الاتهامات بشأن استحواذهم على غالبية المناصب في المفوضية العليا للانتخابات، لكنها لم تلق ردا حتى الآن.
المفوضية تبرر
بدورها، أصدرت المفوضية العليا للانتخابات، الاثنين، بيانا، رفضت فيه الاتهامات الموجهة إليها، وبررت تعييناتها الأخيرة بأنها "اعتمدت أسس الكفاءة والمهنية والاستقلالية في بناء هيكل تنظيمي ونظام إداري جديد للمفوضية بعيدا كل البعد عن الانتماءات والولاءات والمحاصصات الطائفية والسياسية".
وعبّرت المفوضية العليا للانتخابات عن استغرابها مما اسمته "الأكاذيب" التي صدرت من قوى سياسية وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حول عملية اختيار الكادر الجديد "دون الاستفسار المسبق من المفوضية".
وأضافت أن "الاتهامات والأقاويل، بأن المفوضية أسندت المناصب الإدارية فيها إلى موظفين تابعين لجهات سياسية أو طائفية هي عارية تماما عن الصحة، أطلقها المستفيدون من التشكيك في عمل المفوضية، وهي تعد تدخلا غير مقبول في شؤونها وكذلك تصرفا ماسا باستقلاليتها لتحقيق منافع شخصية وجهوية".
ووصفت المفوضية ما يجري بأنه "جزء من معركة إعلامية متوقع حدوثها مسبقا من المستفيدين من عرقلة عمل المفوضية لتأخير الانتخابات بعكس إرادة الجمهور الغاضب والمضحي الذي فرض على الكتل السياسية سن القانون الجديد".
لماذا لجأ العراق إلى السعودية لإنقاذه من أزماته الخانقة؟
12 ألف مختطف بالعراق: هل تكشف حكومة الكاظمي مصيرهم؟
ماذا أراد الكاظمي من "الحشد الشعبي".. وهل نجحت زيارته لها؟