اجتمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية في بيروت في 3 أيلول 2020، وصدر البيان الختامي في 4 أيلول 2020. وفي حينه كان رأيي أن البيان كان مجرد موضوع إنشاء لا يحتوي على دسم سياسي يؤذن بتغيير الأوضاع في الساحة الفلسطينية. لكن من الضروري الانتظار لنرى كيف ستتم ترجمة البيان ميدانيا، راجيا أن تكون الأمور قد اختلفت هذه المرة عن مرات سابقة.
اعتاد الشعب الفلسطيني عبر سنوات أن يسمع من الفصائل بيانات الاتفاق والمصالحة والوحدة الوطنية، لكنه لم يكن يرى تغييرا ملموسا على الأرض يحقق ما ورد في البيانات. ولهذا فقد الشعب الفلسطيني الثقة ببيانات الفصائل، وبعباراتها الرنانة التي تطرب لها الأذن الفلسطينية إن ألقت لها سمعا.
ولم يكن من الغريب أن نرى استهتارا في الشارع الفلسطيني باجتماع الفصائل في بيروت بخاصة أنه كان برئاسة عباس المقيم في رام الله. لم يكن لدى الشعب قناعة بأن تغييرا إيجابيا سيحصل، ولن يكون الاجتماع إلا نسخة شبيهة بالاجتماعات السابقة التي أغرقت بياناتها بالتمني والخالية من إرادة سياسية حقيقية.
اعتاد الشعب الفلسطيني عبر سنوات أن يسمع من الفصائل بيانات الاتفاق والمصالحة والوحدة الوطنية، لكنه لم يكن يرى تغييرا ملموسا على الأرض يحقق ما ورد في البيانات. ولهذا فقد الشعب الفلسطيني الثقة ببيانات الفصائل، وبعبارتها الرنانة التي تطرب لها الأذن الفلسطينية إن ألقت لها سمعا.
تحدث البيان عن المصالحة وعن الوحدة الوطنية، وأكد الجميع أن قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وحدته، وإذا توحد فإنه لن يُغلب. وحدد البيان أن لجنة سيتم تشكيلها من أجل البحث في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك سيكون خلال خمسة أسابيع كحد أقصى. وقرر البيان تأييد المقاومة الشعبية وضرورة إقامة قيادة لهذه المقاومة، لكن دون أن يعرّف هذه المقاومة أو يذكر ملامحها الأساسية.
مرت الأسابيع الخمسة ولم تر اللجنة النور حتى الآن. أما بالنسبة للمقاومة فقد تم تعيين قيادة، وهذه المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل قيادة مقاومة بقرارات سياسية غير ميدانية. نعرف تاريخيا أن قيادة المقاومة بغض النظر عن نوعها تنبثق انبثاقا من الميدان، ولا تنتظر قرارات سياسية من أناس لا يتقنون سوى عنجهية اللغة. ومنذ ذلك الحين لم نقرأ تعريفا لهذه المقاومة ولا برنامجا يحدد عملها ولا المهمات التي ستقوم بها، ولا النشاطات اليومية المطلوبة من الشعب، الخ. وكان من المفروض أن تكون قيادة المقاومة سرية لا أن تكون أمام نظر وسمع العدو الذي لن يجد صعوبة في القضاء عليها إن هي ضايقت ممارساته العدوانية. وعلى أية حال، فإن تشكيلها لم يكن بعيدا عن تقليد في كشف أسرار المقاومين أمام العدو.
أمام هذا الفشل الذي يلف اجتماعات الفصائل، لا يوجد أمام الشعب الفلسطيني خيار جدي ميداني إلا دعم المقاومة الفلسطينية في غزة. أثبتت هذه المقاومة قدرتها وإرادتها القتالية الصلبة، وصدت الجيش الصهيوني مرارا في ميدان الوغى ومنعته من التغلغل لمائة متر في قطاع غزة.
استمعت لتعليقات بعض قادة الفصائل حول هذا البيان. استمعت لقادة حماس والجهاد والقيادة العامة والجبهة الشعبية. وقد أشبعوا البيان تمجيدا وغزلا، ومنّوا الشعب الفلسطيني بأن ثوريا جديدا سيكون على قدر التحدي المطلوب في مواجهة الاعتداءات الصهيونية. كان من المفروض ألا يتعجلوا في الكلام، ويوظفوا وقتهم للعمل لكي تسبق الصدقة عمليا أقوالهم. لكنهم فضلوا الإكثار من الكلام لحساب همم القاعدين المتخلفين.
وننظر الآن إلى الساحة الفلسطينية سواء داخل فلسطين أو خارجها فلا نرى سياسات ومقاربات جديدة، ولا نرى أثرا لبيان الفصائل على الرغم من أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل التأجيل والتأخير والمماطلة. استشرس العدو الصهيوني ومعه الأمريكي في الانقضاض على آخر ما تبقى للشعب الفلسطيني من أرض، وفرض أمرا واقعا لا يترك للشعب الفلسطيني خيارات سياسية مستندة إلى قوانين أو شرعية.
نقلت أمريكا سفارتها إلى القدس، وشرعنت الاستيطان، واعترفت بضم الجولان للكيان الصهيوني، ووافقت على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية قانونيا للكيان، وفي كل مرة تنفجر الحناجر الفصائلية بالتهديد والوعيد والزمجرات الفارغة ولا يتحقق شيء مما يرغب الشعب الفلسطيني في رؤيته متبلورا على الأرض.
أمام هذا الفشل الذي يلف اجتماعات الفصائل، لا يوجد أمام الشعب الفلسطيني خيار جدي ميداني إلا دعم المقاومة الفلسطينية في غزة. أثبتت هذه المقاومة قدرتها وإرادتها القتالية الصلبة، وصدت الجيش الصهيوني مرارا في ميدان الوغى ومنعته من التغلغل لمائة متر في قطاع غزة. وإذا كان للشعب من رجاء وأمل في تغيير الأوضاع فإن ذلك لا يتأتى إلا بمقاومة غزة التي بقيت صامدة قوية قادرة على التحدي ورد العدوان. وإذا كان للشعب أن يحقق وحدة، فهذه الوحدة يجب أن تتراص خلف المقاومة في قطاع غزة.
الهجمة على الإخوان والمسجد الأقصى.. التزامن والتلازم
الإمارات والاحتلال.. ما هو الأخطر من التطبيع؟