تقتضي سنة الحياة بأن نكون متفاوتين في القيمة والمكانة الاجتماعية ما يؤثر على طبيعة سلوكياتنا وممارساتنا بشكل أو بآخر، فاحتكاكنا ببعضنا كأبناء جنس واحد لا بد وأن يولد شرارة ما، ويطرح فيلم التجربة "the experiment" سؤالا في غاية الأهمية.
والسؤال عن ما إذا كانت تميل فطرتنا الإنسانية إلى إطفاء تلك الشرارة في حين توهجها، أم نحمل في أعماقنا رغبة دفينة في أن نغذيها، وأن نسحق الآخر كلما سمحت لنا الفرصة بذلك، وأن نعتلي قمة الهرم كيفما اتفق، منقسمين إلى ضعيف وقوي، سجين وسجان، قاتل وقتيل، وظالم ومظلوم.
يظهر الفيلم محاولة علم النفس لفهم الإنسان، والوصول إلى حقيقته الداخلية لمعرفة ما إذا كان خيرا بطبيعته أم أن ثمة ما قد يؤثر فيه ويجعله يكشر عن أنيابه ويحيل دنياه لغابة، أم أنه مخلوق وقد جبل الشر فيه، أم أن كلا الأمرين يتصارعان في داخله وعليه أن يختار هو أحدهما، أم أن أحدهما يختاره!
يذكر بعض علماء النفس بأن صفات الشر كالانتهازية والنرجسية والرغبة في إيذاء الآخر يغذيها حصول الإنسان على السلطة وامتلاكه القوة والنفوذ، لكن السؤال الذي ظل مطروحا، هل هذه الصفات موجودة فعلا فيه وتظهرها السلطة؟ أم أن السلطة تغيره حقا وتلتهم آخر رمق للخير فيه؟
يحكي فيلم "the experiment" من بطولة الحائزين على جائزة الأوسكار فورست ويتكر وأدريان برودي، قصة تجربة سجن ستانفورد التي قام بها الباحث فيليب زيمباردو، حيث قام بتقسيم عدد من المتطوعين إلى سجناء وسجانين، وقد كان المتطوعون طلابا جامعيين تم اختيارهم بناء على صحة نفسية وبدنية جيدة، وتم إعداد سجن لغرض التجربة في قبو جامعة ستانفورد.
إذ حاكت التجربة الواقع بكل حذافيره، فأحضر الطلبة الذين يمثلون دور السجناء من منازلهم للسجن مقيدين من قبل رجال شرطة حقيقيين، و تم إلباسهم ملابس السجن ووسمهم بأرقام بدلا من أسمائهم، وبالنسبة للطلبة الذين قاموا بدور السجانين فقد تم إعطاؤهم سلطة مطلقة حتى إنهم لم يتلقوا أي تعليمات أو توجيهات.
لقد كان من المفترض أن تستمر التجربة لمدة أسبوعين إلا أنه تم إيقافها بعد ستة أيام فقط، بسبب سلوك السجانين، حيث حرم السجناء من الطعام، وزج بهم في زنازين انفرادية، كما وأجبروا على العري وتعرضوا للتحرش الجنسي والعديد من الإساءات والانتهاكات غير الأخلاقية، ومن الجدير بالذكر أن بعض السجانين كانوا يعملون حتى في ساعات تفرغهم رغم أنها بلا أجر، وأظهروا ميولا سادية غير متوقعة لدرجة أنهم اعتدوا على زميل لهم قدم المساعدة لأحد السجناء!
على الجانب نفسه تثير قصة الكرز المنسي للكاتب زكريا تامر التساؤل نفسه، فيما إذا كان الإنسان، عند امتلاكه القوة و السلطة، يظهر على حقيقته المتعطشة للأذى واحتقار الآخر، أم أن التغيرات والظروف التي تطرأ على حياته هي التي تلوث داخله وتجبره على الانحراف عن طريق الخير وحب الآخر ومساعدته، فعندما شهقت الضيعة لتنصيب ابنها الشاب الطموح (عمر) وزيرا، بدأت ببناء تصورات وأحلام واعدة بالتغيير، فقد كان عمر أحد دعاته، كما عرف برفضه لممارسات السلطة التي تضطهد المظلومين ولا تلتفت إليهم، بل وتبتلعهم وتسلبهم حقوقهم جهارا نهارا.
لكن سقف التوقعات ما لبث أن انهار فوق أرضية الواقع الذي تفوه به الرجل الذي كلف بالذهاب لتهنئة الوزير وإهدائه كرز الضيعة الذي لطالما أحبه عمر، حيث أخبرهم وهم يتفرسون وجومه عند عودته مع السلة بأن عمر مات!، و بالطبع عنى بذلك أنه تغير ولم يعد عمر الذي كانوا يعرفونه!
فهل كان عمر يخفي حقيقته إلى حين انتهاز الفرصة المناسبة لإظهار ميوله السلطوية والفوقية؟ أم أن للسلطة والقوة سحرا ألقى تعاويذه عليه فانقلب حاله بين ليلة وضحاها؟
إن حكاية الكرز المنسي تساهم في تأكيد ما توصلت إليه التجربة من نتائج، فقد اعتبرت التجربة في ذلك الوقت كارثة أخلاقية كشفت عن أسوأ ما فينا حين نمتلك سلطة على الآخر أو ذريعة للسيطرة والتحكم بأخينا الإنسان، لكن التجربة تعرضت للنقد، وقيل بأنه من الصعوبة بمكان تعميم نتائجها على الجميع.
على الجانب الآخر أظهر الكاتب سامر رضوان في مسلسل لعنة الطين الجانب الخير في الإنسان، والذي قد ينتصر في النهاية على كل المغريات التي تحاول تشويه حقيقته وسط بؤر لامتناهية من الشر والفساد، وذلك من خلال شخصية (عامر) ابن الضيعة البسيط الذي يحلم أن يصبح مهندسا، إلا أنه يتخلى عن حلمه في سعيه للدخول في السلك العسكري فيصبح عسكريا وتبدأ شخصيته بالتحول.
فنجده على مدار الحلقات ينتقل من شاب طيب القلب مرهف الحس يبدأ نهاره بالاستماع إلى فيروز وتقبيل يد والدته، إلى عسكري فظ يدخن السجائر بشراهة ويصفي حساباته بلا رحمة مع كل من يحاول المساس به ولو بكلمة، لكنه بعد اكتشافه بأنه يتم استغلاله دون علمه في قضايا فساد من قبل رؤسائه يستيقظ ضميره الخير و يقرر الانسحاب والهرب.
فهل تغيرنا السلطة حقا؟ أم تكشفنا؟
إرنديرا بين الورق والشاشة (2): الفِلم وسيناريو ماركيز