إلى وقت قريب كان حزب العدالة والتنمية في المغرب يرفض أي تطبيع للعلاقات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ففي الثالث والعشرين من شهر آب (أغسطس) الماضي صرح رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني رفضه لأي تطبيع مع إسرائيل.
وقال العثماني حينذاك أمام اجتماع لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي ينتمي إليه إن المغرب يرفض أي تطبيع مع "الكيان الصهيوني" لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
لكن بعد الإعلان عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل الخميس الماضي، كان موقف الحزب متوافقا مع الموقف الرسمي، إذ تحاشى في بيان نشره ذكر التطبيع، وهو ما اعتبر على نطاق واسع متماهيا مع الموقف الرسمي، ومروجا للتطبيع بشكل أو بآخر، ولم يعبر عن موقفه السابق في رفض التطبيع بإدانة أي خطوة في ذلك الاتجاه.
ووفقا لمراقبين فإن موقف الحزب من تطبيع العلاقات مع إسرائيل كشف عن أزمة حقيقية يعيشها الحزب تتمثل في قدرته على التوفيق بين مبادئه ومرجعيته الإسلامية وبين إكراهات السياسية ومواقفها المصلحية المربكة.
وفي هذا الإطار رأى الكاتب والباحث السياسي المغربي، الدكتور عبد الرحمن الشعيري منظور أن "التطبيع العلني للنظام المغربي مع الكيان الإسرائيلي المحتل عمّق من الأزمة البنيوية للحزب في خيار مشاركته الانتخابية، وقيادته للحكومة في ظل هامشية دور المؤسسات المنتخبة في الحقل السياسي المغربي".
وأضاف: "كان متوقعا أن يقع الحزب في هذا الحرج الكبير نظرا لعقيدته السياسية المبنية على المحافظة السياسية، والتماهي المطلق مع السلطة الملكية وهو ما تجلى سابقا في موقفه الرسمي المعارض لحركة 20 فبراير، وما يبرز حاليا من موقف الحزب المتفهم لما اعتبره ضرورة انفتاح الدولة المغربية على (إسرائيل) من أجل ضمان الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على منطقته الصحرواية".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "أما بالنسبة لمرجعية الحزب الإسلامية فقادة الحزب يعبرون بأنهم كانوا إسلاميين، والآن هم حزب سياسي عادي، يفهمون الإسلام بقراءة جد متناغمة مع (الإسلام الرسمي) للدولة".
وعن تقييمه لموقف الحزب لفت الكاتب والباحث السياسي المغربي، الانتباه إلى أن "حزب العدالة والتنمية يؤدي ضريبة المشاركة في حكومة أشبه ما تكون بحكومة تصريف الأعمال، لها مهام تقنية وإدارية بحسب الدستور المغربي".
وأردف: "وكان من النتائج المتوقعة لهذه المشاركة تذمر الكثير من رموزه وقواعده من مجاملته وتبريره لخطوة الدولة في التطبيع مع إسرائيل، وقبلها في تبرير قمع حراك الريف".
وتابع: "إسلامية الحزب لم تعد حاضرة إلا في انحدار مؤسسيه من حركة التوحيد والإصلاح، أما في المواقف السياسية التي يمكن أن تسبب له مشاكل مع الحكم فإنه يجنح إلى صف السلطة سواء في التدخل الفرنسي في مالي، أو في المشاركة السابقة للمغرب في حرب اليمن أو في قضية مدونة الأسرة".
وشدد منظور على أن الحزب "يتبنى منهجا براغماتيا في التعامل مع المرجعية الإسلامية وفق معيار تجنب الاحتكاك مع السلطة الحاكمة، وهذا ما جعله يتبنى (مراجعات) تحت الضغط أكثر منها اجتراحات مستقلة في الفكر والسياسة" على حد قوله.
من جهته قال رئيس رابطة علماء المغرب العربي، حسن الكتاني "ما يظهر لي أن حزب العدالة والتنمية منذ تولى رئاسة الحكومة قدم تنازلات كثيرة، والسبب في ذلك فيما أراه أن الحزب يتبنى منظومة فكرية مستمدة مما يسميه بـ (النظرة المقاصدية للشريعة)".
وأضاف لـ"عربي21": "وهو في منظومته تلك يتشابه إلى حد كبير مع ما يطرحه ويقرره راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، وحاصل الأمر أن الحزب على استعداد للتأقلم مع أي وضع جديد، مع تصويره له وكأنه أمر طبيعي، حتى يسّوغ لنفسه البقاء في الحكومة والسلطة، وأنه لا يتعارض مع مبادئه ومرجعيته الإسلامية".
وأشار إلى أن "الحزب قد تنازل عن أمور خطيرة جدا، تُعد من الخطوط الحمراء، مثل موقفه من اللغة العربية في التعليم، وكان موقفه متخاذلا وأرجعنا إلى نقطة الصفر بعد كل الجهود المبذولة لرفض قرار اعتماد الفرنسية في التعليم".
أما بخصوص ما تبقى من إسلامية الحزب أو ما تبقى من مرجعيته الإسلامية فعلق الكتاني بأن "الحزب لم يقدم نفسه ابتداء على أنه حزب إسلامي، بل كان يقول أنه حزب سياسي مرجعيته إسلامية، وهذا ما يقوله تماما حزب الاستقلال، فمرجعيته الإسلامية تعود إلى قيادات وطنية كبيرة من علماء المغرب كعلال الفاسي، والمختار السوسي وغيرهم".
ووصف الكتاني "تراجعات حزب العدالة والتنمية عن المرجعية الإسلامية، إضافة لتصرفات بعض قياداته وكوادره بأنه نوع من ابتلاع السياسة للدين، وهذه انتكاسة كبيرة، وتراجع عن المبادئ والأصول والمرجعيات".
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عياد أن موقف حزب العدالة والتنمية في المغرب من التطبيع أظهر حجم تفاقم أزمة الهوية والبرامج داخل الحزب، إذ أن ما يجري هو امتداد لتحولات الحزب بعيدا عن هوية الحزب وبرامجه، خاصة بعد أن تم تنحية عبد الإله بنكيران الذي كان يجتهد في المحافظة على هوية الحزب الإسلامية والإبقاء عليها إلى حد كبير".
وأردف: "من الواضح أن الحزب في موقفه من التطبيع كان متماهيا تماما مع موقف الدولة الرسمي، في حين أن حركة التوحيد والإصلاح أعلنت رفضها لذلك وأدانت الإعلان عن التطبيع، وكانت أكثر وضوحا من الحزب في موقفها، وكذلك موقف شبية الحزب الذي أعلن عن رفضه لإعلان التطبيع".
وعن الرواية التي تتشبث بها بعض قيادات الحزب في تبريرها ودفاعها عن موقفها أوضح عياد لـ"عربي21" أن "بعض قيادات الحزب تتمسك برواية أن ما حدث ليس تطبيعا بشكل كامل، وإنما السماح لليهود بزيارة المغرب" مبديا توقعه بأن هذا التبرير لن يصمد طويلا حينما يقوم نتنياهو بزيارة رسمية للمغرب، وهو ما سيضع قيادات الحزب في حرج شديد حيال تلك الزيارات".
ولفت إلى أن الحزب يجد نفسه أمام خيارات صعبة، فهل سيستمر في نهج التماهي مع السياسة الرسمية إلى نهاية مساراته، وهو ما عبرت عنه قيادات الحزب لحد الآن، إذ لم تعلن أي شخصية قيادية رفضها للتطبيع وبالتالي الاستقالة من الحكومة، أم أن بعض قيادات الحزب ستعلن عن رفضها وانسحابها من الحكومة احتجاجا على إعلان التطبيع"؟.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن "الحزب خسر كثيرا من رصيده الشعبي بعد موقفه من التطبيع مع إسرائيل، وقد خسر من قبل كثيرا من رصيده الشعبي على خلفية الإخفاقات الاقتصادية المتتابعة، وهو ما يضع الحزب على مفترق طرق، وسيفسح بالتالي لظهور أحزاب وقوى سياسية أخرى لتعود وتنشط من جديد كالعدل والإحسان مثلا"، وفق تعبيره.
المغرب.. هل تعيش "العدل والإحسان" مأزقا في مشروعها؟(1من2)
هل تفتقر حركات "الإسلام السياسي" إلى الحنكة السياسية؟
تجربة إسلاميي الأردن في التداول على المواقع القيادية (2من2)