كتاب عربي 21

العطاس والشهيق والزفير كعمليات إرهابية!

1300x600
أشهر قصة للقاص الروسي الأشهر في العالم تشيخوف هي قصة "موت موظف". في القصة يجلس المواطن كربيكوف في الصف الثاني لمشاهدة عرض مسرحي، ويشعر بسعادة، وكأنه على أعلى قمة في العالم، مع أنه في الصف الثاني.

ويقع حادث مأساوي على حين غفلة من عين المقادير وتصاريف الزمان، إذ يعطس على رأس الجنرال تشرفيكيوف الجالس في الصف الأول. اعتذر العاطس من المعطوس على رأسه وليس في وجهه، فأدار المعطوس على رأسه وجهه ممتعضا وأكمل المشاهدة. عاد العاطس إلى البيت، وهو يشعر أن يديه ملوثتان بالدماء من جريمة، واعتذر مرة ثانية وثالثة ورابعة، إحداها مصحوبة بباقة ورد، وكان الجنرال مجافيا، وفي الاعتذار الخامس، عاد وتمدد على الأريكة ومات من عقدة الذنب، لأن الجنرال لم يقبل اعتذاره!

هذه قصة ذكّرتْ كاتب هذه السطور بأول جريمة على الأرض، والقربان الذي قدمه ابني آدم، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وكان قربان الموظف هو الاعتذار، فقتل نفسه.

رؤساء جالسون في الصف الثاني:

السيسي رئيس دولة مسلمة، بل هي أكبر دولة عربية إسلامية، والسيسي يخطب وهو جالس، دائرا ظهره للوزراء، على نقيض المثل: "اقعد أعوج واحكِ باستقامة".. لكنه في الخارج يقف بأدب وخجل، ويتوسل أمام رؤسائه..

جالسا في أول مقعد، ليس قبله مقعد ولا بعده مقعد، يشعر بالكثير من الذنب في خطبه التي يخطبها لأن شعبه مسلم، ألم يقل: مش معقول يكون الفكر إللى بنقدسه ده يدفع الأمة 1.6 مليار (قاصدا الأمة الإسلامية) هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار علشان يعيشوا".. كأنه عطس في رأس نتنياهو من الخلف، فهو يهنئه على السلام مع الإمارات، كأنه عطس في رأس ابن سلمان، فهو يهديه جزيرتين، كأنه عطس في رأس ابن زايد من الخلف، فهو يزوره كل ستة أشهر كأنه عامل له على إحدى ولاياته، كأنه عطس في رأس رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، فهو يهديه النيل وسيفاوضه إلى قيام الساعة.

وأسد الشام وما حولها لا يريد من أمريكا سوى التنسيق معه إن أرادت أن تقصف سوريا، كأنه عطس في رأس بوتين، فقد تنازل له عن ميناءين، وعن محطة الحجاز، وعن مناطق وكنوز سورية أخرى، هو رئيس الشام عاصمة الدولة الإسلامية الأموية التي يسخر منها في خطبه...!

رئيس الإمارات يشعر بالذنب تجاه إسرائيل، وهو لم يحاربها، ليس له حدود معها، ربما يحس بالعار لانتمائه الإسلامي والعربي، والعار أعلى درجة من الذنب.. ودولته لا تحاذي إسرائيل، وليس في دولته يهود، اللهم إلا بعض السواح والزائرين، وليس متهما بإحراقهم في أفران غاز!

ولي عهد السعودية، وليس في بلاده أقليات دينية بل هي أقلية مذهبية تؤمن بالله وتوحده مثله، يشعر بالذنب تجاه رؤساء دول العالم الجالسين في الصف الأول، وكأنه عطس في ظهر ترامب وماكرون وميركل وجونسون، وقد اعتذر لذلك بشراء لوحة مزورة، وتبرع لحدائق الحيوان، وجمعيات النساء الأمريكية، بل إنه استباح الحرمين، واحتفل بعيد هالوين، ونصب أصناما في جزيرة العرب، واحتفل بعيد الحب، وينوي تحويل نيوم إلى حج سياحي، يغسل به ذنبا يشعر به ولا نعرفه!

كثير من المسلمين يشعرون بعقدة ذنب مع أنهم لم يعطسوا.. والعطاس من الرحمن، وهو فعل لاإرادي، الكل يعطس، حتى أليسا تعطس.. دمّر نظام السيسي وعبد الناصر والسادات مئات المساجد بذرائع تنظيم المدينة واستقامة الشارع، وتقربا للغرب، ومنع الشعب المصري حديثا من الصلاة بحجة كورونا، بينما تباح معابد الأديان الأخرى، فهم مناط حسد لدى المسلمين، وهم الأكثرية في البلد!

وقد صدق في هؤلاء قول الشاعر:

لنا ملوكٌ بـــلا دينٍ إذا عبروا في
جنةٍ، أصبحتْ من شؤمهم جَرَدا

أنيابُهُم في ذوي الأرحامِ ناشبةٌ
وللأعادي ابتسامٌ يُظهرُ الـــدردا

المسلم ضحية، وكانت رابعة عرضا مسرحيا يبث على الهواء، للمشاهدين في القارات السبع، مثل العرض السوري الذي ما يزال يبث على مدى عشر سنوات بنجاح متواصل، وتفسيرنا يقول إن العرض كان اعتذارا للغرب، وهدية له، على هذا الدين "الإرهابي"، الذي لا يساوي بين الذكر والأنثى عفوا بين الابن والابنة في الميراث، وأنجب ابن تيمية، والبخاري، وخالد بن الوليد. لقد أذعر مرسي في سنة واحدة الغرب كله ولا بد من اعتذار دموي.

أي مسلم يحل ضيفا في برنامج تلفزيوني، سيعتذر لكل مواطن غير مسلم يشاركه البرنامج من الأقليات الدينية، على قراءة آية من القرآن الكريم، أو على ذكر مذهب ديني أو طائفي، اضطرارا، كأنه كفر. ويكاد المسلم يدير خده الأيسر لزميله ليضربه، التكبير يشعر المسلم بالذنب، الأذان يشعر المسلم بالذنب، حجاب المسلمة يشعر المسلم بالذنب مع أن مريم العذراء محجبة، شريعته التي تبيح له الزواج من أربع تشعره بالذنب، كأن المسلم هو الذي اغتصب مئتي ألف ألمانية في الحرب العالمية الثانية، كأنه هو الذي رمى هيروشيما وناغازاكي بالنووي، كأنه هو الذي قتل ستة ملايين في أفران الغاز، كأنه هو الذي بنى غوانتانامو، كأنه هو الذي عذّب في أبو غريب، وليس هو الضحية!

نخبة مصابة بالرشح:

هناك شخصيات مسلمة يسارية وإسلامية مصابة بعقدة الذنب: خذ مثال محمد حبش، وهو عضو مجلس شعب سوري سابق، وخطيب جامع سابق، وقد رأيناه معتذرا وهو يقف أمام رئيس وزراء بريطانيا جونسون أو مع البابا، وهو يكفر عن ذنب المسلمين بالتبشير بدخول كل الأمم في الجنة، كأنه رضوان خازن الجنان!

أمس خرج عضو مجلس شعب سوري فائز بالعضوية بالانتخاب الحر والنزيه، وأقسم على القرآن والإنجيل معا، ولا نعرف إذا كان قد أقسم على العهد الجديد وحده أم على العهدين معا، لعله يشعر بالذنب. قديما لم يكن الولاة يقسمون على العمل: اليمين فقط كان على من أنكر، وللعاهر الحجر.

سبب عقدة الذنب:

في كل المسلسلات التلفزيونية ذات الصبغة الوطنية، يفضل أن يكون البطل الثاني من الأقلية الدينية، يسرق البطولة من البطل الحقيقي، حتى ظهرت عمائم سود في باب الحارة. مبتدع هذا التقليد هو يوسف شاهين في صلاح الدين الأيوبي، باختراعه شخصية عيسى العوام، واصطناع الوحدة الوطنية، كأن الوحدة الوطنية لا تتحقق إلا بالاختلاق، ولو كان ذلك على حساب الصدق التاريخي.

ويقارن المصريون بين سلوك السيسي في الكنيسة وسلوكه في الأزهر لطفا وخشونة، فيرون العجب، فهو في الكنيسة لطيف رقيق بسام، وفي الأزهر جلف يهدد ويطالب بتغيير الدين وتجديده. الدين المسيحي وفق خطاب الرؤساء العرب: تام، رقيق، لطيف، دين محبة، بينما دين المسلمين هو خطاب كراهية وحرب. الديمقراطية محرّمة مثل لحم الخنزير، والنخبة الثقافية "المرتدة" أو المهتدية لا تقبل الديمقراطية إلا بشرطين يجعلانها مستحيلة: العقلانية والعلمانية، أضيف شرط ثالث مؤخرا: ضمانات للأقلية، وهي نفس ما يقوله اليهود تماما عندما يجادلون: نحن أقلية وللأقلية قوانين أخرى. هم أنفسهم ثاروا على سيد قطب لقوله بحاكمية الإسلام، وها هم يطالبون بحاكمية الديمقراطية مشروطة بشاهدين هما العلمانية والعقلانية.

من علامات الشعور بالذنب أن كثيرا من أعلام المسلمين بالوراثة، يحذفون اسم محمد من أسمائهم المركبة، ومن ذلك أننا لم نعرف أن اسم المنصف المرزوقي الأول هو محمد إلا بعد ترشحه للرئاسة!

عطسة إرهابية:

ارتكب زميل سوري ذنبا يشبه ذنب الموظف الذي مات في قصة تشيخوف عليه رحمة الله، في حفل في كنيسة ألمانية، عندما هتف بسبب سقوط آلة، وصدور صوت كبير عنها: الله أكبر، فران الصمت على الجميع، تدارك زميلنا ذنب التكبير، وليس ذنبا بل هو حسنة، وقال معتذرا: أيها الحضور الكريم، نحن قوم نكبر الله عند كل شأن، عند عثرة طفل، عند وقوع حريق، في السلم والحرب، وعند رؤية الجميلات، والله أكبر هي تحية في بعض ولاية بايرن الألمانية. وعند وصولي إلى ألمانيا تحولت إلى مؤذن بسبب جمال الألمانيات، كلما رأيت واحدة صحت: الله أكبر، فضحك الحضور. ثم إنه عطس أحد الحضور فهتف صاحبنا: الله أكبر، ضحك الحضور مرة ثانية. أنهى الكلمة وجاءت زميلته لاستلام بوق الحديث، فوقف وقال هاتفا لجمالها مثل ناظم الغزالي في أغنية "خايف عليها":

له خال على صفحات خد كنقطة عنبر في صحن مرمر

وألحاظ كأسياف تنادي على عاصي الهوى الله أكبر

المسلم والخطيئة الأولى:

ليس في سرديات المسلمين خطيئة أولى، هم لا يؤمنون بأن المسيح صلب، وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، لكنهم يشعرون بالذنب، بسبب الأزّ والتهييج والتحريض في وسائل الإعلام.

مطلوب من المسلمين دفع الجزية، وليست الجزية دينارا ولا درهما كما عند أهل الذمة لدى المسلمين، فبترول العرب للغرب، وكذلك قمح العرب، وقطن العرب، وما نحن إلا حراس وخدم لهم على هذه المحاصيل. والجزية المطلوب دفعها هي الدِين كله، كأنه دَين في رقبتهم وعليهم دفعه!

الله أكبر.

twitter.com/OmarImaromar
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع