هل كان استذكار الملك فيصل في فيلم (ولد ملكا ـ 2019) للمخرج أغوستي فيلارونغا، خطأ انقلب ضد الرواية الرسمية السعودية وهي تخطو خطوتها الأولى في درب السعي لتملك الرواية التاريخية عبر السينما؟
مملكة الأمس ومملكة اليوم
تولى الملك فيصل بن عبد العزيز الحكم في العام 1964 وقضى فيه إحدى عشرة سنة راجع فيها اتفاقية تقاسم أرباح النفط مع أرامكو وأقر بمنح امتيازات البترول للشركات الوطنية حصرا. وفي مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية، وجه له المحاور السؤال: ما هو الحدث الذي ترغب في أن تراه يحدث الآن في الشرق الأوسط؟ كان الجواب: زوال إسرائيل.
كان الملك رافضا للاعتراف بإسرائيل واستخدم سلاح النفط لدعم الموقف العربي خلال حرب 1973، فحظر تصديره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى لدعمهم الكيان المحتل في حربه التوسعية في الأراضي العربية. لأجل ذلك "أعدم" بإطلاق النار عليه من داخل العائلة.
اليوم، تعرض المملكة شركة أرامكو للخصخصة. كما تحولت سياستها باتجاه علاقات وطيدة غير معلنة، حتى اللحظة، مع تل أبيب. صار قطار التطبيع سالكا، بضوء أخضر سعودي، رغم تمنعها من اللحاق بحفل التوقيع بالبيت الأبيض قبل أيام.
أما النفط، سلاح المملكة الأقوى، فصار وسيلة للدخول في حروب تجارية خاسرة أو لشراء أسلحة تمتلئ بها المخازن دون قدرة فعلية على استخدامها. وإن استخدمت وُجهت للأشقاء دون الأعداء الحقيقيين. لأجل ذلك "تجاهد" إسرائيل وحلفاؤها الجدد بالمنطقة ومعهم أمريكا لتتويج الملك المنتظر ولو بالقفز على أعراف العائلة المالكة وتقاليدها.
هذا هو الفرق بين مملكة الأمس ومملكة اليوم تسعين سنة فقط بعد التأسيس. ولأجل ذلك تصبح المقارنة بين الماضي "التليد" وواقع الحال في غير صالح من يحكمون اليوم.
أما النفط، سلاح المملكة الأقوى، فصار وسيلة للدخول في حروب تجارية خاسرة أو لشراء أسلحة تمتلئ بها المخازن دون قدرة فعلية على استخدامها. وإن استخدمت وُجهت للأشقاء دون الأعداء الحقيقيين.
يبدأ الفيلم المنتج بشراكة مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بمقدمة جاء فيها: في بداية القرن العشرين، عاد الأمير عبد العزيز بن سعود إلى الرياض، عاصمة موطنه في الجزيرة العربية، يحدوه الأمل والطموح لإعادة تأسيس الدولة السعودية التي انتهت منذ عشر سنوات مضت. كانت الجزيرة العربية والعالم العربي في حالة عدم استقرار وانقسامات كبيرة نتيجة لتنافس القوى العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. وداخل الجزيرة العربية تعددت القوى الحاكمة بعد فقدان الدولة الموحدة. كانت هذه هي حالة الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك عبد العزيز بن سعود. من هنا تبدأ القصة، عام 1919 في بحر العرب، يقول الفيلم كما هو مكتوب على شاشة العرض.
بعد ما يفوق مائة سنة كاملة، منها تسعون من حياة المملكة الموحدة، صار بحر العرب فارسيا ترتع فيه إيران كما شاءت ومعها قوى دولية تتنازع النفوذ. أرض العرب أيضا كما سماؤهم تتلبس بالتدريج لباسا فارسيا بعد أن "احتلت" إيران عواصم كاملة واستفردت بقرارها "السيادي".
كان الأمير الطفل فيصل يركب البواخر المبحرة إلى إنجلترا مع عامة الناس من البلدان الآسيوية. أمراء هذا الزمان تملكوا اليخوت الفارهة وأساطيل الطائرات من أموال الشعب وثروات البلاد دون حسيب. لقد جرى النفط تحت أرض الجزيرة وغيّر كثيرا من الوضع الاقتصادي للطبقة الحاكمة قبل المواطنين العاديين. لكنه غيّر بالمقابل كثيرا من دواخل الناس وكثيرا من مبادئ البدو التي تغنت بها الأشعار وأكدتها الأفعال إلى وقت قريب. كثيرون ولدوا أمراء وملوكا فتلك إرادة الله في خلقه. لكن المُلك لم يكن يوما مجرد نتاج لحيوان منوي بل هو قيم ومبادئ تترتب عنها مسؤوليات أمام الله وقبله المواطنين.
في الفيلم قتال بالمواجهة على الأرض يقوده الملك ومعه الأبناء والأقربون بالسيوف وعلى ظهور الخيول والجمال. لكنه انتهى اليوم إلى قتال بالطائرات الموجهة والقنابل "الذكية" واستئجار المرتزقة دفاعا عن الأرض والعرض والمال. لم تسلم المملكة، مع كل الإنفاق العسكري وشراء الولاءات، من صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة التي دفعتها للاستنجاد، رغم ترسانتها العسكرية التي دفعت مقابلها أموالا وتفريطا في السيادة، بالعالم لعله يهب لنجدتها مرات ومرات. كان لعب الأطفال المفضل، والأمراء منهم، التدرب على القتال واستخدام السلاح. اليوم تؤكد التسريبات والوقائع أن الألعاب الالكترونية صارت اللعبة الأفضل التي تُنفق عليها الأموال بمئات الدولارات. أما الانتصارات على "العدو" الإيراني فوهمية تتجسد أحداثها على لعب إلكترونية وفيديوهات بروباغندا لا تسمن ولا تغني من انكسارات الأرض وحقائق الميدان.
فيلم (ولد ملكا ـ 2019) للمخرج أغوستي فيلارونغا..
الطفل فيصل: (يأخذ سيفا) تركي.. طارحني!
تركي: (يسلمه سيفه) خذ. لما تستل السيف يعني تبي تقتل والدم يسيح. ترى يا خوي القوة مو بالحرب والقتل، القوة بالمحافظة على أرواح الناس. شيلة السيف للهيبة والتخويف مش لشي تاني.
فيصل: كل ايلي أبيه هو أني أمشي مع أبوي في الغزو وأخليه يفخر فيا مثلك.
السيف اليوم صار مجرد زينة تستل في العرضات لزوم رقصات تتفاخر بالعزم والإقدام قبل أن تسلم لترامب ليتفاخر بها، إعلان عن التفريط في "السيادة" وتسليم أمر الحفاظ على البلاد والدفاع عنها للجنود الأمريكيين وهم المتمنعون عن القدوم رغم كل السخاء المسجل في شراء الأسلحة وتشغيل المصانع الأمريكية على حساب التنمية المجتمعية التي لم ير منها المواطن غير حفلات الرقص والغناء دليلا على انفتاح لم يصل مداه حرية المشاركة السياسية في اتخاذ القرار أو القدرة على نقد الأوضاع.
بعد تسعين سنة كاملة تبقى مقدمة الفيلم، المضمنة في بداية المقال، صالحة إن لم تكن أكثر إلحاحا، فمصير المنطقة لا يزال معلقا وغامضا. ولا تزال القوى الاستعمارية تتنازع النفوذ وتسيطر على الثروات في تغييب تام لأصحاب الشأن، فأقصى طموحهم تزكية الغرب لهم حكاما أو مندوبين يُأمرون فينفذون.
فيلم (الأسد الملك ـ 2019) للمخرج جون فافرو.
من أعلى ربوة مطلة على الغابة الفسيحة.
الملك الأب: أنظر يا سيمبا. كل مكان يسطع عليه نور الشمس هو مملكتنا.
سيمبا: تحكم كل هذا؟
الملك الأب: أجل. لكن وقت الملك كحاكم يزدهر ويتلاشى كشروق وغروب الشمس. يوما ما يا سيمبا ستغرب الشمس عن عهدي لتشرق على عهدك كملك جديد.
سيمبا: كل هذا سيكون مِلكي؟
الملك الأب: إنه ليس ملك أحد. لكن سيكون ملكك لتحميه. إنها مسؤولية عظيمة.
سيمبا: كل ما تسطع عليه الشمس؟ هذه الأشجار؟ الينابيع والجبل وما وراء تلك الظلال؟
الملك الأب: لا يجب أن تذهب إلى هناك يا سيمبا.
سيمبا: لكني ظننت أن بوسع الملك أن يفعل كل ما يريد ويحكم كل منطقة.
الملك الأب: بينما يسعى الآخرون على ما يمكنهم أن يأخذوه، الملك الحقيقي يسعى على ما يمكن إعطاؤه.
هذا هو الفرق بين المَلِك والمالك وهو فارق لو تعلمون عظيم.