دفعت جائحة فيروس كورونا المستجد العلماء إلى تحقيق إنجازات كبيرة في مجال أبحاث الفيروسات وتطوير اللقاحات، لكن المسارات التقنية الأخرى في مختلف المجالات لم تتوقف، بل تمكنت من تحقيق طفرات كبيرة.
وسلطت مجلة "ساينتفيك أميريكان" الضوء على عشر طفرات شهدت صعودا كبيرا خلال هذا العام، نستعرضها في ما يأتي:
1. الإبر المجهرية
تستعد إبر تكاد ألا تُرى، أو "إبر مجهرية"، لدخول عصر يتم فيه الحَقن وسحب عينات الدم من دون ألم.
وهذه الإبر المجهرية، سواء كانت متصلة بمحقن، أو مثبتة في لاصقة، تمنع الإحساس بالألم، وذلك لأنها تتجنب ملامسة النهايات العصبية.
ولا يتعلق الأمر بتخفيف الألم وحسب، بل وفي رفع الكفاءة وعلاج أمراض بعينها، مثل السكري، والسرطان، وألم اعتلال الأعصاب.
وفي المجالات البحثية يجري ربط الإبر المجهرية مع أجهزة اتصال لاسلكية؛ لقياس جزيء حيوي معين، ثم استخدام هذا القياس لتحديد الجرعة المثلى من الدواء، ثم تقديم تلك الجرعة، وهي مقاربة ربما تساعد على تحقيق وعد الطب الشخصي.
2. استخدام أشعة الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد نافعة
ظهر إلى السطح خلال هذا العالم نهج جديد، يعتمد على ضوء الشمس في تحويل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات الاحتراق إلى مواد كيميائية نافعة.
ومن شأن هذه الطفرة الكبيرة أن تؤدي إلى تقليل الانبعاثات عن طريقين: استخدام الغاز غير المرغوب فيه باعتباره مادة خاما، من جهة، والاعتماد على ضوء الشمس، وليس الوقود الأحفوري، ليكون مصدر الطاقة اللازمة للإنتاج من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه، بحسب "ساينتفيك أميريكان" أن التقدم الحاصل في مجال تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية اعتمادا على أشعة الشمس سوف يستثمر تجاريّا، وسيجد مزيدا من التطوير على يد الشركات خلال الأعوام المقبلة.
3. ثورة في عالم الطب: مرضى افتراضيون
يشهد العالم كل يوم تقريبا ظهور خوارزمية جديدة تتيح للحواسيب تشخيص الأمراض بدقة غير مسبوقة، وهو ما يحيي التوقعات التي ترى أن الحواسيب ستحل محل الأطباء قريبا، لكن ماذا لو استطاعت الحواسيب كذلك أن تحل محل المرضى؟
ظهر ذلك التساؤل بقوة مع اجتياح فيروس كورونا للعالم، إذ إن من شأن وجود تقنية كتلك الاستعاضة عن البشر بنماذج افتراضية منهم في التجارب التي أُجريت على اللقاحات، ولتمكن العلماء من تطوير أدواتٍ وقائية بطريقة أسرع، وإبطاء انتشار الجائحة، والتوصل إلى تقييم مبكر لفعالية اللقاحات، فضلا عن تقليل التكلفة المادية والبشرية للأبحاث والتجارب.
وتلك بعض من فوائد ما يعرف باسم "الطب الحوسبي"، الذي يعني تجربة العقاقير والعلاجات على أعضاء أو أجهزة جسم افتراضية، بهدف التنبؤ باستجابة أجسام البشر لتلك العلاجات.
وقد بدأ بالفعل استخدام عمليات المحاكاة الحوسبية في إجراء التجارب الإكلينيكية على نطاق محدود. فعلى سبيل المثال، تستعين إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بعمليات المحاكاة الحوسبية لتقييم المنظومات الجديدة لتصوير الثدي بالأشعة السينية، بدلا من تجربتها على البشر. ونشرت الإدارة توجيهاتٍ لتصميم تجارب العقاقير والأجهزة التي تتضمن مرضى افتراضيين.
وتعد هذه ثورة كبيرة في عالم الطب، شكل هذا العام انطلاقته الفعلية، ليتواصل تطويرها خلال الأعوام القادمة.
4. "إنترنت الأشياء"
عالم يتصل فيه كل شيء حولنا بالإنترنت والمجسات كان حلما تعرضه أفلام الخيال العلمي، لكنه بات يقطع أشواطا كبيرة إلى الواقع خلال 2020.
ويتعلق الأمر بتفاعل هائل بين البشر ومحيطهم من جهة والإنترنت والمجسات والتطبيقات الرقمية من جهة ثانية.
ويشمل ذلك نوم الإنسان واستيقاظه والإنارة وتحضير الطعام والصحة والعمل والنظافة والتصميم وغيرها الكثير من جوانب الحياة، فضلا عن تطبيقات خاصة في الطب والهندسة والتكنولوجيا والحروب.
اقرأ أيضا: 8 أحداث لم يسبق لها مثيل في التاريخ.. شهدها عام 2020
وتصمم الحوسبة المكانية توائم رقمية للأشياء وكذلك للأشخاص والأماكن؛ فهي تستخدم النظام العالمي لتحديد المواقع وأنظمة رصد الضوء وتحديد المدى (lidar)، والفيديو وغير ذلك من تقنيات الموقع الجغرافي من أجل تصميم خريطة رقمية لغرفة أو مبنى أو مدينة. ثم تعمل الخوارزميات البرمجية على دمج هذه الخريطة الرقمية مع بيانات المستشعرات والتمثيلات الرقمية للأشياء والأفراد؛ بهدف خلق عالم رقمي يمكن رصده وقياسه والتحكم به، وفي الوقت ذاته لديه القدرة على التحكم في العالم الواقعي.
وقد تبنى قطاع الصناعة بالفعل الدمج بين المستشعرات المخصصة والتوائم الرقمية وإنترنت الأشياء؛ بهدف تحسين الإنتاجية، ومن المرجح أن يكون هذا القطاع من أوائل القطاعات التي تتبنى الحوسبة المكانية، رغم المخاوف المتزايدة بشأن عواقب تعرض الأنظمة للاختراق، أو سلب خصوصية المستخدمين.
5. تطبيقات "الطب" الرقمية
يواصل الطب في تصدره للمشهد العلمي هذا العام، فقد ظهرت على السطح برامج على الهواتف الذكية تعرف عموما بالطب الرقمي، تساهم بتحسين الرعاية الطبية التقليدية، وكذلك توفير الرعاية الصحية للمرضى عندما يتعذر الوصول إلى المستشفيات والعيادات، وهي حاجة قائمة بالفعل، لكن وباء "كوفيد-19" عزَّز من أهميتها بدرجة كبيرة.
وتعتمد العديد من وسائل الكشف المُساعدة على أجهزة الهاتف المحمول لتسجيل بعض من هذه الملامح، مثل صوت المُستخدم وموقعه وتعبيرات وجهه ونشاطه الرياضي ونومه ونشاط الرسائل النصية، ومن ثم تجري الاستعانة بوسائل الذكاء الاصطناعي لتحديد احتمال ظهور حالةٍ صحيةٍ ما أو تفاقُمها.
فعلى سبيل المثال، تحتوي بعض الساعات الذكية على جهاز استشعار يقوم تلقائيّا بكشف الرجفان الأذيني –وهو خلل يطرأ على إيقاع ضربات القلب– وينبه الناس إلى حدوثه. ويجري العمل حاليّا على تطوير أدوات مشابهة للكشف عن اضطرابات التنفس والاكتئاب وداء باركنسون وداء ألزهايمر والتوحد وغيرها من الأمراض.
ورغم أن هذه التطبيقات لا تغني عن الطب التقليدي، لكن الأبحاث تتواصل لتحقيق أعلى مستوى من الكفاءة والأمان لرفع مستوى الرعاية الصحية في المجتمعات وتوفيرها على نطاق واسع وبتكاليف أقل.
6. طائرات كهربائية في الأجواء قريبا
بات إنتاج طائرات كهربائية أقرب من أي وقت مضى في ظل القفزات الكبيرة التي تم تحقيقها خلال هذا العام.
فمحركات الدفع الكهربائي ستحد من الانبعاثات الكربونية المباشرة، بل يمكنها أيضا تخفيض تكاليف الوقود بنسبة تصل إلى 90 بالمئة، والصيانة بنسبة تصل إلى 50 بالمئة، والضوضاء بنسبة تصل إلى حوالي 70 بالمئة.
ومن الشركات التي تعمل في مجال الطيران الكهربائي، شركة إيرباص Airbus، وأمبير Ampaire، وماغنيكس MagniX، وإيفييشن Eviation. وجميعها شركات تعمل في مجال اختبار الطائرات التي تستهدف الرحلات الخاصة وسفر الشركات والركّاب، وتسعى للحصول على ترخيص من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA).
وتتوقع شركة كيب إير Cape Air، إحدى أكبر شركات الطيران الإقليمية، أن تكون من أوائل العملاء؛ إذ لديها خطط لشراء طائرة أليس Alice الكهربائية التي تستوعب تسعة ركاب من شركة إيفييشن. وقد صرّح دان وولف، الرئيس التنفيذي لشركة كيب إير، بأنه مهتم بتحقيق المنافع البيئية، وكذلك بالوفورات الممكنة في تكاليف التشغيل أيضًا.
وبشكل عام، تتمتع المحركات الكهربائية بعمر أطول من المحركات التي تعمل بالوقود الهيدروكربوني في طائرات كيب إير الحالية؛ فالمحركات الكهربائية تتطلب صيانةً كل 20 ألف ساعة، في مقابل ألفي ساعة للمحركات التي تعمل بالوقود الهيدروكربوني.
7. الأسمنت منخفض الانبعاثات الكربونية
يؤدي تصنيع الأسمنت، أحد مكونات الخرسانة الرئيسية، إلى إنتاج كمية كبيرة -يستهان بها كثيرا- من ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه الأنشطة البشرية، تصل نسبتها إلى 8 بالمئة من الإجمالي العالمي.
وخلال العام الجاري، تم تحقيق تقدم كبير في إنتاج أسمنت صديق للبيئة، حيث تمكنت شركة سوليديا، وهي شركة ناشئة في بيسكاتاواي بنيوجيرسي، تستخدم عملية كيميائية بترخيص من جامعة روتجرز من خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 بالمئة.
اقرأ أيضا: رئيس شركة "أسترازينيكا": لقاحنا يؤمن حماية بنسبة 100%
وفي المقابل، تتخلى شركة كربيكريت -ومقرها مونتريال- عن استخدام الأسمنت في تصنيع الخرسانة تمامًا، لتستبدل به أحد النواتج الثانوية لصناعة الصلب ويعرف بخبث الصلب، كما تستهدف شركة نورسيم -أحد كبار منتجي الأسمنت بالنرويج- تحويل أحد مصانعها إلى أول مصنع أسمنت في العالم بلا انبعاثات كربونية على الإطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، عكف الباحثون على دمج بكتيريا في عمليات تحضير الخرسانة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحسين خواصه.
8. طفرة في مستشعرات السيارات ذاتية القيادة
توصل المبتكرون إلى مستشعِرات كمية ستمكننا من ابتكار سيارات ذاتية القيادة تستطيع "رؤية" ما وراء نواصي الشوارع، وتطوير أنظمة للملاحة تحت الماء، وأنظمة إنذارٍ مبكر لرصد النشاطات البركانية والزلازل، بالإضافة إلى ماسحات محمولة تتابع نشاط الدماغ البشري في أثناء الحياة اليومية.
وتصل المستشعرات الكمية إلى مستويات عالية من الدقة من خلال استغلال الطبيعة الكمية للمادة، أي -على سبيل المثال- عبر استخدام الاختلاف بين الإلكترونات في حالات الطاقة المختلفة باعتبار هذا الاختلاف وحدة أساسية لقياساتها.
وصحيح أنّ معظم أنظمة الاستشعار الكمي ما زالت تتسم بارتفاع كلفتها، وضخامة حجمها، وتعقيدها، لكن لو استطعنا تطوير جيلٍ جديد من المستشعرات الأصغر حجما والأقل تكلفة، فمن المفترض بهذه المستشعرات أن تتيح لنا تطبيقات جديدة.
9. الهيدروجين الأخضر: عضوٌ جديد في أسرة الطاقة المتجددة
الماء هو الناتج الثانوي الوحيد لعملية احتراق الهيدروجين، ولهذا ظل الهيدروجين، على مدى عقود، مُغريًا للعلماء باعتباره مصدرًا للطاقة خاليًا من الكربون.
إلا أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية، التي تنطوي على تعريض الوقود الأحفوري للبخار، أبعد ما تكون عن الخلوّ من الكربون. ويُطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بالهيدروجين الأزرق.
أما الهيدروجين الأخضر فأمره مختلف؛ إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. وكان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبيرٍ من الطاقة الكهربية، إلى الحدِّ الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة.
واليوم، فقد شهد الوضع تغيرا يعزى إلى سببين اثنين: أولهما توافر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم "تخزين" الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها.
ومع أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زال يخطو خطواته الأولى، تضخ دول عدة استثماراتها في هذه التكنولوجيا، لا سيما تلك الدول التي تتوافر لها طاقة متجددة قليلة التكلفة.
ومن تلك الدول أستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح، في حين تخطط تشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المولدة باستخدام الطاقة الشمسية. وأما الصين فتعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030.
10. طفرة في هندسة الخلايا
ساهمت جائحة فيروس كورونا في الدفع بهذا المجال إلى مدى لم يكن العلماء يتوقعون تحقيقه في مدة قصيرة.
ففي بداية ظهور جائحة كوفيد-19، أضاف علماء في الصين التسلسل الجيني للفيروس (أي المخطّط التفصيلي لإنتاج الفيروس) إلى قواعد البيانات الجينية.
بعدها، استطاع فريق سويسري تصنيع الجينوم الكامل وإنتاج الفيروس باستخدام هذا الجينوم، بمعنى أنهم نقلوا الفيروس إلى مختبرهم لدراسته دون الحاجة إلى انتظار عينات فعلية من الفيروس.
والسرعة التي أُجريت بها هذه العملية ليست سوى مثال على الدور الذي تؤديه طباعة الجينوم الكامل في تطوّر الطب وغيره من المجالات الأخرى.
وحتى الآن، فإن التعديلات التي تُجرى على الجينوم توصف بأنها طفيفة، لكن التطورات التي تشهدها تقنيات التخليق وبرمجياته تفتح الباب أمام العلماء لطباعة أجزاء من المادة الوراثية أكبر من أي وقت مضى، وإجراء تعديلات أوسع نطاقا على الجينوم.
وبطبيعة الحال، قد يُساء استخدام هندسة الجينوم الكامل؛ إذ يكمن التخوف الأكبر في استخدام مسببات المرض أو أجزائها المُنتجة للسموم كأسلحة. ولهذا، سيحتاج العلماء والمهندسون إلى ابتكار صمام أمان بيولوجي شامل، أي مجموعة من التقنيات الحالية والمستحدثة التي يمكنها اكتشاف وتتبع انتشار أي تهديدات جديدة وقت حدوثها، كما يتطلب الأمر تضاف الجهود الحكومية حول العالم لتأمين هذا المجال.
الذكاء الاصطناعي يحل في أيام معضلة طبية عمرها 50 عاما
لهذا يستعر العداء بين "آبل" و"فيسبوك" رغم غياب المنافسة
الأمم المتحدة: هذه هي الأعوام الأشد حرارة منذ 2016