شهد العام ٢٠٢٠ تمدّداً تركياً متزايداً في محيط أنقرة الإقليمي لاسيما من الناحية العسكرية وذلك نظراً لازدياد الفراغ الناجم عن تدهور الوضع السياسي والإقتصادي والأمني لعدد من دول المنطقة مع ما يخلقه ذلك من بيئة خصبة لنشاط الجماعات الراديكالية والإرهابية على حدٍ سواء. في العام الماضي، حظيت ثلاث جبهات بقدر أكبر من الاهتمام هي: جبهة سوريا، وجبهة ليبيا، وجبهة جنوب القوقاز حيث أذربيجان.
كانت وما زالت الجبهة السورية تمثّل العبء الأكبر لتركيا من الناحية العسكرية والأمنية والمالية. الربع الأوّل من العام ٢٠٢٠ كان حاسماً لناحية منع نظام الأسد وحلفائه إيران وروسيا من الاستيلاء على المزيد من الأراضي في سوريا وتهجير حوالي ثلاثة ملايين سوري من إدلب إلى الأراضي التركية.
دور تركي إقليمي ودولي
شهدت هذه المرحلة كذلك تدشين عقيدة المسيّرات التركية، وهي عقيدة أحدثت ثورة في مفهوم دمج المسيّرات الهجوميّة في المعارك التقليدية، وأعطت تركيا قدرات إضافية من الناحية العسكرية ومساحة أكبر للمناورة على صعيد السياسة الخارجية. أدّى الدور التركي في سوريا في العام ٢٠٢٠ إلى تثبيت الوضع إلى حدّ كبير في إدلب وتقويض مخططات نظام الأسد وحلفائه لفرض الأمر الواقع في الميدان وعلى طاولة المفاوضات.
تركت عقيدة المسيّرات التركية تأثيراً إيجابياً على موقع ودور أنقرة في الإقليم بما في ذلك في ليبيا التي حظيت خلال العام ٢٠٢٠ باهتمام متزايد من قبل تركيا. أدى الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً إلى إحباط المحاولة الانقلابية التي كان الجنرال حفتر قد أطلقها في العام ٢٠١٩. ونتيجة لذلك، فشل حفتر في دخول طرابلس والإطاحة بحكومة الوفاق بالرغم من الدعم اللامحدود الذي تلقاه من الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، واضطر إلى الانسحاب من أماكن تمركز له في عمق الغرب الليبي إلى الشرق. وبفضل الدور التركي، تحقّق نوع من الاستقرار النسبي الذي سمح بإطلاق مفاوضات سياسية على مستقبل ليبيا في النصف الثاني من العام.
وفي الربع الأخير من ٢٠٢٠، كانت المسيّرات التركية تغيّر من معالم الصراع في جنوب القوقاز وتبدّل معادلة سادت على مدى حوالي ٣٠ عاماً، حيث استطاعت أذربيجان بدعم تركي تحقيق نصر بيّن على أرمينيا بالرغم من الدعم السياسي الذي حظيت به الأخيرة من الولايات وفرنسا، والدعم العسكري المحدود خلال المعركة من روسيا وإيران. يتيح هذا الانتصار لأنقرة فرصة لكي تصبح لاعباً صاعداً في القوقاز ووسط آسيا وهو أمر لا تحبّذه طهران وموسكو.
موازنة الحرب ضد كورونا والإرهاب
علاوة على ذلك، فقد كان على أنقرة أن تتعامل مع تداعيات جائحة كورونا والحفاظ على نفس مستوى الأداء في محاربة الإرهاب الذي تمثّله جماعات ك"داعش" و"حزب العمّال الكردستاني" وفرعه السوري، وجماعة فتح الله غولن. وقد أدّى توسّع دور أنقرة العسكري والأمني في الإقليم إلى رفع التكاليف المالية لوزارة الدفاع خلال السنوات القليلة الماضية بالإضافة إلى الإنفاق العسكري والأمني، والإنفاق على عملية الأبحاث التطوير. وفقاً لأرقام (سيبري)، فإنّ الإنفاق الدفاعي التركي قد ارتفع بنسبة ٨,٥٪ منذ العام ٢٠١٠ ليصل إلى حوالي ٢٠,٤ مليار دولار في العام ٢٠١٩ لتمثل حوالي ٢,٧٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
موازنة العام ٢٠٢١ التي تمّ تقديمها في تشرين أول (أكتوبر) الفائت أظهرت أنّ موازنة وزارة الدفاع المقترحة تقارب حوالي ٧,٧ مليار دولار بارتفاع يبلغ حوالي ١٤,٢٪ عن العام ٢٠٢٠ وفقاً للقيمة الإسمية. أما موازنة مديرية الأمن العام فبلغت حوالي ٥,٦ مليار دولار بارتفاع قدره ١٤,٣٪ عن العام ٢٠٢٠. وبالمثال، فانّ موازنة القيادة العامة للجندرمة إرتفقت بنسبة حوالي ٢٠,٥٪ لتصل الى ٣,٥ مليار دولار، وإرتفعت موازنة الإستخبارات بنسبة ٢٠,٥٪ إلى حوالي ٣٢٦ مليون دولار، وقيادة حرس السواحل بنسبة ٣٠,٣٪ الى حوالي ١٨٨ مليون دولار، ورئاسة الصناعات الدفاعية بنسبة ١٩,١٪ إلى حوالي ١٥ مليون دولار، والسكرتاريا العامة لمجلس الأمن القومي إلى ٤,٨ مليون دولار.
شهد العام ٢٠٢٠ تمدّداً تركياً متزايداً في محيط أنقرة الإقليمي لاسيما من الناحية العسكرية وذلك نظراً لازدياد الفراغ الناجم عن تدهور الوضع السياسي والإقتصادي والأمني لعدد من دول المنطقة مع ما يخلقه ذلك من بيئة خصبة لنشاط الجماعات الراديكالية والإرهابية على حدٍ سواء.
وتنتقد المعارضة التركية التوسّع في الإنفاق الدفاعي، لكنّ معايير حلف شمال الأطلسي تقتضي أن يكون الإنفاق العسكري ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء على الأقل. بالنسبة إلى تركيا، فقد نجحت أنقرة وفقاً لقاعدة بيانات البنك الدولي في أن ترفع من حجم الانفاق الدفاعي إلى ما فوق ٢٪ في الفترة الممتدة من ٢٠١٦ بعد أن كانت قد وصلت إلى ١.٨٪ في العام ٢٠١٥.
واستناداً إلى لائحة التحدّيات العسكرية والأمنيّة في المنطقة، من المستبعد أن ينخفض الإنفاق العسكري في وقت قريب بشكل دراماتيكي أو أن يتراجع الإنفاق على تطوير قدرات أنقرة الدفاعيّة بشكل محلّي. فعلاوة على الملفات السابقة الذكر والتي من المتوقع لها أن تستمر في العام ٢٠٢١ وإن بوتيرة مختلفة، فإنّ تحدّي الأزمة شرق البحر المتوسط ستظل قائمة. فضلاً عن ذلك، هناك حاجة في أن يقوم الجانب التركي بتطوير قدراته في المجال "السيبراني" لناحية تحصين البنية التحتية من جهة، وإنشاء جيش إلكتروني قادر على الرد على الهجمات في الفضاء السيبراني، لاسيما مع انتشار الحروب الإلكترونية التي بدأت تزداد بشكل كبير مؤخراً على مستوى العالم.
كيف تقوّض الإمارات والسعودية من وضع باكستان على رقعة الشطرنج الإقليمية؟
السودان ولعب العسكر بالبيضة والحجر
قراءة هادئة في التطبيع المغربي ـ الإسرائيلي