لا يكف السفيران الروسي والفرنسي لدى
اليمن، فلاديمير ديدوشكين وكريستيان تيستو، عن إجراء اللقاءات مع رئيس
المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في مقر إقامته بفندق الريتز كارلتون بالرياض، في إطار الدعم المعنوي الذي يقدم للرجل ويساهم في تبديد العزلة التي يشعر بها كلما حاول إقناع نفسه بأنه بات الرئيس الفعلي غير المعترف به لجنوب اليمن.
قد تبدو لقاءات كهذه جزءا من مهمة استكشاف دبلوماسية اعتيادية لمواقف الأطراف المؤثرة في المشهد اليمني، لكن يلاحظ أنها تستخدم بشكل متقن في تمرير رسائل سياسية، كشفت عن عبثية اتفاق الرياض وأشارت بوضوح إلى النهاية المتوقعة لهذا الاتفاق.
والأهم من ذلك أنها تدلل على أن هذا الاتفاق بات مجرد إطار سياسي مائع، هدفه تعويم الصراع، وتكريس أطراف متعددة لهذا الصراع تتخندق خلف مشاريع سياسية هدامة، ومهددة لمستقبل اليمن ودولته ووحدته الجغرافية، فضلا عن أن هذه اللقاءات تكشف عن طبيعة التحالفات الدولية التي نسجتها أبو ظبي على خلفية تدخلها العسكري في اليمن.
إن ما تقوم به أبو ظبي اليوم ليس اجتهادا إماراتيا موازيا لتكريس انفصال جنوب اليمن عن شماله فحسب، بل أيضا يعكس إصرار رجل أبو ظبي محمد بن زايد على تكريس دور إماراته كقوة إقليمية تتحكم بمآلات الحرب في اليمن ولا يتوقف دورها عند تقديم الإسناد الأخوي المراوغ لمهمة عسكرية قُدّر لها أن تعبّر بشكل واضح عن أولويات سعودية.
وعلى الرغم من أن الرياض وأبو ظبي تتقاسمان عمليا هدف تفكيك الدولة اليمنية وإضعافها، إلا أن ذلك لا يعني أن
الإمارات ملحقة بالدور السعودي بقدر ما هي إرادة منفصلة وتتوخى أهدافا ذات أولوية نسجتها بعناية، وتنصرف نحو تحقيق أولويات خاصة، متوسلة الادعاء بمكافحة الإرهاب المفترض، لتضمن بذلك الانسلاخ عن السعودية في أي وقت مع الإبقاء على وجاهة تدخلها في اليمن بعيدا عن الهيمنة السعودية.
لذا لا يستطيع أي مراقب أن يتجاهل طبيعة الشراكة الثلاثية التي تقيمها أبو ظبي مع كل من باريس وموسكو، والتي تتأسس على رغبة مشتركة في تحييد المشاريع السياسية الوطنية، بذريعة محاربة الإرهاب. والمفارقة أن تلك الشراكة تتكرس بواسطة جهد المرتزقة الروس والفرنسيين الذين يحركهم المال الإماراتي الوفير، حيث أثبت هؤلاء المرتزقة قابليتهم لتنفيذ أكثر العمليات قذارة وانتهاكا لحقوق الإنسان.
لا يمثل اليمن الميدان الوحيد للشراكة الثلاثية التي تدعم طموح الإمارات، بل أيضا هناك بلدان عربية أخرى شهدت ثورات الربيع العربي، مثل ليبيا وتونس وسوريا، وقبلها مصر، حيث تبرز أولوية تكريس أنظمة ديكتاتورية تفرض سلام القوة وسياسة القبضة الأمنية، بديلا عن النظام الديمقراطي الذي جاء به الربيع العربي، وفتح المجال أمام مشاركة مؤثرة للأحزاب ذات الخلفية الإسلامية، والتي أظهرت استعدادا قويا للممارسة السياسية وفقا للقواعد الديمقراطية.
منذ اندلاع الأزمة والحرب في اليمن قبل، ستة أعوام وموقف المجتمع الدولي يبدو منسجما حيال تقدير ما يجري في هذا البلد، حيث بني هذا المجتمع تصورا مفاده أن ما يجري على الساحة اليمنية صراع سياسي تحظى فيه الشرعية بدعم دولي، ويحظى فيه دور جماعة الحوثي الانقلابية بتفهم دولي تبرره الحاجة إلى مواجهة الإرهاب الذي يقف في الصف المقابل من المعركة؛ وعادة ما يتم إلحاقه عمدا بمعسكر الشرعية.
وهذا، بالضرورة إلى جانب الأداء المخيّب للآمال للرئيس هادي، هما اللذان أضعفا السلطة الشرعية إلى حد كبير، ووفرا المبررات لتكريس البعد العبثي في
المعارك متعددة المسارات والمرجعيات والتي تكرس الفوضى والمآسي والكوارث على الساحة اليمنية، وشجعا أبوظبي لتمضي قدما في بناء هياكل سياسية وتشكيلات مسلحة معادية للدولة اليمنية في جهد لم ينفصل عن السعودية كذلك.
وها نحن اليوم نفقد الأمل في إمكانية إنهاء الصراع في اليمن على أساس المرجعيات المتفق عليها، وبدلا من ذلك نجد بلدين مثل
روسيا وفرنسا، يتورطان في دعم مشاريع سياسية تهدد الإجماع الدولي الهش حول اليمن.
بل إن
فرنسا تتورط بشكل مباشر في تسخير منشأة غازية كبيرة هي
منشأة بلحاف لتسييل الغاز الطبيعي المسال، والواقعة في ساحل محافظة شبوة، لخدمة الأجندة العسكرية التخريبية للإمارات، في تواطؤ يسهم في تعزيز موقف الجماعات الإرهابية التي اندمجت في تشكيلات عسكرية جديدة تدعمها أبو ظبي، وفي حرمان الحكومة الشرعية من استثمار مواردها السيادية في التخفيف من معاناة اليمنيين.
إننا أمام مهمة تخادم وارتزاق تستدعيان إرث فرنسا وروسيا الأسودين وتضعه أمام الطموح الكارثي لمحمد بن زايد، بعد أن أظهر هذا الأخير حماسا لإعادة صياغة مستقبل المنطقة، بما يسمح له بممارسة دور موهوم على أنقاض أمة توفرت لها فرصة سانحة لإعادة استنهاض دورها وتأكيد مكانتها في هذا العالم.
twitter.com/yaseentamimi68