لم نكن بحاجة للأنباء المتواردة عن وصول ضباط وجنود مصريين إلى سوريا لتقديم الدعم للنظام السوري، لنعرف أن مصر منذ الانقلاب عام 2013 تقف في صف نظام الأسد، وأنها تتلاقى بذلك عمليا مع إيران الداعم الأهم لذلك النظام.
الأنباء
التي انفردت "عربي21" بنشر تسريب صوتي يؤكد صحتها ليست سوى دليل جديد
يضاف إلى أخبار وأدلة قديمة تؤكد هذا التوجه لدى نظام السيسي، أهمها ما نشر خلال
السنوات الماضية من صور لأسلحة مصرية وصلت لأيدي المليشيات المؤيدة للنظام.
يمثل
هذا الدعم المصري للنظام السوري موقفا مناقضا إلى حد كبير للمواقف السعودية
تحديدا، التي لا تزال رسميا تقاطع نظام الأسد، كما أنه موقف لا يتفق تماما مع
نظيره الإماراتي. صحيح أن أبو ظبي بدأت بإعادة العلاقات التدريجية مع دمشق، وصحيح
أن السعودية عمليا لم تعد تؤيد إسقاط الأسد، إلا أن الدولتين تريدان إنهاء الأزمة
السورية دون سقوط الأسد ودون انتصار إيران في نفس الوقت، وهما تريدان تسوية سياسية
تعطي للقوى الحليفة لها دورا في "سوريا الجديدة"، وتعهدات من الأسد
بتحجيم دور طهران، وهو ما يجعل الدعم المصري الواضح للأسد مناقضا لرؤيتهما.
اتخذت مصر تحت حكم السيسي مواقف مثيرة للجدل تجاه الصراع في اليمن
وإذا
كان موقف نظام السيسي من الأزمة السورية مفهوما، باعتباره ينطلق من قاعدة الرفض
لنجاح أي "ثورة" أو تغيير للأنظمة القديمة، لأن مثل هذا النجاح قد يمثل
إلهاما لثورة في مصر، فإن ما لا يمكن فهمه -للوهلة الأولى على الأقل- الموقف
المتردد لنظام السيسي تجاه دعم السعودية في اليمن، ضد جماعة الحوثي.
لقد
اتخذت مصر تحت حكم السيسي مواقف مثيرة للجدل تجاه الصراع في اليمن، فقد أعلنت
"رسميا" تأييدها لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولكنها لم تعين
سفيرا لها في عدن أسوة بدول خليجية (حسب موقع مصر العربية)، كما أنها استقبلت وفدا
ممثلا للحوثيين عام 2015، ورعت بعضت النشاطات لحزب الرئيس الراحل علي عبد الله
صالح في الوقت الذي كان يقاتل فيه مع الحوثيين ضد الشرعية.
اقرأ أيضا: تفاصيل جديدة لـ"عربي21" عن الجنود المصريين في سوريا
حصلت
هذه المواقف المترددة في اليمن، والمواقف المناقضة للسعودية والإمارات في سوريا،
برغم الدعم الكبير الذي قدمته الرياض وأبو ظبي للسيسي، حيث كانت الدولتان أول من
اعترف بانقلاب يوليو 2013، وقامتا بتمويل النظام بعشرات المليارات من الدولارات.
فلماذا يقف نظام السيسي ضد "داعميه ومموليه" بمواجهة إيران؟
لن يقبل السيسي انتصار أي طرف إخواني في أي بلد عربي
إن
السبب الأول برأينا ينطلق من حرص نظام السيسي على عدم تقديم أي ثمن سياسي دون
الحصول على ثمن اقتصادي مقابل له. حصل النظام على الدعم المالي في عهد الملك عبد
الله بن عبد العزيز مقابل الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي رحمه الله،
ومقابل القضاء على الإخوان المسلمين الذين اعتبرتهم الرياض وأبو ظبي خطرا سياسيا
منذ انطلاق الثورات الشعبية. وإذا أرادت الدولتان الخليجيتان مواقف جديدة ضد إيران
فلا بد أن يكون لذلك ثمن على شكل دعم اقتصادي للنظام المصري، وهو ما لم يحصل منذ
بداية عهد الملك سلمان.
اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر تسجيلا يثبت تواجد جنود مصريين بسوريا
أما
السبب الثاني، فهو بناء السياسة الخارجية المصرية منذ الانقلاب على أساس واحد
ووحيد، وهو صراع نظام السيسي مع الإخوان المسلمين داخل مصر. لن يقبل السيسي انتصار
أي طرف إخواني في أي بلد عربي، سواء كان انتصارا "ثوريا" أو
"عسكريا" أو ديمقراطيا، ولذلك فإنه لا يمكن أن يقدم دعما للمحور المضاد
للحوثيين في اليمن لأن هذا المحور يضم -اضطرارا- حزب التجمع اليمني للإصلاح
المحسوب على تيار الإخوان. لا يمكن أيضا ولنفس السبب أن يقبل السيسي هزيمة نظام
الأسد أمام قوى ينتمي معظمها للتيارات الإسلامية.
تريد
مصر أن تعود لدورها وموقعها الإقليمي، وتريد الإمارات والسعودية استخدام هذا
الموقع لمواجهة الدورين التركي والإيراني في المنطقة، وتريد الشعوب العربية
الطامحة بالتغيير أن تلعب مصر دورا في قيادة الإقليم ضمن مشروع نهضوي عربي يحقق
للإنسان العربي حريته وكرامته في مواجهة التدخلات الخارجية والاحتلال. يريد الجميع
دورا قويا لمصر كل حسب وجهة نظره، ولكن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق تحت نظام لا
يدرك حجم مصر، ويبني سياسته الخارجية على أساس صراعاته الداخلية من جهة وعلى طبيعة
الدفعات المالية التي يحصل عليها من جهة أخرى. فالنفوذ الإقليمي لا تضمنه
الجغرافيا والموقع الاستراتيجي فقط، بل هو عوامل مركبة من أهمها وجود الرؤية
السياسية، فكيف لنظام بلا رؤية أن يعطي مصر موقعها الذي تستحق؟!
شارع شيكاغو بين تطبيق "الشريعة" وتطبيق الشريحة
أكاذيب ملوّنة: الكذب المصري وردي والسوري أحمر والأمريكي أصدق!