أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اعتقال السلطات السودانية للكاتب الصحفي ورئيس حزب "منبر السلام العادل" الطيب مصطفى على خلفية مقالات رأي نشرها أخيرًا ينتقد فيها السلطات الحكومية.
وقال المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في بيان صحفي له اليوم الثلاثاء، تلقت "عربي21" نسخة منه: "إنّ اعتقال مصطفى بسبب آرائه العلنية يشكل مسًا جسيمًا بحرية الرأي والتعبير وانتهاك صريح للمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة".
وذكر البيان أن مصطفى الذي سبق أن شغل منصب المدير العام الأسبق للتلفزيون السوداني ووزير دولة سابق لوزارة الإعلام، تم اعتقاله من منزله في العاصمة السودانية الخرطوم وإيداعه أحد أقسام الشرطة في منطقة المقرن وسط المدينة، حيث وجهّت له النيابة تهم "القذف وإشانة السمعة ومحاولة تقويض النظام الدستوري"، على خلفية انتقادات وجهها إلى لجنة تفكيك النظام المعزول في مقالات صحفية.
وعدّ المرصد الأورومتوسطي اعتقال مصطفى إجراءً تعسفيًا ينتهك المواثيق الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه السودان في العام 1986.
وتنص المادة 19 من العهد الدولي بأن "لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة" و"لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
ولفت المدير الإقليمي للأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنس جرجاوي الانتباه إلى خطورة العودة إلى سياسة النظام السابق في اعتقال المعارضين وتكميم الأفواه، داعيًا السلطات إلى الوفاء بالتزاماتها ليس فقط تجاه القوانين المحلية والاتفاقات الدولية ذات العلاقة، بل أيضًا تجاه تطلعات السودانيين الذين انتفضوا على السياسات القمعية وخسروا الكثير في سبيل التغيير والتحول الديمقراطي.
وشدّد جرجاوي على أنّ "استمرار السلطات السودانية في سياسة تكميم الأفواه وملاحقة المعارضين يقوّض فرص بناء مجتمع ديمقراطي، ويثير شكوكًا حول نوايا السلطات في توفير مناخ آمن لعمل جميع الأحزاب والاتجاهات السياسية في البلاد".
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة الانتقالية في السودان إلى الإفراج الفوري عن مصطفى واحترام التزاماتها بشأن ضرورة صون حرية التعبير ووقف أي انتهاكات لحقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقال التعسفي خارج نطاق القانون.
وكانت قيادة الجيش السوداني قد عزلت في نيسان (أبريل) 2019 الرئيس السوداني السابق عمر البشير من رئاسة البلاد عقب احتجاجات شعبية واسعة على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وتوافقت الأطراف العسكرية والمعارضة على تقاسم السلطة، وتكوين مجلس حاكم انتقالي من المدنيين والعسكريين يمهد لانتخابات ديمقراطية بعد 39 شهرًا.
وفي 10 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أصدر رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، قرارا بتشكيل لجنة "إزالة آثار التمكين" لنظام البشير، ومحاربة الفساد واسترداد الأموال.
وبحسب رصد ومتابعة الأورومتوسطي، فقد شهدت المرحلة الانتقالية تجاوزات عديدة في مجال الحقوق المدنية والسياسية، شملت التضييق على العمل السياسي والصحفي، وتقييدا للحريات بما يتنافى مع التزامات السلطات في المرحلة الانتقالية.
إقرأ أيضا: اعتقالات متواصلة بالسودان لقادة بالجيش محسوبين على الإسلاميين
وتشير مصادر سودانية إلى أن اعتقال الطيب مصطفى جاء على خلفية مقالته الأخيرة "زفرات حرى"، التي وجه فيها رسالة إلى صلاح مناع مساعد رئيس حزب الأمة القومي وعضو لجنة إزالة التمكين المختصة باستئصال حزب المؤتمر الوطني من أجهزة الدولة في السودان، وتضمنت انتقادات لاذعة له وللجنة إزالة التمكين وللمرحلة الانتقالية برمتها.
وقال مصطفى في مقالته التي حملت عنوان "إلى الرويبضة صلاح مناع.. أرعى بي قيدك أيها القزم!" ونشرها يوم 31 أيار (مايو) الماضي في صحيفته "الانتباهة": "مشكلتك وبعض الأقزام الذين تضمهم لجنة إزالة التمكين أنكم تظنوننا أغبياء أو جبناء سنسكت عن انحطاطكم الذي يجعلكم تغيرون مواقفكم بأيسر مما تغيرون ملابسكم.. مم نخاف أيها المسكين، هل نخاف من الاعتقال أم من الموت الذي يعتبر في مواجهة أمثالكم شرفا وشهادة؟".
وانتقد مصطفى بشدة تهديدات مناع له ولوزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور بالمساءلة القانونية على خلفية تصريحات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال: "ذلك الكلام يقوله رجل لا يملك أي صفة تنفيذية في بلد تحكمه الفوضى التي تضج بها اليوم دواوين الدولة بما في ذلك قصرها الجمهوري ومجلس الوزراء والوزارات الحكومية بعشرات بل ربما مئات اللجان (الحزبية) التي لا علاقة لها بالخدمة المدنية المعطلة".
ووصف مصطفى الحكومة السودانية الحالية بأنها "الأضعف والأسوأ والأفشل في تاريخ السودان منذ الاستقلال"، وقال: "لا حل إلا بازالة هؤلاء الفاشلين العاجزين الحاقدين الذين سرقوا الدولة السودانية في غفلة من الزمان، ووالله وتالله إن في عدم إزاحتهم من المشهد السوداني الموبوء بهم خيانة وطنية أخشى أن تحيل بلادنا إلى خراب ودمار واحتراب"، على حد تعبيره.
إقرأ أيضا: لجنة "إزالة التمكين" بالسودان تبرر مصادرتها لمؤسسات إعلامية
"السورية" لحقوق الإنسان توثق مقتل 122 شخصا في رمضان
"أمنيستي" تجدد مطالبتها بالإفراج عن سعوديات بذكرى اعتقالهن
إدانة حقوقية لاعتزام الخرطوم ترحيل معارضين مصريين للقاهرة