مع تسلم جو بايدن إدارة البيت الأبيض، تصاعدت الهجمات العسكرية ضد الوجود الأمريكي في العراق، موقعة عددا من الإصابات بصفوف المتعاقدين الأمريكيين، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن مستقبل هذا الوجود وخيارات واشنطن حيال ذلك.
وسقطت، السبت، أربعة صواريخ كاتيوشا، داخل قاعدة بلد الجوية شمال العراق، التي تضم خبراء أمريكيين ومقاتلات "أف-16" عراقية، ما أسفر عن إصابة متقاعد عراقي، إضافة إلى إصابة عسكريين اثنين بجروح طفيفة.
يأتي ذلك بعد هجوم مماثل، الاثنين، طال قاعدة جوية في أربيل عاصمة كردستان العراق، ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أجنبي وجرح خمسة آخرين، إضافة إلى جندي أمريكي، حيث اعتبر الهجوم الأكثر دموية الذي يستهدف القوات الأمريكية وحلفاءها في العراق منذ نحو عام.
تعزيز الدفاعات
من جهته، قال الخبير الأمني، فاضل أبو رغيف؛ إن "الولايات المتحدة لن تتأثر سياساتها الخارجية بالهجمات التي تحمل طابع العنف، بمعنى أن هذه القضايا الاستراتيجية تمثل تحديا للأمن القومي الأمريكي، لذلك هذه الضربات من تنظيم الدولة أو غيرها لا تحمل واشنطن على الانسحاب".
ورأى الخبير العراقي في حديث لـ"عربي21" أن "هذه الضربات تحمل بصمات ليست للفصائل المسلحة (الشيعية)، واعتقد أنها ستدفع بالجانب الأمريكي إلى تعزيز دفاعاته بشكل أكثر خلال المرحلة المقبلة".
وأوضح أن "الولايات المتحدة قد تعزز من وجودها التقني، وليس وجودها من ناحية المدربين وأعداد الجنود، فهي لا تحتاج جهدا عدديا، بقدر حاجتها إلى الجهد التقني والدفاعي لتعزيز قدرتها الدفاعية والصاروخية، ولا سيما في القواعد العسكرية".
وبحسب أبو رغيف، فإن "يوم أمس (السبت) دخلت تعزيزات عسكرية لبعض القواعد التي يوجد فيها الجنود الأمريكان".
وبخصوص تضارب الأنباء بخصوص زيادة عناصر حلف "الناتو" في العراق من 400 إلى 4 آلاف عنصر، قال أبو رغيف؛ إن حلف الشمال الأطلسي "الناتو" دوره يقتصر على التدريب والتطوير والتجهيز والدعم والتعاون الفني والمعلوماتي فقط.
رسائل سياسية
وعلى الصعيد ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي، كاظم ياور، أن "استهداف الوجود الأمريكي في العراق بشكل عام وفي أربيل خصوصا خلال الأيام الماضية، يمكن تسميتها بأنها كانت نوعية وسياسية تخدم بعض الأجندات الإقليمية في المنطقة، خاصة فيما يجري بين إيران وأمريكا والغرب بخصوص الملف النووي الإيراني".
وأشار ياور في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الإدارة الأمريكية أعلنت قبل أيام أنها مستعدة للتفاوض مع الجانب الإيراني عبر وساطة الجانب الأوروبي، وأن هذه الهجمات تحمل رسائل تهدف إلى جلب الأمريكيين إلى طاولة التفاوض مع إيران".
أما بشأن تأثير هذه الهجمات على مستقبل القوات الأمريكية بالعراق، قال ياور؛ إن "هذا الأمر له أبعاد أخرى، لأن القوات الأمريكية تعمل في العراق من خلال حلف الناتو لمواجهة الجماعات الإرهابية، ولا سيما تنظيم الدولة، بناء على طلب من الحكومة العراقية، وهناك اتفاقيات بهذا الشأن".
وتابع: "لذلك، فإن مسألة الانسحاب الأمريكي من عدمه له مسار آخر خاضع إلى أمور دولية في العراق، وليس قرارا أحاديا تتخذه الولايات المتحدة، لأن هناك تحالفا دوليا تقوده الأخيرة مكلفا بمهمة من مجلس الأمن".
وفيما يتعلق بحلف الشمال الأطلسي، قال ياور؛ إن "الناتو يعمل على زيادة المدربين والمستشارين في العراق، وفي المدة الأخيرة أرسلت تركيا للعراق عبر الناتو 25 مدربا ومستشارا ومدربا لتدريب القوات العراقية على مكافحة الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة، وهذا يدل على أن الناتو يسعى إلى زيادة أعداد المدربين والمستشارين في العراق، من أجل بسط الأمن ومكافحة الإرهاب".
ولفت إلى أنه "في الآونة الأخيرة، أصبح تنظيم الدولة له ظهور في مناطق مختلفة من العراق، وإن كانت هناك بعض الفصائل تقوم بعمليات إرهابية على الساحة العراقية باسم التنظيم، لكن بشكل عام الناتو ينفذ عمليات عسكرية في العراق بطلب من الحكومة العراقية وبغطاء دولي".
اقرأ أيضا: العراق يجمد صفقة نادرة مع الصين بمليارات الدولارات.. لماذا؟
رد حتمي
وحول الرد الأمريكي على الهجمات، قال ياور؛ إن "حصانة القوات الأمريكية في قوانين الولايات المتحدة، تمثل أمنا قوميا لأمريكا، فإن جميع الإدارات بمختلف رؤسائها لا يتوانون في الرد على مثل هذه الاستهدافات".
وأكد الخبير في الشأن العراقي أن "المهم لدى الولايات المتحدة هو الحفاظ على جنودها، ومن المؤكد أنها في المحصلة سترد على الاستهدافات التي تطالها بالعراق، لكن متى وأين وكيف، لا نعلم".
وعقب الهجوم الذي استهدف الوجود الأمريكي في أربيل، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى إجراء تحقيق في الهجوم، متعهدا بـ"محاسبة المسؤولين عنه".
وقال بلينكن في بيان: "نشعر بالغضب من الهجوم الصاروخي الذي حصل اليوم على إقليم كردستان العراق"، مضيفا: "لقد تواصلت مع رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني لمناقشة الحادث، وأكدت له دعمنا الكامل لإجراء تحقيق ومحاسبة المسؤولين".
وأعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم على القاعدة في أربيل قائلة؛ إنها استهدفت "الاحتلال الأمريكي" في العراق. ولم تقدم ما يدل على ادعائها.
وأعلنت جماعات يقول بعض المسؤولين العراقيين إن لها صلات بإيران مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات على قوات التحالف والمتعاقدين الذين يعملون مع التحالف والمنشآت الأمريكية، بما في ذلك السفارة في بغداد في الأشهر الأخيرة.
ودفعت حالة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران الشرق الأوسط إلى حافة مواجهة شاملة في كانون الثاني/يناير 2020، بعد أن قتلت طائرة أمريكية مسيرة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في هجوم بالعاصمة العراقية.
وعلى إثر ذلك، صوَّت برلمان العراق في 5 كانون الثاني/ يناير 2020 على قرار يلزم الحكومة بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وإجلاء القوات الأمريكية من البلاد، التي كانت تقدر في حينها بنحو 5 آلاف جندي.
هل ينهي اعتقال "عصابة الموت" مسلسل الاغتيالات في العراق؟
ما دلالات زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق ولقائه بالسيستاني؟
تحذيرات من اقتتال شيعي قبل انتخابات العراق.. ما علاقة إيران؟