أجمع برلمانيون أوروبيون ودبلوماسيون ونشطاء سياسيون في القارة الأوروبية، على أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين دول عربية وإسرائيل لا علاقة لها بحل القضية
الفلسطينية ولا بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وطالبوا الاتحاد الأوروبي بدعم وتطبيق القانون الدولي فيما يتعلق بفلسطين، وباستخدام الآليات المتاحة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.
جاء ذلك خلال
ندوة نظمها منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني (يوروبال فورم) بمشاركة عدد من المتحدثين من الدبلوماسيين وصانعي السياسات من عديد من الدول الأوروبية والعربية، والعشرات من النشطاء السياسيين من القارة الأوروبية.
وشددت البروفيسورة إيفانا باشيك عضو مجلس الشيوخ الإيرلندي ورئيسة كتلة حزب العمال في المجلس، على أن الغياب المُطلق لفلسطين من "عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية"، يجعل من الصعب النظر إلى اتفاقات التطبيع بعيدا عن خطة ترامب وحملته لإعادة انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة لدورة ثانية.
وأكدت باشيك أن الاتفاقات تعمل على تأجيل الضم فقط بدلاً من إزالته من الأجندة السياسية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن وجود وتوسيع المستوطنات يشكل في حد ذاته، ضمًا فعليًا للأراضي الفلسطينية.
ودعت باشيك الدول الأوروبية للدفاع بقوة عن الحقوق الفلسطينية. وقالت إن الاتحاد الأوروبي في جوهره هو مشروع سلام ولكن يجب عليه إثبات هذا الالتزام بالسلام في الشرق الأوسط.
وقالت: "مطلوب من أوروبا القيام بخطوات عملية أهمها دعم وتطبيق القانون الدولي فيما يتعلق بفلسطين، واستخدام الآليات المتاحة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، والتواصل مع المجتمع المدني الفلسطيني".
ووصفت مارجريت أوكين السياسية الدنماركية وعضو البرلمان الأوروبي، ونائبة رئيس لجنة العلاقات الأوروبية مع فلسطين هذه الاتفاقيات بالسلبية.
وأوضحت أوكين أن على الاتحاد الأوروبي أن يلعب دورًا أكثر نشاطًا مما كان عليه الحال في السابق، ويجب أن ينتقل من سياسة الإدانة إلى الفعل.
وقالت: إن الانتهاك الإسرائيلي لحقوق الإنسان في فلسطين يستوجب رداً من قبل الاتحاد الأوروبي وداخل الدول الأعضاء ويتطلب مساءلة حقيقية عن انتهاكات القانون الدولي.
وطالبت بأن يقترن ذلك بمضاعفة المواقف الأوروبية الحالية بشأن التفرقة بين إسرائيل ومستوطناتها. وهذه الإجراءات لو تم اتخاذها بشكل مناسب فإنها ستحدث تأثيرًا ملموسًا يلحق تكلفة بإجراءات إسرائيل وستؤدي إلى تغيير الوضع الراهن، وفقًا لأوكين.
من جهته، أكد النائب الدكتور هيلموت براندستاتير عضو المجلس الوطني النمساوي والمتحدث باسم الحزب الليبرالي النمساوي للسياسة الخارجية وشؤون البحث، أن أوروبا بحاجة إلى سياسة خارجية أقوى تكون فيها موحدة بشأن سياستها تجاه الشرق الأوسط.
وقال براندستاتير: "يجب أن ينعكس هذا التطلع نحو الوحدة في موقف أوروبي مشترك ليس فقط في سياق الشرق الأوسط ولكن تجاه روسيا والصين والولايات المتحدة أيضا".
وانتقد براندستاتير موقف بلاده (النمسا) من الضم والتطبيع، وقال إن النمسا يجب أن تتحد تحت مظلة واحدة وتتجنب التناقضات الداخلية مثل دعم خطة الولايات المتحدة وفي ذات الوقت تشترك في الهيئات الدولية التي ترفض هذه الخطة.
من جانبه، قال العضو السابق في مجلس الأمة الكويتي الدكتور ناصر الصانع: "الاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية ذات طبيعة من أعلى إلى أسفل، أي أنها لا تمثل شعوب الدول العربية، ولا حتى شعوب تلك الدول التي تُطبع العلاقات مع إسرائيل حتى الآن".
وأكد الصانع أن تلك الاتفاقيات لا تحظى بأي احترام في الأوساط الشعبية، وأن تلك الدول التي أعلنت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل تعرضت لضغوط خارجية لتوقيع تلك الاتفاقيات، وتعرضت لانتقادات شعبية شديدة.
وكشف الصانع أن دولة الكويت تعرضت للكثير من الضغوط للانضمام لركب التطبيع، ولكنها بسبب المعارضة الداخلية وبسبب نظامها البرلماني الأفقي وما تتمتع به من ديمقراطية استطاعت أن تصمد في وجه تلك الضغوط والاستمرار في معارضة التطبيع.
وأكد الدبلوماسي الفلسطيني السابق عفيف صافية سفير فلسطين سابقاً لدى أكثر من عاصمة عالمية ومنها لندن، أن جميع الفلسطينيين بما في ذلك الفصائل السياسية، والمجتمع الأكاديمي، والمثقفين وكل مكونات المجتمع الفلسطيني متحدون على فكرة أن التطبيع العربي كان سياسة غير حكيمة، وأنها قوضت النهج العربي لصنع السلام في المنطقة.
وانتقد صافية سطحية أولئك الذين ادّعوا أن التطبيع سيفضي بالفعل إلى التطلعات الوطنية للفلسطينيين، ووصف الذين يكررون الخطاب الذي يدعي أن الاتفاقات مع إسرائيل ستجمد عملية ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنهم ساذجون.
وفيما يتعلق بتأثير الانتخابات الأمريكية على القضية الفلسطينية أبدى صافية تفاؤله بفوز بايدن وأكد أن سيناريو خسارة ترامب في الانتخابات الأمريكية هو أكثر إيجابية للفلسطينيين على الرغم من التحفظات بشأن سياسات بايدن فيما لو تمكن من الوصول للبيت الأبيض.
وقال إنه في حالة فوز بايدن، فمن المحتمل أن نشهد إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس. وأنه من المرجح أن تساعد مثل هذه التطورات، في استئناف عملية سلام تكون أكثر شمولاً لجميع الأطراف.
وشدد زاهر بيراوي رئيس منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني "يوروبال فورم" على أن اتفاقيات التطبيع العربية الأخيرة لن تجلب السلام لدولة
الاحتلال الإسرائيلي، وأن السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة يكون فقط بإنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حق تقرير المصير وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني.
من جهته، أكد روبرت أندروز مسؤول العلاقات العامة في منتدى يوروبال فورم، أن أحد دوافع عقد هذه الندوة السياسية بمشاركة البرلمانين الأوروبيين هو المساهمة في تصحيح الخطاب الأوروبي الرسمي المتكرر والذي يشيد باتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، الأمر الذي لا يعبر عن حقيقة كون هذه الاتفاقيات لا علاقة لها بحل القضية، وأن الكثيرين لا يرون فيها دعما حقيقيا للسلام في الشرق الأوسط لأنها لا تسعى بأي شكل من الأشكال لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل يعيد للفلسطينيين حقوقهم.
وتأتي هذه الندوة في سياق نشاطات متواصلة للمنتدى في أوساط البرلمانيين والنشطاء السياسيين في القارة الأوروبية وضمن سلسلة من الندوات البرلمانية لتطوير العلاقات مع السياسيين والبرلمانيين وقادة الرأي في أوروبا ومع جميع القوى الشعبية ومنظمات التضامن في أوروبا لتعزيز الرواية الصحيحة للصراع مع الاحتلال ولبناء علاقات أكثر توازنا في المستويين الشعبي والرسمي بما يحقق فهما صحيحا ودعما سياسيا للحقوق الوطنية الفلسطينية.