دار الجدل في اليومين الماضيين حول "
زواج التجربة"، والذي يهدف إلى زيادة الشروط والضوابط الخاصة في عقد
الزواج، وإثباتها في عقد مدني منفصل عن وثيقة الزواج. والهدف من ذلك إلزام الزوجين بعدم الانفصال في مدة أقصاها من ثلاث إلى خمس سنين، يكون الزوجان بعدها في حل من أمرهما، إما باستمرار الزواج، أو الانفصال حال استحالة العشرة بينهما. وقد يكون الهدف الأساسي منه تقييم الشريك وتحديد إن كان يصلح للاستمرار معه أم لا، بمنح الطرفين - والمرأة تحديدا - فرصة لعدم الاستمرار في الزواج بما يمكننا اعتباره عصمة مؤقتة.
فالزواج يختلف اختلافا جذريا بالنسبة إلى كل من
الرجل والمرأة، ومع أن كلا الجنسين ضروري للآخر، إلا أن هذه الضرورة لم تؤد إلى علاقة تبادلية. ولم تشكل النساء طبقة خاصة تقيم مع طبقة الرجال علاقات تبادل، لذا لم تكن العقود المبرمة بين الرجل والمرأة تعتمد المساواة. فالرجل من الناحية الاجتماعية مستقل وكامل، ويعتبر شخصا منتجا، ووجوده مبرر بالعمل الذي يقدمه لجماعته أو مجتمعه، بينما على
المرأة تبرير وجودها والتدليل على أهميتها تارة من خلال الإنجاب وأعمال المنزل والجنس، وتارة من خلال عملها في المجتمع أسوة بالرجل.
ومع أن الرجل هو بحاجة إلى المرأة، لكنه لا يتوجه بندائه إليها، بل إلى مجتمع الرجال الذي يسمح لكل فرد من أفراده باستكمال شخصه كزوج ووالد. أما المرأة فتنتمي إلى الأسرة تحت سيطرة الآباء والإخوة، لهذا كانت تقدم للزواج من بعض الرجال إلى بعض الرجال الآخرين، كما هو الوضع في المجتمع الأبوي، ويتم التصرف بها كشيء من الأشياء. ولم يتعدل وضع المرأة بشكل حقيقي حتى بعد أن اتخذ الزواج شكلا تعاقديا، وبقي الزواج مورد رزقها والمبرر الاجتماعي لوجودها. وهو مفروض عليها لتنجب أطفالا لجماعتها، ولترضي حاجات الذكر الجنسية وتعتني بمنزله. ولأن هذا العبء الذي يفرضه عليها المجتمع يعتبر خدمة مقدمة للزوج، يصبح الزوج ملزما بإعالة الزوجة.
من هذا المنطلق يصبح الزواج، عبئا على المرأة ومنفعة للرجل، دون أي تواز أو تكافؤ. وهنا تبدو المرأة سلبية بصورة مطلقة، فالزواج يعتبر تأكيدا لوجود الرجل، وسببا لوجود المرأة. فعندما تتزوج المرأة تأخذ بعض الضمانات القانونية، إلا أنها تصبح تابعة لزوجها. فهو رب العائلة من الناحية الاقتصادية وهو الممثل بالنسبة للمجتمع، فتأخذ المرأة وأولادها اسمه وتنضم إلى طبقته ووسطه وتصبح نصفه المكمل، وتتبعه إلى حيث يدعوه عمله. وتصبح هنا الغاية من الزواج التسامي إلى المصلحة الجماعية عن طريق الاتحاد الاقتصادي والجنسي بين الرجل والمرأة.
ولأن الزوج هو المنتج فهو يجاوز مصلحة الأسرة إلى مصلحة المجتمع، أما المرأة فتكون موقوفة للمحافظة على النوع والعناية بالمنزل أي أنها موقوفة للجمود. ولأن كل إنسان منا يسعى إلى الارتقاء في مقابل الجمود، وعليه أن يثبت ذاته نحو المستقبل، فإن الزوجة لا تسمو بنفسها إلى المجتمع إلا من خلال زوجها. وفي نهاية المطاف يصبح الزواج مهنة بالنسبة إلى المرأة - وحسب فقه السنة - بعقد يبيح للرجل وطء المرأة بحكمه، وليس على المرأة إلا استقبال هذا النكاح.
وإذا قمنا بمعاملة عقد الزواج كعقد قانوني للطرفين لحفظ الحقوق، فهو عقد استخدام يحق للرجل وحده إنهاؤه بالقانون متى شاء ولو بدون سبب، بينما إن رغبت المرأة بإنهائه حتى لو بسبب حقيقي فإنها بحاجة إلى قاض ليسمح لها بذلك.
أما العصمة كمخرج قانوني فيقال إنه يصب في مصلحة المرأة، أو ما يطلق عليه حق الزوجة في تطليق نفسها بنفسها وبإرادتها المنفردة دون الحاجة للرجل، فهو تفويض تم بالتراضي بين الزوجين من الزوج صاحب الحق الأصلي بالطلاق إلى زوجته بالقيام بتطليق نفسها متى أرادت، ولكنه يظل تفويضاً، أي أنه لا يبطل حق الرجل الثابت شرعا في تطليق نفس الزوجة بإرادته المنفردة. وهو في كل الأحوال طلاق رجعي، أي أن من حق الزوج أثناء فترة العدة إرجاع زوجته بدون سؤالها، طالما لم تنقض العدة ولو بعد دقيقة واحدة من تطليقها إياه. أي أن العصمة في يدها إنما هو أمر ليس كاملا، كما قد يعتقد البعض. وقد يؤخذ على العصمة أن المرأة عاطفية، وبالتالي فإنها ليست مؤهلة لقرار إنهاء الحياة الزوجية، مع أن ما نراه في أروقة المحاكم يثبت عدم أهلية الرجل مبتدأ لتحمل مسؤولية كلمة الطلاق التي يلقيها عبثا.
فليس الحل أن نمنح العصمة للمرأة إذنا ولو بشكل مؤقت كما في زواج التجربة مثلا، وإنما أن نلغي حق الرجل في الطلاق، لنصل إلى أن الحل الأمثل، أن يتم التعامل مع الزواج كعقد رسمي وحقيقي لا يتم التحلل منه بكلمة ترمى جزافا من رجل أو من امرأة، وإنما بتحلل رسمي، مشابه لعملية عقده نفسها، أو في محكمة وأمام شهود. فإن لم يكن الزواج المدني حلا يأخذ فقه السنة بعين الاعتبار، فالأولى الخروج بتأصيل شرعي لعملية توثيق إنهاء عقود الزواج بشكل مدني على الأقل لحفظ الحقوق المهدورة. وهنا أدعو علماء الشرع المعتبرين من ذوي الفكر المنفتح إلى البحث عن تأصيل شرعي لهذا الرأي.