يثير تفشي فيروس كورونا المستجد في الأردن تساؤلات عن إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بالرغم من تأكيد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، المضي في عقدها يوم الـ10 من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وأصدر الملك مرسوما في 29 تموز/ يوليو الماضي بإجراء انتخابات نيابية، وذلك بعد ثلاثة أيام من اعتقال مجلس نقابة المعلمين المنتخب ديمقراطيا، وإحالتهم إلى المدعي العام، وإغلاق مقرات النقابة لمدة عامين.
ودفع ذلك المشهد فعاليات حزبية وسياسية إلى التساؤل عن جدوى إجراء انتخابات نيابية، في الوقت الذي تلغى فيه نتائج انتخابات نقابة المعلمين؛ لإصرار مجلسها على صرف علاوة وافقت عليها الحكومة سابقا.
وأوضح الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب، جهاد المومني، أن الانتخابات النيابية ما زالت في موعدها إلى الآن، مشيرا إلى أن تأجيل الانتخابات من صلاحيات ملك البلاد وليس الهيئة، "وسلامة المجتمع وصحة المواطنين أهم من الانتخابات عند صاحب القرار".
واستدرك بالقول لـ"عربي21": "لكن لا سمح الله، إذا أصبح الوضع الوبائي مهددا لحياة الناس، واضطرت الدولة لفرض حظر شامل، فمعنى ذلك حتما أن الانتخابات ستؤجل".
وأكد أن دعوات المقاطعة للانتخابات قليلة بالمقارنة مع دعوات المشاركة، رافضا الربط بين ما حدث لنقابة المعلمين وبين الانتخابات النيابية.
وأضاف المومني أن "الذي يقاطع الانتخابات هو الخاسر، ومعلوماتي أن الأحزاب جميعها سوف تشارك في الانتخابات، والدعوات للمقاطعة فردية، وليست دعوات من قبل أحزاب أو تكتلات سياسية أو نقابات أو أي أطر سياسية في البلاد".
أول المقاطعين
والسبت، أعلن حزب الشراكة والإنقاذ مقاطعته للانتخابات النيابية، ليكون أول حزب يقاطع العملية لهذه الدورة.
وقال نائب أمين عام حزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، إن حزبه لا يمكن أن يتناقض مع طروحاته الإصلاحية ويشترك في مجلس نواب لا قيمة له، ولا يشكل وسيلة للتغيير.
ورأى في حديث لـ"عربي21" أن "المجلس القادم لا يمكن أن يمثل الشعب الأردني تمثيلا حقيقيا؛ بسبب قانون الانتخاب سيئ الذكر (الصوت الواحد المجزوء)، وعدم قناعة الجماهير بالمجالس السابقة التي أفرزها قانون الانتخاب، والإرادة السياسية المفقودة، وتدخل المال من خلال التمويل الحكومي للأحزاب المشاركة حسب ما تريد السلطة التنفيذية".
وتساءل: "هل يعقل أن بلدا يجتمع عليها وباء كورونا، وغياب الحريات، وقضية المعلمين، واعتقال الحراكيين، وتغييب الصوت الآخر، وقانون الدفاع؛ أن تُجرى فيه انتخابات نيابية؟".
وأكد الفلاحات أن هناك جهات شعبية عديدة ترفض المشاركة في الانتخابات، وجميع الحراكيين الثابتين على مبادئهم رغم وسائل الضغط والتخويف والترغيب والترهيب ليس فيهم أحد يؤيد هذه المشاركة، متسائلا: "كيف نقنع 140 ألف معلم انتخبوا مجلس نقابتهم ثم سلبت إرادتهم بجرة قلم أن يشاركوا في هذه الانتخابات؟".
وأضاف أن إقامة الانتخابات في موعدها أو تأجيلها لا يهم كثيرا طالما أن هناك غيابا للإرادة السياسية الحقيقية التي تعيد النظر في قانون الانتخاب، مستغربا في الوقت ذاته من إقامة الانتخابات في ظل دخول المملكة مرحلة التفشي الوبائي.
وتابع الفلاحات: "لا أستبعد أن تجرى الانتخابات في موعدها، ولكن من الحماقة المركبة أن تقوم بانتخابات في الوقت الذي تمنع فيه 30 شخصا من الاجتماع معا.. فكيف سيقنع المرشح الآخرين ببرنامجه إذا لم يجتمع بهم؟".
اقرأ أيضا: هل يتشكل مجلس الأعيان الأردني قبل انتخاب مجلس النواب؟
إجراء "غير سليم"
من جهته، رجح النائب السابق جميل النمري أن تُجرى الانتخابات النيابية في موعدها المقرر، منتقدا إجراءها في حال بقيت المملكة ضمن مرحلة التفشي الوبائي بسبب فيروس كورونا.
وقال لـ"عربي21" إن إجراء الانتخابات في ظل مرحلة التفشي الوبائي ليس سليما، مضيفا أن مخاطر ذلك ليست منحصرة في المفاسد الصحية للاختلاط وكثافة اللقاءات واستحالة السيطرة عليها، فالأجواء النفسية أيضا غير مهيأة لانتخابات صحية في ظل اتساع تفشي الوباء.
وأضاف النمري أن تفشي فيروس كورونا في البلاد لن يؤثر على مقاطعة الانتخابات، معللا ذلك بأن "قرار المقاطعة سياسي، فإذا أُجلت الانتخابات بسبب كورونا فإن ذلك لن يكون نصرا لدعاة المقاطعة؛ لأنهم لن يستفيدوا منه سياسيا".
ورأى أن هنالك أسبابا سياسية مفهومة لمقاطعة الانتخابات، لكن التجربة والواقع يؤكدان أن المقاطعة نتيجتها عدمية، "فالاستحقاق الدستوري للانتخابات قائم في جميع الأحوال بغض النظر عن نسبة المشاركة فيها"، لافتا إلى أن المقاطعة لن تغير قانون الانتخاب المختلف عليه.
وقال إن رفض المشاركة في الانتخابات بدعوى أن الحكومة تسيطر عليها "غير صحيح"، مضيفا: "إذا افترضنا أن هناك تدخلا ما في الانتخابات، فهو لا يعدو أن يكون تدخلا بوسائل غير مباشرة لا يمكن الطعن فيها قانونيا".
هل تتراجع نسبة التصويت؟
ورجح مراقبون تراجع نسبة التصويت في الانتخابات النيابية القادمة عن سابقتها في عام 2016 التي بلغت 36 بالمئة من أصوات من يحق لهم الانتخاب، وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها تفشي وباء كورونا في البلاد، وتأزم المشهد السياسي، وتراجع حالة الحريات العامة، وتقهقر الوضع الاقتصادي، وشعور المواطن العادي بعدم قدرة مجلس النواب على تحقيق تطلعاته.
وحول نسب التصويت المتوقعة، قال الناطق باسم الهيئة المستقلة للانتخاب، جهاد المومني، إن الهيئة ليس لديها نسب أولية، ولا تتوقع أي شيء حول الزيادة أو النقصان في نسبة الاقتراع.
واستدرك بالقول إن "المؤشرات جيدة، وهناك ما يعطينا الأمل والتفاؤل بأن الاهتمام بالانتخابات جيد جدا في جميع المحافظات، وإن كان الاهتمام في عمان والزرقاء أقل من غيرهما"، مضيفا أن "نسبة الاهتمام بالانتخابات هذه السنة في مثل هذا الوقت أكبر وأكثر عنها في انتخابات 2016".
بدوره، رجّح نائب الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة أقل منها في الدورة الماضية، مشيرا إلى أن من يتابع منصات التواصل الاجتماعي يقف على الكم الكبير من الأصوات الداعية إلى مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي سيترجم على أرض الواقع بتراجع نسبة التصويت.
أما الكاتب جميل النمري، فرجح أن تنخفض نسبة المشاركة في الانتخابات من 10 إلى 15 بالمئة، وقال إن "إجراء الانتخابات في ظل تفشي فيروس كورونا يعني بكل تأكيد انخفاض نسب المشاركة، ولكني لا توقع انخفاضا كبيرا".
استطلاعات رأي محسوبة على الجمهوريين تؤكد تفوق بايدن
"موجة كورونا الثانية".. جدل متجدد بالأردن مع إغلاق مساجد ومدارس
كورونا.. أيام حاسمة في الأردن ومخاوف من عودة الحظر