كتاب عربي 21

تركيا حاضرة في البحر الأبيض المتوسط

1300x600
انطلقت سفينة "عروج رئيس" التركية من ميناء أنطاليا لتصل صباح الاثنين إلى وجهتها، للقيام بأعمال المسح الزلزالي، بعد أن نشرت أنقرة، مساء الأحد، إنذارا بحريا جديدا في منطقة تقع داخل الحدود البحرية. إلا أن اليونان تدَّعي بأن تلك المنطقة التي ستعمل فيها السفينة حتى 23 آب/ أغسطس الجاري، واقعة داخل حدودها البحرية، وفقا للاتفاقية الموقعة بين القاهرة وأثينا.

أنقرة لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان، ولن تعترف بها، بل ستعارضها بقوة، سواء عبر الجهود الدبلوماسية أو من خلال حضورها العسكري في البحر الأبيض، وأعمال التنقيب في المناطق التي تقع داخل حدودها البحرية، وفق الاتفاقية الموقعة بين تركيا وليبيا، وتؤكد أنه لا توجد حدود بحرية بين مصر واليونان في المتوسط. ويمكن أن نقول إن إرسال سفينة "عروج رئيس" لإجراء المسح الزلزالي في تلك المنطقة؛ أول رد تركي عملي على الخطوة المصرية اليونانية.

الموقف التركي من تقسيم مناطق النفوذ في البحر الأبيض مبني على عدة ركائز، أولاها أن التقسيم الذي تسعى اليونان إلى فرضه على تركيا، غير عادل على الإطلاق. ولا يحتاج المرء إلى أن يكون خبيرا ليرى هذه الحقيقة، بل يكفيه النظر إلى الخريطة التي نشرها الجانب اليوناني بعد توقيع اتفاقية رسم الحدود البحرية مع الجانب المصري. ولا يمكن حبس نفوذ تركيا البحري في منطقة ضيقة للغاية، وهي من الدول التي تملك أطول ساحل على البحر الأبيض، في مقابل حصول اليونان على مناطق نفوذ شاسعة، على الرغم من أن مساحتها أصغر من مساحة تركيا ست مرات. وكما يقول الشاعر التركي الشهير نجيب فاضل، رحمه الله، في أحد أشعاره: "حتى الذئب لا يقوم بمثل هذا التقسيم (الظالم) لو أصبح ملكا على الحملان".

التقسيم الذي تعتمد عليه مزاعم اليونان، يتعارض مع القانون الدولي الذي يقول إن تحديد مساحة المياه الإقليمية والجرف القاري والحدود البحرية يتم عبر التفاوض بين الدول المجاورة، إن كانت المساحة بينها ضيقة. وبناء على هذه القاعدة، ترفض تركيا رفع اليونان مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا بحريا، وتعتبره سببا لإعلان الحرب. كما أن اليونان تعتمد في رسم حدود نفوذها البحرية على جزيرة كاستيلوريزو التي تبعد عن السواحل اليونانية 580 كيلومترا، فيما تبعد عن السواحل التركية أقل من 3 كيلومترات فقط.

مصطلح "الجرف القاري" الذي ورد لأول مرة في بيان أصدره الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1945، يعني الامتداد الطبيعي ليابسة الدولة الساحلية داخل البحر أو المحيط. وتدَّعي اليونان بأن جزيرة كاستيلوريزو تملك منطقة نفوذ مساحتها أكبر من مساحة الجريرة ذاتها بأربعة آلاف مرة، وهذا أمر غير معقول. ولذلك، لم تتمسك أثينا بمزاعمها حول مناطق نفوذ الجزر خلال تفاوضها مع روما، بل قامت بتوقيع اتفاقية رسم الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا، متجاهلة الجزر اليونانية الواقعة بالبحر الأيوني. إضافة إلى ذلك، هناك قرارات لمحكمة العدل الدولية في قضايا مشابهة تؤيد الموقف التركي.

أنقرة تفضِّل الحوار والتفاوض لحل خلافاتها مع اليونان وغيرها في البحر الأبيض. وحين طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وقف أعمال التنقيب لتخفيف التوتر وإفساح المجال للمفاوضات، رحَّب الجانب التركي بهذا الطلب، إلا أن اليونان استغلت حسن نية تركيا لتسرع إلى مصر من أجل توقيع اتفاقية رسم الحدود البحرية، بهدف قطع الطريق أمام أي حل تفاوضي. ومع ذلك، ما زالت أنقرة تصر على تغليب العقل ولغة الحوار لتجنيب المنطقة من ويلات التصعيد والصدام العسكري. ولعل أكبر دليل على ذلك، دعوة أردوغان إلى اجتماع للدول المشاطئة للبحر الأبيض لإيجاد صيغة متفق عليها من أجل تقسيم عادل يحفظ حقوق الجميع.

سفينة "عروج رئيس" تواصل أعمالها في البحر الأبيض تحت حماية السفن والطائرات الحربية؛ لأن تركيا لا تؤمن بمبدأ "الحياة مفاوضات"، وعازمة على حماية حقوقها ومصالحها في البحر الأبيض مهما كان الثمن، وستتخذ بالتأكيد كافة التدابير اللازمة من أجل ذلك. وإن وصلت الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود، وحاولت اليونان والقوى الداعمة لها فرض أمر واقع في البحر الأبيض، ولم يبق سوى الحل العسكري، فإنها مستعدة للمواجهة والدفاع عن حقوقها ومصالحها. ولا ينتظر أحد من أنقرة أن تستسلم للضغوط والابتزازات لتقبل استبعادها عن البحر الأبيض.

twitter.com/ismail_yasa
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع