يضبط الدستور التونسي مجال وصلاحيات كل سلطة في تونس (رئاسة، وبرلمان، وحكومة)، ويقر نظام حكم شبه برلماني.
وعاد الحديث في تونس وخاصة في عهد الرئيس قيس سعيد، حول صلاحيات مؤسسة الرئاسة، لا سيما وسط محاولاته التدخل في عمل الحكومة.
وظهرت تصريحات سعيد المتتالية ولو ضمنيا، عن عدم رضاه عن البرلمان، حتى بات الأمر جليا في غياب الانسجام بين السلطات، ومحاولة سعيد التدخل لبسط نفوذ الرئاسة.
وسعيد أستاذ في القانون.
وتتأكد القطيعة بين الرئاسات يوما بعد يوم، فقد غاب التنسيق وحضر الانقسام السياسي، بحسب محللين.
صلاحيات مضبوطة
ويفسر الدكتور والباحث في القانون الدستوري وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، رابح الخرايفي، في حديث خاص لـ"عربي21" طبيعة الصلاحية المضبوطة قانونيا لرئيس الجمهورية، قائلا: "علاقة رئيس الجمهورية بالحكومة، وعلاقته بمجلس نواب الشعب، مضبوطة بنص الدستور، وعندما نطرح هاتين العلاقتين، فإننا ندرسها من جانب واحد، وهو رئيس الجمهورية في علاقته بالمؤسستين".
وتابع: "تدخل رئيس الجمهورية في مجلس نواب الشعب كوجه أول، أساس هذا التدخل لأحد رأسي السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية هي الفصول 77- 79-89-99 من الدستور، وتعطي الفصول 77 و89 و99 من الدستور صلاحية حل مجلس نواب الشعب إذا توفرت شروط الحل، وهي عدم نيل الحكومة لثقة مجلس نواب الشعب، أو لم يتمكن رئيس الحكومة المكلف، من تكوين حكومته، وتقديمها لنيل الثقة في أجل لا يتجاوز أربعة أشهر من تاريخ التكليف الأول".
اقرأ أيضا: عبارة للرئيس التونسي تثير تفاعلا واسعا بين النشطاء (شاهد)
أما فيما يتعلق بالتدخل الآخر، وأساسه الفصل 79 من الدستور، فقال: "يمكن طبق هذا النص لرئيس الجمهورية أن يتوجه إلى مقر مجلس نواب الشعب، ويتوجه لهم مباشرة بخطاب في جلسة عامة يكون فيها النواب في موقع المتلقين والمستمعين لرئيس الجمهورية، دون أن يكون لهم حق الرد أو التفاعل أو توجيه أسئلة لرئيس الجمهورية بعد أن ينهي كلمته".
وواصل الخرايفي: "أضف إلى ذلك، فهو الذي يختار رئيس الحكومة المكلف طبق الفصل 89 من الدستور، عندما لا يستطيع الحزب الفائز بالانتخابات تكوين حكومته، أو عدم نيل ثقة المجلس".
وأفاد الباحث في القانون الدستوري: "أما من حيث الممارسة السياسية والدستورية، فإننا عرفنا صراعا كبيرا على الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في فترتي حكم الباجي وقيس سعيد، أثر على أداء أجهزة الدولة".
وقال: "هذا الصراع غذاه جانب مؤسساتي، هو غياب المحكمة الدستورية، وجانب سياسي وهو عدم اقتناع الرئيسين الباجي وقيس سعيد بالنظام السياسي للجمهورية، ويساندهم في ذلك جزء مهم من الطبقة السياسية".
إرباك أجهزة الدولة
وظهر للعيان وفق متابعين للشأن السياسي التونسي، محاولة الرئاسة بسط النفوذ على السلطات الأخرى، نظرا للشغور الحاصل للمحكمة الدستورية (لم تتأسس بعد)، نفوذ أثر سلبا على عمل أجهزة الدولة.
ويقول المقرر العام للدستور التونسي (ما بعد الثورة) الحبيب خضر، في حديث خاص لـ"عربي21"، إنه "في الحالة التي نعيشها، هناك حالة عدم تقبل من متولي رئاسة الجمهورية لحدود الصلاحيات الممنوحة".
وأضاف: "رأينا هذا سابقا مع المرحوم قائد السبسي، واليوم مع الأستاذ قيس سعيد، وهذا واقع معاش، وعدم الارتياح هذا لحدود وضوابط الصلاحيات يجعل من يتولى الرئاسة يسعى بسبل شتى لتوسيع صلاحياته، في تجاوز واضح لمقتضيات الدستور، وما أقره من نظام سياسي للبلاد".
اقرأ أيضا: رئيس تونس يقر بانحراف الثورة ويعلن إجراء حوار لتصحيح مسارها
واستغرب المقرر العام للدستور قائلا: "الغريب أنه في مقابل ذلك يكون هناك تهجم على النظام السياسي، ونسبة كل الإشكاليات الموجودة في واقعنا له، وهو الذي أقره الدستور".
وعن تأثيرات البحث عن توسيع الصلاحيات، يرى خضر أن "هذا يؤثر على أجهزة الدولة، وهو من أسوأ ما يمكن أن يحصل، وأن تجد الأجهزة نفسها في حالة تجاذب خاصة الحساسة منها، وتحصل عملية إرباك وتشويش".
وعن الدعوات لتغيير نظام الحكم في تونس، أجاب الحبيب خضر: "الدعوات موجودة نعم، ولكن أعتقد أن الأفضل الآن انصراف الجميع لاحترام مقتضيات الدستور في خصوص النظام السياسي، ثم تقييمه، وفيما بعد يمكن تعديله، لكن المسارعة بالدعوة إلى التعديل قبل تنزيل كل مكونات نظامنا السياسي فيه استباق غير مبرر".
مواقف نواب
وعن التنافس بين السلطات والحديث عن الصراع بينها، واتهام أطراف عدة للرئيس سعيد بتوسيع نفوذ صلاحياته، تحدثنا إلى نواب من البرلمان، فاختلفت آراؤهم.
من جانبه، أقر النائب عن حركة النهضة ناجي الجمل في تصريح لـ"عربي21" بوجود تنازع بين السلطات، وقال: "رئيس الجمهورية لديه رغبة في الهيمنة، وتوسيع صلاحياته، ويحاول أن يعطي قراءة لبعض الفصول في الدستور، فيها نوع من التعسف، وكمثال على ذلك، ما أعلنه ليلة رأس السنة بوزارة الداخلية بأنه المسؤول عن الجيش والأمن".
وأوضح أن "الدستور يضبط له المسؤولية على الجيش فقط، والأمن لرئيس الحكومة، وهناك بعض السلوك من قيس سعيد لتغيير صبغة النظام السياسي".
ووفقا للجمل، فإن النزاعات ستتواصل إلى حين إرساء المحكمة الدستورية.
وعن المطالبة بتغيير طبيعة النظام في تونس، يعتبر النائب حجي أن "تونس ليست في حاجة لتغيير نظام الحكم الحالي، لأننا لم نمارسه بروحه وفلسفته. نكبتنا ليست في هذا النظام وإنما في ما أفرزه من الطبقة السياسية".
في المقابل، قال النائب ناجي الجمل: "أنا مع نظام برلماني منذ البداية، ولكننا ذهبنا إلى شبه برلماني، ورغم الثغرات لست مع مراجعة النظام السياسي حاليا".
واعتبر أنه "ما زال الوقت مبكرا، ولا يمكن تعديل الدستور قبل وجود المحكمة الدستورية".
أما النائب عن التيار الديمقراطي نبيل حجي، فقال في تصريح لـ"عربي21"، إن رئيس البرلمان راشد الغنوشي مطالب أولا باحترام صلاحياته أيضا.
واتهمه بأنه "يتدخل حتى في الشؤون الدبلوماسية، ويريد أن يخطف الأضواء، يريد أن يكون مركز الكون والحياة السياسية في تونس ويتعامل مع المجلس كمزرعة خاصة، هو رئيس مجلس، ولكنه يدير تحويرا وزاريا"، وفق قوله.
بالأسماء.. قائمة التعديل الوزاري في حكومة المشيشي
10 سنوات على ثورة الياسمين بتونس.. هكذا احتفى نشطاء بالذكرى
عقد على اندلاع ثورة تونس.. تاريخ دفع "بن علي" للهرب