وأخيرا وضع محمد بن زايد نائب رئيس دولة الإمارات حدا للتكهنات، وأبى إلا أن تكون له يد في خيانة وبيع فلسطين، من دون أن يرّف له طرف، ويقدم خدمة شخصية مزدوجة لصديقيه «العزيزين» ترامب ونتنياهو، بينما يفوز هو بلقب الخيانة من الدرجة الأولى، وهو لقب مستحق بجدارة، بعد أن طعن بخنجره المسموم الشعب الفلسطيني وقضيته، وتاريخه ونضاله، وشهداءه وجرحاه وأسراه، والتسليم بيهودية القدس ومقدساتها، والاعتراف بها موحدة عاصمة لإسرائيل.
لقد خرج ابن زايد وزمرته، ولن أقول دولة الإمارات وشعب الإمارات، فهما بريئان منه
براءة الذئب من دم يوسف، في زمن ندر فيه الرجال والقادة، بهذا الاتفاق الخياني، عن
قرارات القمم العربية، ومبادرة السلام العربية، والشرعية والقانون الدوليين، لكن
ذلك لن يغير شيئا في واقع أن الشعب الفلسطيني هو صاحب هذه الأرض وتاريخها وحاضرها
ومستقبلها، وهو من سيقرر مصيرها، بصموده ونضاله، وتمسكه بأرضه ومقاومتها للمحتل،
وهو الذي سيقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس، بأقصاها وقيامتها وبلدتها القديمة،
شاء من شاء وأبى من أبى.
كان متوقعا أن ابن زايد مقبل حاث الخطى على الاعتراف بدولة الاحتلال، وإقامة
العلاقات الدبلوماسية، وتبادل السفارات معها، وأن المسألة ما هي إلا مسألة وقت،
والمؤشرات إلى ذلك عديدة، وسنتطرق إليها لاحقا، ولكن لم نتوقع أن تصل به الوقاحة
وبحاشيته من أمثال أنور قرقاش وزيره للشؤون الخارجية، وسفيره يوسف العتيبي عرّاب
العلاقات الإسرائيلية الإماراتية، إلى أن يقحموا اسم فلسطين، والتستر وراء ستارة
«تقديم الخدمات الجليلة للفلسطينيين وقضيتهم» بإيقاف تنفيذ قرار حكومة نتنياهو فرض
السيادة على 30% من أراضي الضفة الغربية، بما فيها منطقة الأغوار وشمال البحر
الميت. وقراءة سريعة للاتفاق الذي لا يزيد عدد كلماته على 443 كلمة، تكشف زيف وكذب
وادعاء هذا الثالوث الشيطاني ابن زايد – قرقاش – العتيبي. فبيان ما يسمى بـ»اتفاق
إبراهيم» وهو بهذه المناسبة بيان كتبه نتنياهو، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية،
لا يتحدث قط عن إلغاء ما يسمى بقرار تنفيذ الضم، فالنص واضح وصريح وهو، «نتيجة
لهذا الاختراق الدبلوماسي، وبناءً على طلب الرئيس ترامب، وبدعم من دولة الإمارات
العربية المتحدة، ستعلق إسرائيل إعلان السيادة على المناطق المحددة في رؤية الرئيس
للسلام». نعم الاتفاق يتحدث عن تعليق، أي تأجيل الضم «إلى حين ميسرة»، والتعليق
غير الإلغاء أو وقفه بالكامل كما يدعون. وحتى لا يكون هناك لبس، أكد ذلك نتنياهو
نفسه في مؤتمر صحافي بعد إعلان الاتفاق «لم أعط الإمارات أي التزام بإلغاء الضم،
ولا يزال القرار قائما وسننفذه». هذا أولا.
وثانيا ليست في الاتفاق إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى قيام دولة فلسطينية
مستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وإنما يتحدث عن حل عادل! وفق رؤية
ترامب، أي «صفقة القرن» التصفوية للقضية الفلسطينية، وهو ما يرفضه الفلسطينيون
رفضا قاطعا.
ثالثا يخلو الاتفاق من اي إشارة لما يسمى بمبادرة السلام العربية.
رابعا يتحدث الثالوث الشيطاني، حسبما
جاء في المقال، الذي نشره العتيبي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل بضعة أسابيع، ليس
حتى عن دولة فلسطينية ناقصة الحقوق والسيادة، والقدس واللاجئين، وإنما عن حكم ذاتي
للفلسطينيين.
خامسا لم يتطرق الاتفاق إلى القدس بأي شكل من الأشكال، وفي ذلك اعتراف ضمني بالقدس
الموحدة عاصمة لإسرائيل، وتنازل عن المقدسات، وفق رؤية ترامب. يقول نص الاتفاق
«يمكن لجميع المسلمين، الذين يأتون بسلام، زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، ويجب
أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة للمصلين المسالمين من جميع
الأديان».
ومرة أخرى نقول، لو كانت النوايا صادقة، وهي بالتأكيد غير صادقة، لأخذ رأي أصحاب
الحق، وهم الوحيدون المخولون اتخاذ القرار بشأن مصيرهم وقضيتهم. وهم كما أكدوا
مرارا وتكرارا، لم ولن يخولوا أحدا الحديث باسمهم. وأضيف على ما قالته حنان عشراوي
عضو تنفيذية المنظمة، «خرجت الإمارات بتعاملاتها/ تطبيعها السري مع إسرائيل إلى
العلن. من فضلكم لا تقدموا لنا معروفا/ ولم يدعُكم أحد إلى التضحية من أجل فلسطين.
لسنا ورقة التين لأحد». وكما أسلفنا لم يكن الإعلان مفاجئا، فالدلائل الأخيرة كلها
كانت تشير إلى أن لحظة إقدام ابن زايد على هذه الخطوة، هي مسألة وقت لا غير. ولن
نخوض في تاريخ العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، التي تعود إلى أعوام التسعينيات،
إذ ليس هناك متسع من المساحة، ولكن سنسرد بعض الأمثلة التي عايشناها في السنوات
والأشهر الأخيرة وكانت تسير بخطى سريعة نحو تطبيع العلاقات.
الزيارات الرسمية لوزراء إسرائيليين ووفود أخرى رسمية ورياضية، وغير ذلك..
دعوة إسرائيل للمشاركة في «إكسبو دبي 2020» والسماح لها بجناح خاص.
رفع القيود عن دخول الإسرائيليين إلى الامارات، من دون ترتيبات خاصة، كما في
السابق. فتح أول مطعم إسرائيلي في الإمارات، يقديم الأطباق الفلسطينية، كأطباق
إسرائيلية. إقامة كنيس يهودي في سياق التسامح بين الأديان، وأبناء إبراهيم. مشاركة
السفير العتيبي في حفل الإعلان عن صفقة القرن في البيت الأبيض في 28 يناير/كانون
الثاني الماضي. تقديم المساعدات الطبية لإسرائيل لمواجهة وباء كورونا. إرسال طائرة
تابعة لشركة الاتحاد للطيران الرسمية، إلى مطار تل أبيب كمساعدات طبية للفلسطينيين
بدون تنسيق مسبق مع الجهات الفلسطينية المعنية التي رفضت هذه المساعدات واعتبرتها
محاولة تطبيع على حسابهم، وتبادل الطرفان الاتهامات، وهبّت جماعة دحلان للدفاع عن
موقف الإمارات متهمة السلطة بازدواجية الموقف. ولم تعر الإمارات اهتماما لرفض
السلطة الفلسطينية، فبعثت بطائرة مساعدات مشبوهة أخرى إلى مطار تل أبيب، رغم
معرفتها بالموقف الفلسطيني مسبقا.
مقال السفير عراب التطبيع يوسف العتيبي، الذي تربطه علاقات جيدة مع السفير
الإسرائيلي السابق في واشنطن رون دريمير. نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» وجاء
المقال تحت عنوان: «إمّا الضم أو التطبيع»، استهله السفير بالقول: «حتى الفترة
الأخيرة، تحدث قادة إسرائيليون بحماس عن التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة ودول
عربية إضافية. لكن هذه الأقوال تتناقض مع خطة الضم الإسرائيلية». وحسب العتيبي،
فإن خطة الضم الإسرائيلية تتحدى الإجماع العربي – وعملياً الدولي أيضاً – في ما
يتعلق بالحق الفلسطيني». وآخرها توقيع اتفاقات رسمية بين شركات إماراتية رسمية
وإسرائيلية، بحجة التعاون لمكافحة جائحة كورونا، إذ أخذ بن زايد على عاتقه محاربة
كورونا.
اعتراف ابن زايد بإسرائيل لا يهم بقدر ألا يكون لأي فلسطيني دور في هذه الخيانة.
وإذا كان هناك شيء إيجابي قد ينتج عن اتفاق ابن زايد – نتنياهو – ترامب، أنه سيضع
محمد دحلان عضو مركزية حركة فتح المفصول والمقيم في الإمارات ويعمل مساعدا مقربا
لابن زايد، على المحك وأمام لحظة الحقيقة والاختيار، فإما العودة إلى الصف الوطني
الرافض لخيانة ابن زايد لفلسطين وقضيتها وتاريخها ونضالها وأهلها، أو تثبيت ما يشاع
حوله بأنه يسعى ليكون البديل للقيادة الفلسطينية، بأي ثمن حتى لو كان على حساب
القضية برمتها، والدولة والقدس وأقصاها، وفوق ذلك استقلال القرار الفلسطيني.
والشيء الوحيد الذي يمكن أن يبرئ ساحة دحلان، هو إعلان موقف واضح وصريح لا لبس فيه
من مؤامرة ابن زايد، وأن يغادر الإمارات على جناح السرعة، وإلا فإنه سيكون فعلا من
المتعاونين والمتورطين في هذه المؤامرة، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية ووأد
حلم الدولة الفلسطينية. القرار قرارك يا دحلان ولا تلم إلا نفسك من بعد.
وأخيرا إذا كان هؤلاء المطبعون، وعلى رأسهم محمد بن زايد، يعتقدون أنهم سيفوزون
باحترام الإسرائيليين، أو حتى الأمريكيين أو غيرهم فهم مخطئون فلا احترام لمن يخون
قضيته والأمثلة على ذلك كثيرة، ولم ينتظر نتنياهو، كما عهدناه كثيرا، وحتى قبل أن
يجف حبر الاتفاق الذي كتبه بنفسه، حتى يفرك بصلة في أعين هذا الثالوث الإماراتي ابن
زايد – العتيبي – قرقاش ، بالتأكيد على أن قرار الضم لا يزال ساريا.
وأختتم بمقولة «إذا استطعت أن تقنع الذبابة بأن الزهور أفضل من القمامة، عندئذ فقط
تستطيع أن تقنع الخونة بأن الوطن أغلى من المال/ المصالح». يجب أن يكون رد الفعل
الفلسطيني حاسما ورادعا للآخرين، ولا نامت أعين الجبناء.
(القدس العربي اللندنية)