فريق من المُنتمين يحبون أن يُذكّروا كل ناصح أو ناقد لمسار جماعة
الإخوان بأن أتباعها إما معتقلون أو شهداء أو مصابون أو مطاردون؛ ولا يضيف هؤلاء: أو متفرقون؛ فضلا عن أن يعوا ويتفهموا أولا أن الأصل هو ألّا يستسلم إخوان
مصر لحالة الإفناء المُتعمد التي يُعملها النظام لمخلصيهم الذين وقعوا تحت يديه.
كما أن الإخوان ليسوا سواء داخل مصر أو خارجها؛ فمن الفريقين مَنْ استجاب لمتطلبات البقاء على قيد الحياة، ومن الأخيرينَ مَنْ يُجبرون المغلوبين على أمرهم على الاستمرار في الأزمة مهما ازدادتْ مرارتها. والفريقان عموما لم يعد من تأثير لهم على مجريات الحياة في مصر، سواء في الداخل أو من الخارج، ولكي يخرجوا أنفسهم من هذة الأزمة على قيادتهم التغلب على نزعات النفس وتغليب مصلحة الصف والوطن معا.
وإن قال "قائل الإخوان" وردد بأنهم يرحبون بكل رأي حر لإنهاء الأزمة المُتردية الحالية، أفاد الواقع العملي بالنقيض تماما؛ فالرأي غير المُتوافق مع رأي واتجاه قيادات الجماعة الحالية بتجميد الأزمة في مصر وإبقائها كما هي عليه إلى ما لا نهاية لا يتم الالتفات إليه، وإن جاء من داخل الجماعة نفسها؛ بل يُعاقبُ صاحبه بالاتهامات و"الشَّيطنة" والدفع به إلى الابتعاد؛ إن لم يأته قرار بوجوب الاعتزال، وهي حرب عموما تستخدم الجماعة فيها مختلف الأسلحة المعروفة وغيرها.
وعلى فرض أن الجماعة تتغير وأن الداعين منها لتقديم حل عملي لأزمة إخوان مصر؛ بعضهم - على أحسن الفروض - ليس مشاركا في تأزيم الموقف شهرا بعد شهر وسنة بعد أخرى، وبعيدا عن الإخوان في الوطن العربي وآخرين يعلنون عدم صلتهم بإخوان مصر (وهي الجماعة الأصل أو الأم)؛ لمشاهدتهم لجماعة مصر وهي تسير من سيئ إلى أسوأ أيضا، بعيدا حتى عن اللجان التي عُقِدتْ وتُعقد لحل الأزمة من داخل الجماعة وخارجها وفشلت وتفشل، مع أن إحداها وافقتْ الذكرى الخامسة للثورة وأُعلنت نتائجها في 26 من كانون الثاني/ يناير 2016م (ضمّت كبار رجال الأمة المُناصرين للإصلاح، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي؛ ولعله من أقدم وأبرز أهل الأرض عضوية في الجماعة، كما ضمّت اللجنة المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور محمد مختار الشنقيطي، والقيادي بحركة حماس خالد مشعل، والأكاديمي رئيس هيئة علماء المسلمين الآن الدكتور أحمد الريسوني)، أيضا بقطع الطرْف عن أن أعضاء اللجنة اجتمعوا بقسميّ الإخوان من القيادات المقيمة خارج مصر، وأصدروا قرارهم بعد تشاور بينهم بوجوب تنحي قيادات الإخوان من الطرفين؛ فوافق الطرف الأحدث وأبى ورفض الطرف الأقدم، مما أدى إلى بقاء قيادات الطرفين، وتجميد الوضع على ما هو عليه.
يجب أن نبتعد في سياق افتراض رغبة الجماعة في
الإصلاح عن أن الأمر وقتها أثمر قدحا وذما خفيا ومعلنا في أبرز أفراد اللجنة المنتمين للجماعة، من جانب رافضي القرار، من القول بأنه على العين والرأس، لكنه ليس تنظيميا بل مفصولا من الجماعة منذ عشرات السنوات!
والخلاصة (من كل ما سبق) أنه على فرض صحة الرأي القائل بأن الجماعة تتغير، وهو ما يتمناه كل شريف غير راضٍ عن الأوضاع في مصر، إذ إنها كتلة إذا اجتمعت لا يستهان بها في حلحلة الأزمة المصرية الحالية ومحاولة حلها وإن طال الوقت، فإن أقل شعاع ضوء في نهاية النفق أفضل من حالك الظلمة. ولن يجيء حل للأزمة الإخوانية الحالية إلا من داخل الصف نفسه، وهو حل سهل يسير لو صلحت النوايا وحسنتْ، ثم تمَّ تطهير الصف (ولو بصورة مبدئية) من أولئك الأدعياء والمدسوسين حتى أعلى مستوى، ولعل ذلك جهد يكافئ ويساوي جهد الإصلاح ومحاولته سواء بسواء.
أما الخطوة التالية، والأهم من وجهة نظر كاتب الكلمات، طالما وجدت رغبة في الإصلاح، فجمع صف الجماعة كله من أطرافه؛ إذ لا معنى لدعوة الإخوان للاصطفاف مع المخالفين لهم، حتى من أنصار 30/6 أو مؤيدي السيسي الذين رأوا أنهم صاروا في طريق خاطئ، بينما الإخوان (أنفسهم) يُعادون بعضهم بعضا.
وبعد جمع الصف وتصفية مَنْ به والتأكد من نقائه، تُعقد ورش عمل متلاحقة مُنظمة بخاصة في الخارج، وما أمكن بالداخل، لا المحاضرات المعتادة التي يفرض فيها المُتحدث باسم الدين رأيه على الجميع (مع حجر ومنع للمعارضين له من إكمال كلماتهم ثم الاستهزاء بآرائهم)، ومع جمع آراء الصامتين والمغلوبين على أمرهم بعد أن دفعوا ضريبة غالية من فقدان أعزاء، وربما فصل من عمل ومطاردة أو إصابة. وعقب تبويب الآراء، ووضعها في إطار بنود وحلول كبرى تعبر عن واقع الصف الحقيقي، يتم الاستفتاء داخل الصف الأقرب للنقي كله حول الحل الأمثل للأزمة الحالية.
وأدبيات جلسات الحوار والاستفتاء يسبقها تأمين للصف في الداخل والخارج؛ في الداخل إن أمكن دون مخاطر أمنية، وفي الخارج بإعلان أن أي رأي لن يؤثر على تعامل الصف كله مع قائله؛ إذ ليس من المنطقي أن تنقلب الجماعة على مجرد مخالف لها في الرأي، وتأنس لآخر قد لا يكون موثوقا فيه أو في رأيه لمجرد قدرته على موافقة الجماعة، والتحدث إليها بما يوافق ويمدح ويبالغ في استحسانه لرأيها.
ومن أهم آليات ذلك التحول للأخذ برأي المجموع من الإخوان؛ اقتناع المتجاوزين للستين عاما والسبعين (على أفضل الافتراضات)، ممن يُعدون بوجه عام على أصابع اليد الواحدة أو اليدين على الأكثر.. بوجوب رفع وصايتهم على الجماعة، وإن المصائب التي آلت إليها جاءت من وصاية أمثالهم بالإضافة إليهم، وفي سبيل هذا تسحب الجماعة سابق أدبياتها الطويلة المدى بـ"شرعنة" استئثارها بالرأي عبر لي عنق النصوص الحكيمة.
بهذه الطريقة يعود للجماعة بريقها وألقها وتجمع أفرادها حولها لمّا يستشعرون أخذها بوجهة نظرهم واحترامها لها؛ ومن ثم تعود ثقة الشباب في الجماعة وكبرائها في مصر، والأهم تصل الجماعة إلى بر الأمان، وتستطيع موافقة نفسها أولا والتصرف مع الظرف الحاد المُميت الحالي بالتعقل والتروي والجدية، بما يفرز تغيرا في الموقف العام يناسب الضياع الشامل الذي يلف الجماعة وأفرادها حاليا؛ وعلى أقل الفروض يُعيدُ للجماعة وحدتها، حتى إن وافق صفُّها (وهو أمر مُستبعد) على موقفها الحالي.
فإن قال قائل في النهاية بأن الجماعة لن تتغير فتأخذ برأي أحد؛ ولن تغير من أفعالها وقرارتها الحالية قيد أنملة، فلماذا الكتابة إليها؟ كان الرد واضحا، وإن اعترفنا بالفارق؛ ففي "القرآن الكريم": "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْما ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابا شَدِيدا ۖ قَالُوا مَعْذِرَة إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"،(سورة الأعراف: 164).