سر كبير ما زال يقف خلف فوز الرئيس
التونسي قيس سعيد بانتخابات ٢٠١٩، فرغم مرور أكثر من عام على تبوؤ الرجل لمنصب الرئاسة إلا أن الشك ما زال يزداد يوما تلو الآخر حول ظروف وصول سعيّد للسلطة. وهل هي الصدفة أم الإحباط الشعبي من الأحزاب، أم أن وراء الأكمة ما وراءها كما يقال؟
وعقب سنة ونيف، لا يمكن للمراقب أن يحصي منجزا واحدا لسعيد، لا في الداخل ولا الخارج. ففي الداخل نجح الرجل فقط في إذكاء
الانقسام السياسي والمجتمعي، وكان "نجما" في "الفتنة السياسية" وتحريض كل تيار سياسي على الآخر، وحث مؤسسات الدولة على الاقتتال، بل وصل به الأمر للدعوة غير الصريحة لتدخل الجيش في
السياسة.
عقب سنة ونيف، لا يمكن للمراقب أن يحصي منجزا واحدا لسعيد، لا في الداخل ولا الخارج. ففي الداخل نجح الرجل فقط في إذكاء الانقسام السياسي والمجتمعي
أما خارجيا فقد انكفأت تونس على نفسها، ولم تعد لاعبا في أي من الملفات الإقليمية ولا الدولية، وهي التي كانت مقصدا للجوار والخارج في الإفادة من تجربتها وحكمتها، ولعبت دورا مهما في ملفات إقليمية ودولية، لتتحول في عهد السيد سعيّد من قبلة وأيقونة للثورة، إلى بلد الكوميديا ومسرحيات "الظروف المفخخة والمسمومة" التي تستهدف القائد الملهم!
ورغم أن الدستور يعطي سعيد -الذي يشكو دوما من تقييد النظام البرلماني لصلاحياته- اليد العليا في العلاقات الخارجية، لكنه فشل كذلك في هذا الملف فشلا ذريعا، ولم يسجل له سوى إنجازين:
الأول زيارة بائسة ظهر فيها ذليلا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبرّأ فيها الاحتلال الفرنسي بدلا من طلب اعتذار.
الثانية: إقالته مندوب تونس في الأمم المتحدة بسبب موقف الرافض للتطبيع وصفقة القرن!!
الرئيس الذي وصف في برنامجه الانتخابي التطبيع بأنه "خيانة عظمى" ابتلع لسانه لأيام عقب تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل، واكتفى باستدعاء السفير الفلسطيني ليلقي عليه واحدة من محاضراته الطويلة والمملة والخشبية.
الرئيس الذي وصف في برنامجه الانتخابي التطبيع بأنه "خيانة عظمى" ابتلع لسانه لأيام عقب تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل
تلك المواقف ليست جردة حساب شخصية، بل هي محاكمة سياسية لمجمل مواقف الرجل وتصريحاته كرئيس، والتي تجعل المراقب يحار في هذا الأكاديمي الذي استيقظت تونس يوما على خبر دخوله قصر قرطاج. فرغم الأمل والإعجاب اللذين صاحبا انتخابه كأكاديمي مستقل، والحماسة لرؤية تجربة جديدة يأتي فيها رئيس لسدة الحكم دون أن يكون عضوا في حزب، ودون أن يكون جزءا من منظومة الفساد السياسي، إلا أن مجمل ممارسات وتصريحات الرجل تكشف أن القاعدة هي الصحيحة، وأنه الاستثناء الخطأ. فالقاعدة المعمول بها دوليا والمختبرة في كل العالم أن القائد السياسي ينغي أن يولد من رحم أحزاب سياسية، وممارسة وخبرة ودرابة سياسية، لأن السياسة في المحصلة مهنة، لها قواعدها وشروطها، أما "المراهقة السياسية" التي ينتهجها الرئيس سعيد منذ اليوم الأول للوصول لقصر قرطاج، فهي لا تصلح لإدارة بقالة في حي شعبي وليس دولة، بل ودولة هي قبلة للثورة والسياسية، وأيقونة للربيع العربي، وخزانا بشريا من الكفاءات العلمية والتقنية والفنية في مختلف المجالات، وقدرا لا حدود له من الثقافة والانفتاح على ثقافات العالم، وقبل ذلك فرادة في الإطاحة بمستبد حكم البلد عقودا بالحديد والنار قبل أن يحولها لعزبة خاصة لعائلته.
كتب الزميل الأستاذ محمد كريشان قبل أسبوع أو أكثر مقالا عنونه بعنوان بارع:
"ماذا يريد الرئيس قيس سعيد بالضبط؟"، وهو السؤال الذي بتقديري يطرحه ١١ مليون تونسي و٤٥٠ مليون عربي.
أسئلة كثيرة حول الرئيس قيس سعيد: ما هو السر الذي يخفيه الرجل؟ ومن هي الجهات الغامضة التي يقول إنه يعرفها وقال إنه كشفها، ويحذر من أنها تسعى لتخريب البلد؟
أسئلة كثيرة حول الرئيس قيس سعيد: ما هو السر الذي يخفيه الرجل؟ ومن هي الجهات الغامضة التي يقول إنه يعرفها وقال إنه كشفها، ويحذر من أنها تسعى لتخريب البلد؟ إذا كان يعرفها لماذا لا يذكر اسمها ويأمر بإلقاء القبض عليها؟ وإذا كانت متآمرة أليس من التآمر السكوت عنها؟ أليس سكوت الرئيس تآمر وتستر على المجرمين؟
يسمح لي أستاذنا الإعلامي الكبير كريشان أن أطرح سؤالين أضيفهما لسؤاله بالغ العمق والأهمية والذي كما ذكرنا عنون به مقالة سابقة، لأسأل سؤالين اثنين أعنون بهما مقالتي:
من هو قيس سعيد؟ ولماذا يصمت على المتآمرين؟