تناول خبراء في تصريحات لصحيفة "عربي21"، البعدين القانوني والتاريخي لقضية إقليم "قره باغ" المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، الذي يسبب حالة الحرب بين البلدين الجارين.
واستحضر الباحث الأكاديمي في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الأذربيجانية، ألوصال بن نور الله محمدوف، تاريخ النزاع للإقليم، مؤكدا "أحقية أذربيجان تاريخيا وقانونيا في الإقليم" الذي أكد أنه "محتل" من أرمينيا.
وكشف محمدوف، الأستاذ الدكتور في معهد أذربيجان للعلوم الدينية أيضا، عن وثيقتين تاريخيتين أرسل صورتيهما إلى "عربي21"، قال إنهما "تبطلان مزاعم الأرمن حول الوضع الشرعي لمنطقة "قره باغ".
وثيقتان تاريخيتان
وجاء مصدر الوثيقتين، من أكاديمية العلوم الأذربيجانية التي يحاضر فيها، وتحوي أرشيفا، من جميع النسخ للوثائق السوفييتية.
وقال محمدوف: "منذ فترة طويلة لا سيما بعد اندلاع الحرب الأخيرة بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا، أثار الأرمن ضوضاء عبر العالم، مفادها أن منطقة قره باغ الجبلية هي أراض أرمينية محضة، ولم تكن في قوام أذربيجان على الإطلاق".
وأضاف: "بموجب قرار مؤرخ بـ5 تموز/ يوليو 1921، صادر عن مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي، وبأمر مباشر من (جوزيف ستالين) عضو في الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي، تم فصل قره باغ عن أرمينيا وإلحاقها بأذربيجان".
وتابع بأنه "عن طريق الضوضاء والتشويه للتاريخ، يسعى الأرمن إلى تكوين صورة زائفة عن كون قره باغ جزءا من أراضي أرمينيا، وإلى تغرير المجتمع الدولي الذي يكاد لا يعرف أي شيء له وزن عن حقيقة النزاع بين أذربيجان والأرمن".
وبشأن الوثيقتين، لفت إلى أنهما تفضحان ما أسماها "أكاذيب الأرمن"، و"تبطلان مزاعمهم التي لا تتجاوب مع الحقائق والوقائع التاريخية"، وفق قوله.
وأوضح أن هاتين الوثيقتين في غاية الأهمية لإلقاء الضوء على الحقائق، التي لا يعرفها إلا المؤرخون الموضوعيون والباحثون الذين يركزون على الوقائع غير المزورة فقط.
وأولى الوثيقتين، تعد محضرا تم تحريره في جلسة مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي البلشفي عام 1921، والثانية خطاب خطي من (أناستاس ميكويان) عضو أرمني الأصل في مفوضية إقليم القوقاز لدى الحزب الروسي الشيوعي البلشفي، إلى (فلاديمير لينين) زعيم المفوضية الشعبية السوفييتية ورئيس الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي البلشفي.
وكل من هاتين الوثيقتين يؤكد بصورة قاطعة أن قره باغ "أراض تاريخية لأذربيجان، ولم تكن في قوام أرمينيا، بكونها منطقة إدارية لها".
الوثيقة الأولى
في نص الوثيقة الأولى، أوضح ما نصه باللغة العربية لـ"عربي21": "مستخرجات من المحضر الذي تم تحريره في اجتماع مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي البلشفي 5 تموز/ يوليو 1921.
يحضر الاجتماع كل من: (ستالين) عضو في الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي، وأعضاء مكتب القوقاز منهم الرفقاء (أورجونيكيدزي)، و(ماخاريدزي)، و(كيروف)، و(نازاريتيان)، و(أوراخيلاشفيلي)، و(فيجاتنير)، و(ناريمانوف)، و(ميياسنيكوف)، و(حسينوف) المفوضي الشعبي للشؤون الخارجية بجمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية.
(بعد المناقشات) يقرر الحاضرون ما يلي:
1) نظرا لوجوب السلام بين المسلمين والأرمن، ولوجود صلة اقتصادية قوية بين الجزء العلوي والجزء الأدنى من هذه المنطقة، وكذلك صلتها الدائمة (التاريخية) بأذربيجان، ينبغي أن تبقى منطقة قره باغ في قوام وداخل حدود جمهورية أذربيجان السوفييتية الاشتراكية، وأن يمنح لها حكم ذاتي إقليمي واسع، مع المركز الإداري في مدينة (شوشا) وهي جزء من منطقة الحكم الذاتي.
2) أن تكلف الهيئة المركزية لأذربيجان بتحديد حدود منطقة الحكم الذاتي، وتقديمها إلى مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي للموافقة عليها.
3) أن تكلف هيئة رئاسة مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية، بالقيام بالتفاوض مع الهيئة المركزية لأرمينيا والهيئة المركزية لأذربيجان بشأن مرشح لمنصب المفوضي المعتمد في ناغورني قره باغ.
4) أن تقوم الهيئة المركزية لأذربيجان بتحديد نطاق الحكم الذاتي لناغورني قره باغ، وأن تقدمه للموافقة عليه من مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية.
(فيجاتنير) الكاتب في مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي.
الصورة طبق الأصل، يتم التصديق عليها من قبل (إيرشوفا) مصلحة الشؤون.
خاتم مكتب القوقاز التابع للهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي البلشفي.
(المصدر: الأرشيف الحكومي بروسيا، رصيد رقم 64، القضية رقم 1، الورقة رقم 125)"."
وأوضح محمدوف لـ"عربي21" أنه: "إذا أمعنا النظر في نص المحضر، نجد أنه قد جاء في القرار: "نظرا لوجوب السلام بين المسلمين والأرمن، ولوجود صلة اقتصادية قوية بين الجزء الأعلى والجزء الأدنى من هذه المنطقة.. إلخ، فإن لفظ "أن تبقى..." في نص القرار يعني أن قره باغ كانت في قوام أذربيجان قديما.
وأضاف: "يتم في الوقت الحاضر إصدار قرار ينص على إبقائها في داخل حدود أذربيجان! ولا نجد في نص القرار أي مؤشر واحد مفاده أن قره باغ هي جزء من أراضي أرمينيا، أو أنه لا بد من فصلها عنها وإعطائها لأذربيجان!".
ولفت إلى أنه وفقا للوثيقة فإن "أعضاء مكتب القوقاز منهم الأرمن أيضا، قد أكدوا صلة قره باغ الدائمة التاريخية بأذربيجان".
الوثيقة الثانية
أما عن الوثيقة الثانية، فجاء تقديم نص ترجمتها فيما يلي:
"تقرير من (أناستاس إيفانوفيتش ميكويان) عضو مفوضية إقليم القوقاز لدى الحزب الروسي الشيوعي البلشفي، إلى (فلاديمير لينين) زعيم المفوضية الشعبية السوفييتية، ورئيس الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الروسي البلشفي 22 مايو (أيار) عام 1919".
الطشناق هم عملاء الحكومة الأرمنية، يسعون جاهدين لضم قره باغ إلى أرمينيا. ولكن بالنسبة لأهالي قره باغ، فإن هذا يعني فقدان مصدر حياتهم في باكو والاتصال بإريفان التي لم يسبق لهم الاتصال بها في أي شيء. قرر الفلاحون الأرمن في المؤتمر الخامس الانضمام إلى أذربيجان.
(مصدر: الأرشيف المركزي الحزبي لدى الهيئة المركزية للحزب السوفييتي بالاتحاد السوفييتي، رصيد رقم 461، قضية رقم 4525، ورقة رقم 1)".
وفي قراءته للوثيقة الثانية، قال محمدوف؛ إنه "يمكننا وفق ما ورد في هذا التقرير من المعلومات القيمة من أن نركز على نقاط أبرزها، أن الشخص الذي كتب هذا التقرير هو (أناستاس إيفانوفيتش ميكويان)، الأرمني الأصل، وأدى دورا هائلا في تكوين وتوطيد الدولة الأرمينية منذ العقد الثاني من القرن العشرين".
وثاني النقاط المهمة وفق الباحث الأذري، أن الوثيقة "تعترف بأن ثمة قوى أرمينية تسعى لفصل قره باغ عن أذربيجان وإلحاقها بأرمينيا، وبالطبع يقصد الطاشناق".
ولفت إلى أن "الطشناق هم أعضاء حزب الطاشناق الأرميني الإرهابي، ويتبعون نهج العنصرية القومية"، وفق تعبيره.
وأضاف في ملاحظاته على الوثيقة، أن "ميكويان أقر بأن الأرمن الساكنين في قره باغ لم يسبق لهم واتصلوا بإيريفان، أي بأرمينيا. إذن (ميكويان) هو الآخر اعترف باعتباره أرمينيا، أن أرمن قره باغ لم يكن لهم أي صلة مع جمهورية أرمينيا".
وقال كذلك: "جاء من ميكويان اعتراف آخر مفاده أن الأرمن الساكنين في قره باغ قد قرروا هم أنفسهم أن يعيشوا تحت رعاية أذربيجان".
وتابع بأن النتيحة التي يمكن التوصل إليها من هاتين الوثيقتين التاريخيتين، أن "قره باغ جزء لا يتجزأ من أراضي أذربيجان الأصلية".
وتحتل أرمينيا، منذ عام 1992، نحو 20 في المئة من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم "قره باغ"، الذي يتكون من 5 محافظات.
"قره باغ" في القانون الدولي
وبحسب ما اطلعت عليه "عربي21"، فإنه وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن "أذربيجان تتمتع بحقها القانوني والشرعي في الدفاع عن أراضيها"، وأقر مجلس الأمن قرارات أربعة دعت أرمينيا للانسحاب من الأراضي التي تحتلها.
وقال رئيس مركز "نظامي كنجوي" الدولي في العاصمة الأذرية باكو، النور علييف، لـ"عربي21"، إن "المجتمع الدولي يقر بأن ما تقوم به أرمينيا احتلال لقره باغ".
وأوضح أن "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، باعتباره الهيئة الرئيسية لإدارة الأزمات والمخولة بإصدار قرارات ملزمة على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193، تبنى عام 1993 أربعة قرارات (822، 853، 874، 884) تطالب بانسحاب غير مشروط وفوري للقوات المسلحة الأرمينية من الأراضي المحتلة لجمهورية أذربيجان".
هل يدعم القانون الدولي سيطرة أذربيجان؟
من جانبه، تناول رئيس تحرير وكالة "ترند" الأذرية، روفيز حافظ أوغلو، في حديثه لـ"عربي21"، الموقف الدولي من سيطرة أذربيجان بشكل كامل على قره باغ في حال حصل ذلك.
وقال عند سؤاله عن هذا السيناريو: "نعم، القانون الدولي يطلب من أرمينيا إخراج قواتها من الأراضي الأذرية، وفي حال حصول ذلك فلن يمانع".
ولكنه انتقد المواقف الدولية في الوقت الحالي، موضحا: "لم نر أي دعم من المجتمع الدولي بهذا الخصوص، باستثناء حديث عن تأكيد أن هذه الأراضي أذرية، ودعونا أرمينيا للانسحاب منها".
وشدد على أنه وفقا للقانون الدولي، وبيانات الأمم المتحدة، فإن هذه الأراضي ليست انفصالية، كما يقول الإعلام الروسي وبعض الإعلام العربي، بل هي محتلة.
يشار إلى أن "عربي21" حاولت التواصل مع الخارجية الأرمينية، وبعثات دبلوماسية تابعة لها للتعليق على ما ورد في التقرير، إلا أنها لم تتلق ردا حتى الآن.
فيديو يوثق القضاء على قوات خاصة أرمينية في قره باغ (شاهد)
محلل روسي: وقف حرب "قره باغ" بيد أنقرة.. وموسكو سترد
لماذا عجزت "مينسك" عن حل نزاع قره باغ طيلة 28 عاما؟