عام كامل مر منذ الإعلان عن الإصابة الأولى بجائحة كورونا في الصين، كان ذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2019 وهو ما منح الفيروس اسمه COVID19 أو فيروس كورونا المستجد.
أما عن "المستجد" فمما لا يعرفه الكثيرون أن فيروس كورونا معروف منذ عشرينيات القرن الماضي وأعطي هذا الاسم (كورونا) من قبل عالمة فيروسات إسكتلندية اسمها "جون الميدا" في مستشفى سان توماس بلندن في العام 1967.
رغم إصرار البعض من معارضي وجود الفيروس أصلاً من أن الفيروس ـ أي فيروس ـ يحتاج 800 عام ليتحور ويتغير إلا أن فيروس كورونا هو نفسه شاهد على خطأ هذا الادعاء بتحوره وتسببه بوبائين وجائحة في أقل من 20 عام.
فيروس كورونا له 7 أنواع 4 منها تسبب الانفلونزا الموسمية و3 هي وباء سارس SARS-CoVعام 2003 ووباء ميرس MERS عام 2013 ثم أخيراً كوفيد 19 عام 2019 أو SARS-CoV-2.
حاول البعض الآخر نشر مقاطع من أفلام تتحدث عن تفشي فيروس كورونا ـ نعم هكذا بالاسم ـ وإحداثه وباء أو جائحة وذلك سنوات قبل ظهوره الفعلي، واعتبروا ذلك دليلاً إضافياً أن هناك مؤامرة يعلمها مخرجو هوليوود، لكن الحقيقة أن كاتبي القصص والمخرجين ينتجون أفلام عن خيال مستقبلي من وقائع علمية محددة منها وبائي سارس وميرس والبناء عليها في تصور وباء مستقبلي.
وأيضاً مما لا يعرفه كثيرون أن تحليل عينات دم قديمة ومحتفظ بها اشارت لوجود الفيروس وانتشاره في إيطاليا في سبتمبر 2019 أي قبل الإعلان الرسمي عن وجوده من قبل الصين في كانون الأول (ديسمبر) 2019.
لم يحظ موضوع بهذا الكم من الجدل واللغط والمغالطات كما حدث مع جائحة كورونا، وكلما سقطت نظرية مؤامرة ظهرت أخرى، الفيروس مصنع، هناك براءة اختراع للفيروس مسجلة في أمريكا، أبراج الاتصالات جي 5 هي السبب، الشركات الكبرى وراء الموضوع، الكمامات هي لقتل الناس، لا يوجد فيروس من الأصل، أعراضه تشبه الانفلونزا ولا داعي للقلق وغيرها من الروايات والقصص التي لا تتوقف.
لا تستند أي من الادعاءات على أسس طبية أو علمية أو مختبرية من أي نوع.
الفيروس حقيقي يصيب ويقتل، ينتشر ويصيب كل الفئات العمرية، أعراضه كثيرة وتختلف من شخص لآخر، هناك من يصاب بأعراض خفيفة لساعات فقط وهناك من ينتهي به المطاف في غرف العناية والوفاة، وهذا التباين خلق لغطاً إضافياً لدى الناس.
هناك فئة جديدة من المصابين الذين تبقى معهم بعض الأعراض لفترة طويلة، أو ما يصطلح على تسميته اليوم Long COVID illness وهي أعراض تستمر لأشهر بعد الإصابة أكثرها السعال المتواصل، الإرهاق الشديد، فقدان حاستي الشم والتذوق وغيرها.
الفيروس حقيقي يصيب ويقتل، ينتشر ويصيب كل الفئات العمرية، أعراضه كثيرة وتختلف من شخص لآخر، هناك من يصاب بأعراض خفيفة لساعات فقط وهناك من ينتهي به المطاف في غرف العناية والوفاة، وهذا التباين خلق لغطاً إضافياً لدى الناس.
في ذات الوقت لا يمكن إنكار أن التعامل مع الجائحة يثير الكثير من التساؤلات، منها على سبيل المثال: لماذا يتصدر الساسة المشهد وليس الأطباء أو العلماء أو الباحثين؟ التخبط الواضح والتضارب في المعلومات التي يتحدث بها الساسة، غياب الشفافية في شرح وتبرير بعض الإجراءات التي لا تتوافق مع خطر الفيروس خاصة في بداية الجائحة، إعادة استخدام ذات الأساليب والإجراءات للحد من انتشار الفيروس حتى التي ثبت فشلها في السيطرة عليه، عدم التنسيق بين الدول وبعضها للحد من انتشار الفيروس.
بعد أشهر من انتشار الجائحة أصبح هناك فهم متزايد لطبيعة الفيروس وكيف يصيب جسم الانسان وبالتالي كيفية التعامل معه كمرض وهو ما قلل عدد الوفيات مقارنة بعدد الإصابات المتزايد والمتصاعد.
زيادة عدد الإصابات ليس بسبب زيادة عدد الفحوصات لكن العكس صحيح، أي أن فحص المزيد من الناس يكشف عن مزيد من الاصابات.
الدول والأنظمة الصحية لها حسابات تختلف عن حساباتنا، منها درجة استيعاب المستشفيات وقدرة النظام الصحي على تحمل "تسونامي" حالات في فترة قصيرة، المعدات المطلوبة وإصابات الكادر الطبي الذي سقط كثيرون منها نتيجة للجائحة.
حتى الدول التي حققت نجاحات باهرة بداية الجائحة في السيطرة عليها والتقليل من الإصابات كاليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية تصرخ اليوم بأنها فقدت السيطرة ولجأت للإغلاقات والتشديد حتى خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، وهو أمر غير مسبوق حتى في زمن الحروب.
هناك شبه إجماع اليوم أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الجائحة هو التعايش معها، أي اتخاذ إجراءات تتناسب مع تفشي الفيروس في مناطق محددة والإبقاء على عجلة الاقتصاد، أي الموازنة بين الحياة والمعيشة أو الصحة ولقمة العيش.
مما زاد الطين بلة وعقد الأمور هو بعض الزعماء الشعبويين من أمثال الرئيس الأمريكي والرئيس البرازيلي والرئيس الفرنسي والرئيس الهندي التي سجلت بلادهم أسوأ المعدلات إصابة ووفاة بسبب كيفية تعاملهم مع الجائحة والاستهتار بها.
لكن الأهم يبقى درجة وعي الناس والعامة والتزامهم بالأمور الثلاثة الأهم، التباعد الاجتماعي، غسل اليدين والنظافة، وارتداء الكمامات ـ إضافة لتقليل اللقاءات والزيارات للحد الأدنى الممكن.
دون ذلك الالتزام والوعي تبقى أي إجراءات رسمية بلا معنى ولا يمكن فرضها بالقوة حتى ولو بمنع التجول والاغلاق التام، وهو ما انعكس واقعياً على عدد الإصابات والوفيات والفرق بين دول يلتزم مواطنوها بالإجراءات كفنلندا والنرويج ودول أخرى درجة الالتزام تكاد تكون معدومة.
هناك شبه إجماع اليوم أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الجائحة هو التعايش معها، أي اتخاذ إجراءات تتناسب مع تفشي الفيروس في مناطق محددة والإبقاء على عجلة الاقتصاد، أي الموازنة بين الحياة والمعيشة أو الصحة ولقمة العيش.
للتوضيح الكمامات لا تقلل نسبة الأكسجين في الدم ولا تزيد نسبة ثاني أكسيد الكربون وكل ما يقال في هذا الصدد لا أساس ولا دليل علمي عليه من أي نوع.
أما في موضوع اللقاحات وما يدور حول سلامتها، يمكن توضيح التالي:
ـ اللقاحات بحد ذاتها (أي مكوناتها) فيها كل درجات السلامة ولا خطر منها.
ـ صحيح أن مدة الاختبارات عليها كانت أقل من المعتاد واختصرت بشكل كبير ولهذا أسباب منها: توحد كل مختبرات العالم في محاول إيجاد لقاح فعّال، مشاركة المعلومات بين الشركات والمختبرات، الضخ المالي الهائل وبالمليارات، عدد المتطوعين الكبير لتجربة اللقاح.
ـ مراحل التجربة الثلاث تم استيفائها بالكامل، والفترة الزمنية التي اختصرت هي الإجراءات الإدارية والمكتبية.
ـ اللقاحات لا تغير تركيبة الـ DNA.
ـ اللقاحات لا تحتوي على رقائق الكترونية microchips.
ـ استعمال تقنية mRNA قديم وسبق تجربته على الانسان لكنه يستخدم في لقاح لأول مرة.
ـ اللقاحات لا تحتوي على خلايا أجنة
ـ الآثار طويلة الأمد لا يمكن معرفتها، تماماً كأي لقاح أو دواء جديد يتم طرحه ويحتاج المتابعة لسنوات لمعرفة أي آثار طويلة الأمد.
ـ السؤال الذي لا إجابة عليه حتى اللحظة في موضوع اللقاحات هو كم هي فترة الوقاية التي يمنحها اللقاح؟
لا يمكن القول إن اللقاح سينهي الجائحة ـ حتى الآن على الأقل ـ بسبب عدم توضيح فترة الوقاية التي يمنحها أو النسبة المطلوبة لتحقيق المناعة والتي تختلف بين فيروس وآخر (بعضها يحتاج 30% وأخرى 90%).
كما لا يمكن القول أن البدء في عمليات التطعيم تمثل انتصاراً نهائياً، فما أن بدأت هذا الشهر تلك العمليات في بريطانيا لتتبعها دول أخرى، حتى تم الإعلان عن سلالة جديدة من الفيروس سريعة العدوى والانتشار، وهو ما بدأنا نلمسه كأطباء نتعامل مع الجائحة بشكل يومي.
وكما هو الحديث عن الآثار الصحية للإصابة بالفيروس أو اللقاح ضده، أيضاً نتوقف عند الآثار الاقتصادية المدمرة التي خلفها التعامل مع الجائحة، وكذلك تلك طويلة الأمد والتي سنشعر بها خلال فترة ليست بالبعيدة.
هذا حصاد سريع لعام من جائحة كورونا مر ليس كغيره من الأعوام... ولا زلنا كما بدأنا في محاولة فهم طبيعة الفيروس وتفاصيل الوقاية منه والقضاء عليه... نتلمس كيفية التعامل مع الجائحة... دون تسطيح ودون تهويل... وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي يعشقها البعض.. عافانا الله وإياكم وحفظنا جميعاً.