كانت زيادة عدد المحتجين وانتشارهم عبر جميع الولايات
المتحدة الأمريكية احتجاجا على مقتل المواطن الأسود جورج فلويد مثار تساؤل حول سبب
تحول الاعتراض على حادثة فردية إلى هذا الكم الهائل من الاحتجاجات.
"احتمالية قيام ثورة"
يرى الباحث غير المقيم، في معهد بروكنجز، هادي عمرو، أن
مقتل فلويد قد يثير ثورة ضد القمع في أمريكا كالتي حدثت في تونس والعالم العربي
حينما انتحر الشاب التونسي محمد بوعزيزي.
وتابع الدبلوماسي الأمريكي السابق في حديث
لـ"عربي21": "هناك عدة أسباب ساهمت في توسع الاحتجاجات على مقتل
فلويد في كل الولايات المتحدة الأمريكية، أولا لقد تم تصوير جريمة القتل الطويلة والبطيئة
المؤلمة لجورج فلويد وشاهدها جميع الأمريكيين".
وأوضح بأن "تحقيق السلام يتطلب العدالة، والتي
تتطلب معاملة متساوية بموجب القانون، وهذا لم يحدث في قضية فلويد".
وأضاف عمرو: "كان رد الرئيس
ترامب على جريمة القتل يفتقر إلى التعاطف الذي ظهر جليا مثلا في ردود الرئيسين أوباما
وبوش على جرائم القتل الوحشية والعنصرية المشابهة لهذه الحادثة".
وأكد أنه بالرغم من أن أمريكا أحرزت تقدمًا في مجال
مكافحة العنصرية، "إلا أن التوقعات المرجوة الآن أعلى، حيث يتوقع الأمريكيون مجتمعًا
أفضل".
وأردف بأن من أهم أسباب انتشار هذه الاحتجاجات بشكل سريع
هو "فشل ترامب كرئيس، فمثلا نسبة البطالة حاليا هي الأعلى في التاريخ، أيضا
مسألة الإغلاق وموت 100 ألف أمريكي بسبب فيروس كورونا".
وختم حديثه بالقول: "بالمحصلة الأمريكيون غاضبون
ومنقسمون على أنفسهم، ويشعرون بشكل متزايد أنه ليس لديهم ما يخسرونه".
"ترويج ترامب للعنصرية"
من جهته أشار المختص بالشأن الأمريكي خالد الترعاني، إلى
أن سبب الغضب الذي عم الشارع الأمريكي لا يتعلق بمقتل جورج فلويد فقط، معربا عن
اعتقاده بأن "سنوات ترامب العجاف التي روج فيها للعنصرية والجماعات المتطرفة ومنح
الأقليات في أمريكا شعورا بأنها مستهدفة وأن مكانتها أقل، ومحاولته إعادة عقارب الساعة
إلى الوراء فيما يتعلق بكل الإنجازات في مجال الحقوق المدنية للأقليات المتنوعة، كل
هذا شكل احتقانا لدى الشعب وخرج للسطح عبر شرارة مقتل فلويد".
وتابع الترعاني في حديث لـ"عربي21": "عمليات
القتل التي نفذتها الشرطة ضد السود بشكل خاص في عدة ولايات أمريكية، والتي كانت عمليات
غير مبررة بشكل واضح، ساهمت في انفجار الوضع بهذا الشكل".
بدوره أرجع الباحث والخبير بالشأن الأمريكي، أسامة أبو ارشيد،
توسع الاحتجاجات إلى عدة أسباب، أولها درجة الاحتقان العميقة لدى أقلية السود،
والتي ارتفعت لثلاثة أسباب وتطورات جديدة؛ أولها وجود ترامب على كرسي الرئاسة والذي
جاء محمولا على أكتاف جزء من قاعدته الانتخابية والتي تمثل أجنحة التيار العنصري في
هذه القاعدة، والتي تؤمن بنظرية تفوق البيض.
وأوضح أبو ارشيد في حديث لـ"عربي21"، بأن
"ترامب عبر عن هذا الموقف أكثر من مرة خلال عدة محطات، منها مثلا تسامحه مع النازيين
الجدد الذين كانوا يتظاهرون في ولاية فرجينيا عام 2017، وحديثه عن الأقليات بلغة تحقيرية
وتسفيهية ونزع الإنسانية عنهم، هذا ساهم في تعميق الاحتقان لدى هذه الفئة".
وأشار إلى أن السبب الثاني هو "تفشي فيروس كورونا والذي
ضرب مجتمع الأقليات أكثر من البيض، بمعنى أن الذين يعيشون في مناطق فقيرة وأغلبهم من
السود كانوا أكثر المتضررين، وذلك لأن البنى التحتية هناك بشكل عام وخاصة الصحية ليست
بذات المستوى الموجود لدى غيرهم من المواطنين الأمريكيين".
وأضاف: "أما السبب الثالث فهو خسارة 40 مليون أمريكي
لوظائفهم، وغالبية من يعاني من البطالة حتى قبل هذه الموجة الجديدة هم من السود، فاليوم
عندما تضاعف الضغط الاقتصادي على الأقليات مع الأسباب الأخرى، هذا كله ساهم في الانفجار
الذي حدث عقب مقتل فلويد".
وأكد أنه بالمحصلة "هناك عمق تاريخي من التمييز العنصري
ضد هذه الشريحة المجتمعية، إضافة لوصول رئيس للحكم لا يخجل من التعبير عن مواقف عنصرية،
وكذلك فشله في إدارة ملف كورونا والذي أثر بشكل أكبر على السود، بالتالي مقتل فلويد
هو مجرد فتيل أشعل نار هذه الاحتجاجات والتي قد تنتهي نعم، لكن لا يعني هذا أن الاحتقان
الاجتماعي في أمريكا سيتوقف".
مظاهر أخرى للعنصرية وسبب فشل إنهائها بشكل كامل
ولكن يبقى السؤال الأهم لماذا بعد عقود من إنجاز الحقوق
المدنية ما زالت العنصرية متفشية في المجتمع الأمريكي وخاصة ضد السود، وما هي أهم
المظاهر الأخرى لها؟
يرد أبو ارشيد بالقول: "يتمثل أهم مظهر في زيادة
نسبة المساجين السود مقارنة مع البيض، وذلك لأن المجرم الأسود هناك فرصة أكبر لاستهدافه
واعتقاله أكثر من مثيله الأبيض، أيضا هو يحصل على حكم أعلى".
وأضاف: "أيضا هناك تمييز عنصري في قضايا السكن ضد السود
على الرغم من أن القوانين تمنع ذلك، وترامب كان أحد الذين يمارسون هذا التمييز قي عقاراته،
بالإضافة إلى أن الأسود قد لا يحصل على نفس الفرصة في التوظيف كما غيره".
وأكد أن "سبب فشل أمريكا في إنهاء العنصرية بشكل
كامل هو أنه لم يتم فعل ذلك على المستوى الثقافي وتطبيع الجميع على أن أمريكا بلد لكل
مواطنيها وكلهم يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات".
وختم حديثه بالقول: "على الرغم من أنه كانت هناك بعض
محاولات تغيير لهذه الثقافة، إلا أن الصوت العنصري بقي عاليا واستمر في توجيه الخطاب
المتحيز بشكل عملي ضد الأقليات وخاصة السود".
بدوره أشار المحلل السياسي خالد الترعاني إلى أن نسبة قتل
الشرطة للسود تتجاوز نسبتهم في المجتمع، أيضا إذا كان هناك أي نوع من المشاكل أو المواجهة
بين الشرطة والمؤسسات أو الأشخاص من الأقليات تجد أن الكفة ترجح ضد الرجل الملون أو
الأسود أو صاحب البشرة البنية.
وأكد أن من أهم أسباب فشل أمريكا في إنهاء ملف العنصرية
هو أنها قامت في الأصل على العنصرية، وما تحقق من حقوق مدنية تم بسبب الجهود والتضحيات
الجبارة التي قامت بها الأقليات بشكل عام والسود بشكل خاص لتحصيل حقوقهم المدنية.
وأضاف: "لكن كون أن الأقليات حققت عبر القانون بعض
التقدم في مجال الحقوق المدنية لا يعني أن هذا قد غير من ذهنية وعقلية المتطرفين داخل
المجتمع الأمريكي، نعم قد يكون ذلك غير ذهن البعض أو طبعهم على وجود السود داخل المجتمع،
ولكن ليس بالضرورة أنه قد غير من عقلية وكراهية الشريحة العنصرية للسود".
وخلص بالقول بأن "وجود الشريحة العنصرية المتمثلة
بالرئيس ترامب ومساعديه الرئيسين على رأس هرم السلطة ساهم في زيادة العنصرية، فهم عمليا
الذين يقودون ويشكلون الصورة اليومية لتعامل الإدارة الأمريكية مع الأقليات".
اقرأ أيضا: NYT: أزمة فلويد تجاوزت حدود أمريكا.. العالم يتابع برعب وأمل
قاآني في بغداد.. هذه دلالات الزيارة والأهداف المرجوة منها
هل تُحرك دعوى "سلطان" ملف ملاحقة السيسي الراكد دوليا؟
ماذا وراء مساعي الولايات المتحدة نشر قوات عسكرية في تونس؟