لا أحد لا يتمنى نهاية الانقسام الفلسطيني ووضع حد للانفصال للاستقطاب السياسي المستمر منذ عقد ونصف، ولكن نهاية الانقسام لا يمكن أن تحصل عبر توافقات تهمل أساس الأزمة، وتتجاهل الحقيقة الجوهرية للصراع، وهي الاحتلال.
ثمة عوامل تفجير لاتفاق القاهرة الذي وقع اليوم بين الفصائل الفلسطينية بخصوص الإعداد لانتخابات غير متزامنة للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، تؤكد أن الحوار الذي جرى بين الفصائل كان منصبا على أمور إجرائية تصلح في دولة مستقلة بديمقراطية ناجزة، وليس في سلطة منزوعة السيادة تحت الاحتلال، وهو الأمر الذي يعزز المخاوف من أن هذا الاتفاق لن يختلف عن غيره، وأنه لن ينهي الانقسام، بل إنه سيعمقه.
ثمة عوامل تفجير لاتفاق القاهرة الذي وقع اليوم بين الفصائل الفلسطينية بخصوص الإعداد لانتخابات غير متزامنة للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، تؤكد أن الحوار الذي جرى بين الفصائل كان منصبا على أمور إجرائية تصلح في دولة مستقلة بديمقراطية ناجزة
من عوامل التفجير أن الاتفاق تحدث عن إجراءات لا خلاف عليها، مثل إتاحة المجال للحريات السياسية في الضفة الغربية
وغزة أثناء الحملة الانتخابية، وضمان حرية الحركة! والعمل على شمول الانتخابات للقدس المحتلة، والتأكيد على أن الشرطة الفلسطينية وحدها هي المسؤولة عن تأمين الانتخابات.
هذه الإجراءات التي قلنا أنها لا خلاف عليها، يغفل اتفاق الفصائل في القاهرة أنها لا يمكن أن تتم في الضفة الغربية، فمن سيمنع الاحتلال من إعاقة حركة مرشحي
حماس في مدن وقرى الضفة، ومن سيمنعه من اعتقالهم، وما/ من الذي سيجبره على إجراء الانتخابات في القدس وعدم اعتقال الفائزين أو إبعادهم كما فعل في انتخابات 2006، ومن الذي سيجبر جنود الاحتلال على عدم التدخل في يوم الانتخابات بالأمن وترك المهمة للشرطة الفلسطينية؟
وعلى ذكر الإجراء المذكور آنفا حول تأمين يوم الانتخابات، فإنه يصلح ليكون مثالا على التيه الفلسطيني، إذ أن المتحاورين وضعوه في القاهرة وفي أذهانهم منع الأجنحة العسكرية للفصائل من التدخل والاقتصار على الشرطة، وهكذا يصبح الصراع فلسطينيا داخليا، بين دور الفصائل ودور الشرطة، بدلا من أن يكون صراعا فلسطينيا مع العدو المشترك وهو الاحتلال.
هذا القرار هو أحد عوامل التفجير الخطيرة للاتفاق، إذ أنه يضع العربة أمام الحصان، ولا يشترط التوافق على إجراءات معالجة إفرازات الانقسام قبل عقد الانتخابات، وهو ما يجعل الباب مفتوحا لصراعات لا تنتهي
يقول البيان الصادر من القاهرة اليوم إن إفرازات الانقسام بكل جوانبها ستعالج من قبل لجنة وطنية يتم تشكيلها بالتوافق، وسترفع توصياتها للرئيس لإقرارها وتحويلها لحكومة بعد الانتخابات لتنفيذها. هذا القرار هو أحد عوامل التفجير الخطيرة للاتفاق، إذ أنه يضع العربة أمام الحصان، ولا يشترط التوافق على إجراءات معالجة إفرازات الانقسام قبل
عقد الانتخابات، وهو ما يجعل الباب مفتوحا لصراعات لا تنتهي إذا أجريت الانتخابات قبل حل هذه المشكلات التي لا يمكن لحكومة
ما بعد الانتخابات إن تعمل بدون حلها، وعلى رأسها موضوع الموظفين.
من
عوامل التفجير المهمة لاتفاق القاهرة الجديد، الامتناع كعادة اتفاقات المصالحة منذ عام 2006 عن ذكر الاحتلال، والابتعاد عن
معالجة الأزمة الوطنية والتركيز على حل أزمة سلطة أوسلو بدلا من ذلك. لم يقدم الاتفاق كما كان متوقعا الإجابة على تساؤلات مهمة، مثل: البرنامج الوطني والاستراتيجية الفلسطينية لمقاومة الاحتلال، مصير سلاح المقاومة، قرار الحرب والسلام، طبيعة علاقة السلطة مع الاحتلال بما في ذلك التنسيق الأمني.
اتفاق الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة الذي وقع اليوم، لن يكون سوى وثيقة جديدة إما أن يطويها النسيان، أو أن التاريخ سيذكرها كإحدى المحطات التي ساهمت في تعزيز انقسام الشعب الفلسطيني بدلا من وحدته
وحتى لا نظلم المحاورين، لا بد أن نذكر أنهم تحدثوا عن قضية واحدة تتعلق بالصراع مع الاحتلال في بندين من بين 15 بندا للاتفاق، وهي قضية الأسرى، ولكن الاتفاق أحال هذه القضية للمجلس التشريعي القادم!!! وكأن الصراع مع الاحتلال هو صراع بين مجلسين بلديين، وكأن المجلس التشريعي الذي لا يضمن أن لا يعتقل الاحتلال أعضاءه ورئيسه كما حصل عام 2006 سيكون قادرا على حل قضية المعتقلين في سجون الاحتلال.
اتفاق الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة الذي وقع اليوم، لن يكون سوى وثيقة جديدة إما أن يطويها النسيان، أو أن التاريخ سيذكرها كإحدى المحطات التي ساهمت في تعزيز انقسام الشعب الفلسطيني بدلا من وحدته، وكإحدى نتائج الخريف الفلسطيني الذي أدخل الجميع إلى نفق أوسلو، فصاروا جزءا عضويا منه!
twitter.com/ferasabuhelal