تطور لافت في مسارات التسوية وقع الجمعة الماضية بتوقيع
اتفاق أمني وعسكري بين أطراف النزاع الليبي، يضاف إلى اتفاق معايير اختيار المناصب السيادية، وفي ذلك دلالة جلية تعكسها سرعة ويسر التواصل إلى تفاهمات قياسا بجولات التفاوض منذ الانقسام أواخر العام 2014م.
اتفق أعضاء مجموعة 5+5 على إيقاف تام لإطلاق النار ورجوع القوات المرابطة في سرت والجفرة إلى معسكراتها، وإخراج "المرتزقة" من البلاد خلال ثلاثة أشهر، وترتيب وضع الكتائب المسلحة وإعادة دمجها.
التطور اللافت يُفهم من التغير في موقف
حفتر بعد عدوانه على طرابلس ورفضه مساعي وقف الحرب، فقد خذل موسكو في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد اتفاقها مع أنقرة على وقف إطلاق النار، وتحدى المنتظم الدولي المجتمع في برلين وغادر دون التوقيع، وعندما يوقع اليوم على وقف دائم لإطلاق فهذا تبدل كبير ينبغي الوقوف عنده وسنرجع لمناقشته في هذه السانحة.
الجدل الذي دار حول الاتفاق مبعثه تحفظ قطاع ضمن جبهة الوفاق على نقطة المرتزقة، والتي يفسرها طرف حفتر بأنها شاملة للقوات التي وصلت للمناطق الغربية من تركيا بعد توقيع الاتفاق الأمني والعسكري، وعلى نقطة المجموعات المسلحة والتي أيضا يريدون بها كتائب المنطقة الغربية، حيث أنهم جيش لا غبار عليه، والوضع المليشاوي في نظرهم موجود في المنطقة الغربية فقط.
وستبزر
هشاشة الاتفاق في هذين البندين عند التطبيق، والذي لا ضمانات غربية فيه، ويقوم وفق بنود الاتفاق على تفاهمات بين الجانبين الليبيين.
ترك الاتفاق مصير ومستقبل حفتر، النقطة الأهم في الملف العسكري، ويبدو أنه تم ترحيلها إلى الحوار الوطني المزمع عقده في تونس. وأعتقد أن هذه المسألة الجدلية جدا يمكن أن تلقي بظلالها على تنفيذ الاتفاق. وبالرجوع إلى تصريحات الطرف الممثل لحفتر في مجموعة 5+5 يتضح أن حفتر هو كل شيء، وكان الخلاف حول مستقبل حفتر سببا رئيسيا في فشل اللقاءين الأول والثاني بين الطرفين، ونجحت البعثة في تأجيل البث فيها فكان أن وقع الاتفاق.
حفتر بعد عدوانه على طرابلس صار خطا أحمر لا خلاف حوله ضمن جبهة الوفاق، وحتى مع التنازلات التي قدمتها وفود التفاوض من جانب جبهة الوفاق في المسارات القائمة الآن، فإن حضوره كطرف أساسي في أي شكل جديد للمنتظم العسكري والأمني ليس محل نقاش عند أغلب مكونات معسكره، ومن هنا فإن مجاراة جبهة الوفاق في موقفها وإيجاد بديل لحفتر من داخل جبهة الكرامة ربما يكون خيارا مطروحا.
مستقبل حفتر معتمد على توافقات دولية وتفاهمات بين موسكو من جهة وواشنطن والعواصم الأوروبية من جهة أخرى، وهناك احتمالان على أساسهما يتحدد وضعه هما:
1- وقوع تفاهمات تخرج
الفاغنر من
ليبيا وتحقق لموسكو مصالح ومكتسبات داخل ليبيا وخارجها، بموجبها يتم إخراج حفتر من المشهد واستبداله بشخصية مقربة منه، واستخدام ضغوط لدفعه خارج المشهد؛ منها الملاحقة الجنائية بعد الفظائع التي وقعت في الحرب على العاصمة وفي مقدمتها
المقابر الجماعية في ترهونة.
2- تفاهمات ترضي موسكو مع ضمانات لإخراج تركيا من ليبيا وتتيح الفرصة أمام حفتر وحلفائه الإقليميين لمعاودة الكرّة لأجل السيطرة على العاصمة. فالقلق الأمريكي والاهتمام الكبير بالملف الليبي والذي قاد إلى التطورات الأخيرة؛ مرجعه تعزيز روسيا من وجودها في ليبيا، وإذا تحقق هدف خروج الروس من البلاد، فإن واشنطن لن تكون مهتمة كثيرة بما سيجري، وهو سابق عهدها قبل دخول الفاغنر على خط الأزمة الليبية.