قضايا وآراء

لنُداوِ الضمَ بإعادة الضم!!!‎

1300x600
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي قام الملك حسين بفك الارتباط القانوني مع الضفة الغربية، ليعلن بذلك انفصال المسيرة الأردنية عن القضية الفلسطينية نحو أوسلو ووادي عربة.

يقال إن هذه الخطوة من ملك الأردن الراحل جاءت التفافية على فكرة الوطن البديل التي ظلت تراود الساسة الإسرائيليين سرّا عند الليبراليين وعلنا لدى اليمين المتشدد، لكنها (سياسة فك الارتباط) في الحقيقة خلطت أوراقا كثيرة على المستوى الداخلي أردنياّ في الناحية التعايشية، كما خلطت أوراق العلاقة القانونية في ما يتعلق بالمواطنين من أصل فلسطيني.

أما على صعيد القضية الفلسطينية، فقد بقي اللاعب الفلسطيني وحيدا على الساحة مما جعله فريسة مطامحه وقلة خبرته السياسية، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية قطعت شوطا لا بأس به في العمل الفدائي ولم تجلس طويلا مع خصومها على طاولة المفاوضات، باستثناء ما كان يجري حول مبادلة أسرى أو إنهاء عمل فدائي. وبهذا اصطادتها إسرائيل بسهولة على طاولة أوسلو التي لم تأت للفلسطينيين إلا بمزيد من القمع لكن على أيدٍ فلسطينية، حيث أنّ طاولة أوسلو وافقناها أم اختلفنا معها كانت تتطلب لاعبين مخضرمين في الحوار ومؤتمنين موثوقين، لكن صارت إلى حال يشبه الاستسلام وابتعدت عن جوهر القضية الحقيقي وتاسيس الدولة، بدليل أنه حينما قرر ياسر عرفات الخروج من عنق تلك الزجاجة تمت تصفيته على أيدي رفاقه في العمل المنظماتي.

الملك الراحل كان يلعب دوره بحرفية رغم الكثير من السقطات التي أملتها عليه ظروف الأردن وطبيعته الجيوسياسية، ولهذا كان لا بد أن تظل الحالة الأردنية الفلسطينية مترابطة لأسباب كثيرة؛ أهمها عدم الانهيار في الصف العربي المفاوض من ناحية، وعدم إتاحة الفرصة للفرقة كما حدث عام 2006، وانقسام الفلسطينيين على بعضهم البعض.

يقال إن الملك حسين لجأ إلى هذا الحل لكثرة مطالبة الفلسطينيين أنفسهم بتقرير مصيرهم بأنفسهم، ولم تقنعهم أبدا مقولة الملك حسين الشهيرة "الخيار للفلسطينيين وحدهم"، حيث لدى القيادة الفلسطينية منذ عهد أبو عمار رغبة في استقلالية الزعامة، وليس كما يظن البعض استقلالية القضية وتمثيل الشعب الفلسطيني بقيادة فلسطينية خالصة.

تم فصل الضفة الغربية قانونا، وبقي نصف عدد سكان الأردن من ذوي الجذور الفلسطينية يحملون الجواز الأردني الدائم، وربما ملايين الفلسطينيين يحملون الجواز المؤقت. هذا بحد ذاته يعد عبئا قانونيا وحقوقيا على الأردنيين. فمثلا استقلت السلطة الفلسطينية بقراراتها وبوزاراتها ومعظمهم يحملون الجنسية الأردنية، سواء تلك المؤقتة أو الدائمة، كما أن لديهم أرقاما وطنية أردنية، وهذا يجعلهم مؤهلين لاعتلاء أي منصب في الدولة الأردنية قانونا، بينما الأردني ليس لديه ذات الحقوق على أراضي الضفة الغربية وفي القطاع، وأصبحت الوظائف بكل مصنفاتها يتقاسمها الشعبان على الأرض الأردنية بينما داخل الضفة الغربية والقطاع محتكرة على الفلسطينيين. هذا العبء الحقوقي يضعنا في زاوية حرجة وكان يستخدم سياسيّا من قبل أطراف اللعبة.

فمثلا رئيس الوزراء الأردني عبد الرؤوف الروابدة الذي جاء بداية عهد الملك عبدالله الثاني، طرد مكتب القيادة السياسية لحماس وهم من حملة الجواز الأردني الدائم، بينما كانت عمان مسرحا ومقاما لأعضاء السلطة الفلسطينية من حملة الجوازات الأردنية أيضا. وهنا أتساءل: على أي صيغة قانونية اعتمد المخضرم رئيس الوزراء ليطرد قيادة حماس بينما ترك عمان بكل ما فيها مهيأة للتغلغل المنظماتي ممن أداروا ظهورهم للمقاومة وانحدروا في وادي أوسلو السحيق، لنرى منهم تشكيلات نيابية ووزراء وصناع قرار على الساحة الأردنية؟ هذا بحد ذاته يعد مأساة سياسية وحقوقية وقانونية، في الوقت الذي تمنع فيه أم تحمل الجواز المؤقت من دخول حدود الأردن ليلتم شملها بأطفالها. أليست هذه مسخرة؟

هذا هو الواقع المر للفلسطينيين قبل الأردنيين شئنا أم أبينا، فهم (الفلسطينيون) ذوو هوية معومة، ويعيشون تحت احتلالين، احتلال الإسرائيليين واحتلال السلطة، ثم يعاملون وفق قوانين المؤقت والدائم، بينما المتنفذون منهم يريحون ويستريحون في عمّان ويتخذون قراراتهم التي قد تتعارض مع الأمن القومي الأردني، ولعل ما خفي أعظم.

فالضبع (إسرائيل) الذي سرق الفلسطينيين لمحادثات أوسلو السرية هو ذاته اللاعب الذي يعتمد نفس السياسة في التفرقة والتفرد بالخصوم؛ لكي يصل إلى مبتغاه في إنهاء الوجود الفلسطيني سياسيا وشعبيّا بإصدار هوية تتلاءم مع الضم الذي يسعى له، كما يسعى إلى تذويب الهوية الأردنية لكي يصبح الأردن وطنا بديلا تلقائيا. وهذه المرارة الفلسطينية ربما تتضاعف لدى الأردنيين الذين يعيشون على هامش الحراك السياسي في عمان.

ليست لديّ فوبيا الوطن البديل، وأنا على قناعة تامة بأن الأردن هو أرض الرباط، لكن هذه المنزلقات السياسية القانونية الحقوقية لم تكن نتاج الشعب الأردني أو الفلسطيني، بل هي نتاج القيادة لدى الطرفين، كل يسعى لتحقيق مصالحه بغض النظر عن مصالح الشعب الذي يكتوي بنار القوانين التي تسن لخدمة إسرائيل من ناحية، ولضمان بقاء السلطة بيد ذات الفئة المستنفعة من هذا التشكيل الهزيل في الهوية الأردنية الفلسطينية.

قضية ضم الأراضي الفلسطينية الأردنية ليست جديدة، وربما هي من مقترحات قيادات عربية تعمل في الخفاء لتوتير الأردنيين والفلسطينيين (الشعوب) على حد سواء. وصفقة القرن التي نادى بها ترامب لم تتولد من بنات أفكاره، فهو رئيس لا يرى في كل هذه الدنيا إلا الدولار ونصفه الأسفل، لكنها بلا شك هي صناعة عربية من محور الشر الذي يلاحق الوجود العربي كله من المحيط إلى الخليج خصوصا من دول "الكاز" العربي.

ولعل الأجدى لما يمكن عمله للقيادة الأردنية والفلسطينية هو إعادة ضم الضفة الغربية للأردن، والعودة إلى دستور الوحدة الذي تشكل وفق الوجود الثنائي الموحد، وإلغاء كل ما يتعلق بقوانين الجوازات المؤقتة، ووضع جواز يشمل المواطنين من كلا الطرفين، وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع بعيدا عن أمزجة ذوي الأجندات الخاصة، وترحيل أزمة الضم الإسرائيلي بوجود عسكري وأمني أردني على أراضي الضفة الغربية، محدثين خرقا لاتفاقية أوسلو ووادي عربة، فهما اتفاقيتان في حالة موت سريري بفعل انتهاكات إسرائيل، وكذلك استبعاد كامل للسيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة.

بهذه الحالة سيقف الأردن وفلسطين في خندق المقاومة، وسيضيعان على إسرائيل فرصة اتخاذ القرار من جانب واحد. ولو فعل الأردنيون والفلسطينيون هذا لما زادت حدة التوتر عما هي عليه الآن، وستوضع إسرائيل وداعموها من معسكر "الكاز" العربي والغربي في زاوية يصعب التحرك فيها. ولن تعلن إسرائيل الحرب فهي غير مهيأة لذلك.

وهذا القرار هو بمثابة إعادة ضم الضفة وتوحيد الشعبين والأجندة، وسيشكل مثل هذا القرار انتفاضة سياسية قانونية حقوقية على الواقع الذي تفرضه العصا الإسرائيلية.

فلا بد من إحداث هزة لتغيير مسار القضية وإلا ستدفن هذه القضية بكل ما فيها في أدراج المسؤولين وسيبقى الأردني والفلسطيني يتأرجحان دون استقرار. وكثيرا ما سمعنا أجدادنا يقولون "ما بجيبها غير عقّالها"، اليوم لنخلي الساحة للمجانين ولنستبدل هذا القول ليصبح "ما بجبيبها غير مجانينها" ولنعد الضم.

Salahm247@gmail.com