وباء
كورونا بسلسلته المعروفة علميا باسم "كوفيد 19" لن ينتهي في الأمد القريب، وهو فيروس يحتاج أن نتعايش معه؛ وسيبقى خطيرا ما دام اللقاح الوقائي غير موجود، فضلا عن الدواء الفعّال للتعافي منه، وبهذا يختلف عن الإنفلونزا المعروفة، حيث لا تستطيع
الوقاية منه بمطعوم، وإنما العناية بإجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي فقط، وإن تمت الإصابة بِه - لا قدّر الله - فقد يفتك بالمصاب (خصوصا ذو المناعة الضعيفة) أو ينهك جسده قبل التعافي منه.
يقول أحد المصابين: كانت تأتيني أيام أظنّ نفسي قد تعافيت تماما، وفِي اليوم التالي تهجم عليّ الأوجاع من كل حدب وصوب بشكل لا يمكن وصفه!
فما بالك بمن لا يلتزم بتعليمات التباعد ولا يُؤْمِن بها، حيث يهجم عليك مصافحا ومعانقا، وإن تمنّعت عنه ذهب غاضبا، ولا تراه يضع الكمامة في الأماكن المزدحمة، وإن وضعها فبشكل خاطئ؛ يغطّي لحيته ويترك فمه وأنفه للتفاهم وحدهما مع الفيروسات! متجاهلا تعامل البشرية مع وباء أصاب أكثر من خمسة وأربعين مليون إنسان حول العالم، وقتل أكثر من مليون منهم، وأضر كثيرا بالاقتصاد العالمي، خصوصا في دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ومع ذلك يصرّ البعض على اعتباره مؤامرة!
يقولون إذا كان جثمان المصاب بالفيروس يتحلل وينقل الوباء فماذا ستصنع كمامة قماش لمنعه؟ مع إغفال تام منهم للإرشادات الطبية التي تقول إن الكمامة لا تقي بنسبة مئة في المئة، ولكن تساعد في الوقاية إذا تمت مراعاة تعليمات التباعد الاجتماعي وعدم المصافحة والعناية بغسل اليدين بالصابون والتعقيم.
ثم تجد نفسك أمام مناكف آخر يتذرع بالحرب على الدين في إغلاق المساجد مستشهدا بإجراءات بلد أو بلدين في ذلك! وهذا قياس لا يصح، حيث الخطأ وارد في تعليمات أو قرارات بعض الحكومات، ولكن من غير المنطقي اعتبار ذلك حربا على الدين، حيث أن بعض تلك الدول عادت وسمحت بأداء صلاة الجمعة فهل خرجت من تلك التهمة؟ وهناك دول غربية غير مسلمة تسمح بالصلاة في كل الأوقات رغم قيود كورونا، فهل أصبحت مناصرة للدين؟!
حجة أخرى يتذرع بها البعض بالمؤامرة على الاقتصاد حتى تلجأ الدول للاقتراض من البنوك الصهيونية العالمية! ولا أدري كيف تفتق الإبداع بمثل هذه الفكرة ودولة الاحتلال نفسها متضررة اقتصاديا من الوباء فضلا عن الاقتصاد العالمي!
وعلى المستوى المحلي في الأردن كتبت محذرا من انهيار القطاع الصحي إذا بقيت الأمور على حالها، وعندي لوم كبير في ذلك على الحكومة السابقة التي تعاملت مع بداية الوباء بإجراءات مشددة جدا؛ ولكن لم ترافقها خطوات عملية لتجهيز مستشفيات ميدانية للطوارئ ولا
إجراءات حقيقية لتوفير الحماية والوقاية الفاعلة للكوادر الطبية.. المهم أن البعض رد عليّ معللا ما يجري من تدهور في القطاع الصحي بوجود مؤامرة لخصخصة القطاع الصحي العام؟! مع إغفال مسألة أن استمرار تفشي الوباء وارتفاع معدل الإصابات بهذه الطريقة - الأردن الثاني عالميا نسبة لعدد السكان - لن يبقي لا قطاعا خاصا ولا عاما.
وعودة لما ذكرته في بداية المقال عن كورونا وربط الحديث عنه بسلسلته المعروفة علميا بكوفيد 19؛ لأن البعض يتناقل قصصا وحالات لإصابات كورونا قبل سنوات كثيرة، وهذا صحيح، ولكن الجديد في العالم منذ نهايات شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019 هو انتشار الوباء بسلسلته الجديدة (كوفيد 19) التي أعجزت العلماء وأرهقت الأطباء وأزهقت الأرواح.
ولكن في البشرية عموما - ولا أخص بلدا بعينه - باتت فئة لا يستهان بها تعشق نظرية المؤامرة وترى كل شيء من خلالها، وهذا لا ينحصر بدولنا العربية بل هُو أشد في دول أخرى. فالمظاهرات الرافضة لقيود كورونا لا زالت أسبوعية في بريطانيا، ورافقتها أعمال عنف في إسبانيا وإيطاليا ودول أخرى، وتخلط فئات كثيرة من الناس بسذاجة للأسف بين استفادة بعض الدول من الكوارث وبين المسؤولية عنها، فإن استفاد اقتصاد بلد ما من تصنيع ملابس الوقاية الطبية والكمامات فليس بالضرورة أن يكون مسؤولا عن نشر الوباء، لأنّ الأوبئة لا يستهان بها وتَصنع مثل كرة الثلج التي تتدحرج وتكبر بشكل لا يستطيع أحد التنبؤ به.
نعم هناك سباق عالمي لتصنيع لقاح وقائي ومن ينجح فيه يستفيد اقتصاديا، ولكن القصة ليست سهلة وتحتاج وقتا من الدراسات والاختبارات والاطمئنان لعدم وجود آثار جانبية أو مضاعفات، وهذه التجارب حتى الآن لم تنجح بل وأزهقت أرواح عدد من المتطوعين في هذه التجارب.
في النهاية، اعتقادك عن الوباء وطريقة نشوئه وتوظيف الدول لقضايا التعامل معه لن يغير شيئا في حقيقة الخطر الذي يمكن أن تتعرّض له لو أُصبت به أو أصيب أحد من أحبابك، وعليه فالتزامك بإجراءات الوقاية وتعليمات التباعد أجدى وأسلم، والحافظ هُو الله الذي أمرنا بالأخذ بالأسباب بين يدي التوكل عليه جل في علاه.