جاءت كارثة بيروت الناجمة عن تفجير المرفأ لتكشف عن أزمة النظام اللبناني ومدى الفشل الذي وصلت إليه المعادلة الطائفية من ضعف وعدم قدرة على إدارة البلاد وأزماتها سواء الاقتصادية منها أو السياسية.
تفجير المرفأ ساهم في كشف حجم الفشل وتعظيم الأزمة التي اندلعت منذ نهاية العام الماضي من خلال احتجاجات شعبية عارمة والتي توقفت خلال فترة أزمة كورونا وعادت من جديد بعد كارثة المرفأ وبشعارات ومواقف أكثر حدية.
الجميع يعزو الأزمة لنظام المحاصصة الطائفية التاريخي ولكن بشكل خاص بعد اتفاق الطائف الذي جاء لينهي الحرب الأهلية في لبنان ضمن توافق إقليمي ودولي والذي ما يزال قائما لحد الآن.
اتفاق الطائف نص على سحب الأسلحة من كافة القوى والأحزاب والميليشيات التي تشكلت خلال الحرب الأهلية، الاستثناء كان سلاح حزب الله ولأسباب مُبررة في حينه لأنه كان يمثل حالة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية وكان ذلك برضى وتوافق جميع القوى اللبنانية. لكن بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان بقي حزب الله يستحوذ على السلاح لا بل استمر في بناء جناحه المقاتل بالرغم من مشاركته بالبرلمان والحكومة. كذلك بدأ يلعب ويشارك في النزاعات الإقليمية كذراع لإيران التي كان يتلقى منها الدعم الكامل ماليًا وعسكريًا وسياسيًا.
القوة الفائضة لحزب الله فرضت نفسها على المعادلة الداخلية وأحدثت خللًا وعدم توازن في معادلة الطائف بسبب النفوذ الذي تحلى به وإمعانه في السيطرة المباشرة وغير المباشرة على الدولة اللبنانية مستخدما كافة السبل المتاحة.
نتيجة لذلك، فإنه لمن شبه المستحيل أن يستطيع النظام الحالي إصلاح نفسه وإحداث التغيير المطلوب والاستجابة للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية لأن حزب الله تحديدًا وضمن المعادلة الإقليمية لن يقبل أو قد لا يستطيع إجراء التنازلات المطلوبة.
إزاء هذه المعادلة لم يبق العديد من الخيارات ولكن هناك أكثر من سيناريو يمكن أن يحدث في لبنان.
السيناريو الأول هو استمرار المظاهرات والاحتجاجات واستمرار المحاولات لتشكيل حكومة جديدة ومحاولة إحداث بعض الإصلاحات على الوضع الثاني ولكن فرص النجاح ستكون ضعيفة ومن المُرجح أن ينهار النظام الطائفي الحالي دون التوصل إلى صيغة بديلة للوضع الحالي الأرجح أو أن يشهد تفكك الدولة اللبنانية التي نعرفها والوصول إلى صيغة جديدة قد تكون على شكل كونفدرالية أو فيدرالية من المناطق المختلفة. قد لا يسعى أحد بشكل فاعل لهذا السيناريو ولكنه قد يكون تحصيل حاصل أو يفرض نفسه بحكم فشل الدولة ومؤسساتها في المحافظة على الوضع الحالي.
أما السيناريو الثاني وقد يكون الأخطر فقد يكون دوليا/ إقليميا يتم من خلال توجيه ضربة عسكرية اميركية إسرائيلية لحزب الله أو أن يفرض معادلة أو صيغة جديدة على لبنان والذي يمكن أن يكون ضمن تفاهمات دولية إقليمية تكون إيران طرفًا فيها ولكن هذا السيناريو معقد ومحفوف بالمخاطر وسوف يكون دمويًا وقد لا يكون مضمون النتائج.
بغض النظر عن السيناريو الذي سوف يأخذه مستقبل الأحداث في لبنان، إلا أنه من المؤكد أن الصيغة الحالية للحكم في لبنان في طريقها لتكون جزءًا من الماضي.