قال رئيس أركان القوات المسلحة الليبية سابقا، اللواء يوسف المنقوش، إن "الثورة الليبية ما زالت حيّة، وباقية، وقد رسّخت مبادئها، رغم كل التدخلات الخارجية التي حاولت إسقاطها بقوة السلاح والخطط السياسية المضادة"، مشدّدا على أنها "ثورة واعدة وحقيقية، وحتما ستحقق أهدافها خلال الفترة المقبلة، خاصة أن لدينا مؤشرات قوية تؤكد أن الأوضاع سوف تتحسن في المستقبل".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "الإطاحة بمعمر القذافي تستحق أكثر من الثمن الذي دفعه الشعب الليبي؛ فالقذافي استلم ليبيا وكانت في طريقها نحو النمو والازدهار، وكان لديه من الإمكانات المادية والظروف الأمنية ما يساعده على تحويل ليبيا إلى دولة ناجحة يُشار إليها بالبنان، لكنه أضاع هذه الفرصة الثمينة على مدار حكمه الذي امتد أربعة عقود".
وتابع المنقوش: "لو استمر القذافي لما كان للشعب الليبي أي أمل في المستقبل، إلا أن الإطاحة به جعلت للشعب أملا في بناء مستقبله، رغم أن الظروف ليست على ما يرام، ولكن هكذا هي الثورات وكل ما تمر به بلادنا هو نتاج طبيعي سوف ينتهي قريبا، وتضع ليبيا أرجلها على الطريق الصحيح، لتكون دولة مدنية مستقلة ذات سيادة".
اقرأ أيضا: جلسة لنواب ليبيا والأمم المتحدة تدرس آليات لمراقبة الهدنة
وشدّد رئيس أركان القوات المسلحة الليبية سابقا على أن "الخيار العسكري فشل تماما في ليبيا، وكانت نهايته على أسوار طرابلس. والأزمة لن تُحل الأزمة إلا بتوافق الليبيين سياسيا"، وقال: "نأمل من خلال النخب الموجودة حاليا، وبعد أن تمايزت الصفوف وتبيّن الغث من السمين، أن تُفرز الآن الانتخابات القادمة قيادات حقيقية ووطنية تقود البلاد نحو التقدم ورفاهية العيش".
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":
ليبيا لا تزال غارقة في الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية والتدخلات الخارجية.. فكيف ترى المشهد في ليبيا اليوم بعد 10 سنوات من اندلاع الثورة؟
إن المشهد في ليبيا الآن ليس مشهدا ورديا كما كان يريد الشعب الليبي، خاصة بعد مرور عشر سنوات من انطلاقة ثورة 17 شباط/ فبراير التي أسقطت نظام القذافي، لكن رغم ذلك فإن لدينا مؤشرات قوية تؤكد أن الأوضاع سوف تتحسن في المستقبل بشكل كبير.
والثورة في ليبيا كانت ثورة حقيقية وعنيفة في ذات الوقت، بسبب رد فعل نظام القذافي العنيف تجاه الشعب، الأمر الذي دفع الثوار إلى خوض عمليات قتال لفترة طويلة ضد النظام للدفاع عن أنفسهم.
وعقب الثورة لم يُترك الشعب الليبي كي يستثمر نتائج ثورته، ويقطف ثمارها، وينعم بثروات البلاد، وبناء دولته المدنية. والسبب أن هناك قوى إقليمية ودولية تتعارض حساباتها مع حسابات الشعب الليبي، ولا تريد أن يكون للشعب الليبي دولة مدنية ديمقراطية ومستقلة، فتكالبت تلك الدول على الشعب الليبي وأفسدت عليه ثورته، وأصبح يعاني من مشكلات كثيرة. وقد استغلت تلك القوى الخارجية ظروف داخلية تمثلت في فلول نظام القذافي، ومَن لا يريدون العيش في ظلال الحرية.
والآن، وبعد عشر سنوات على الثورة الليبية، أصبح المشهد في ليبيا غير مرغوب فيه بسبب اضطراب الأوضاع السياسية، لكن الذي يثلج الصدر ويُطمئن النفوس هو أن الثورة ما زالت حيّة وموجودة، وانتصرت، ورسّخت مبادئها، رغم كل التدخلات الخارجية التي حاولت إسقاطها بقوة السلاح والخطط السياسية المضادة، وخلق ظروف اقتصادية صعبة لإجبار المواطنين لأن يكفروا بثورتهم، كل هذه الأمور لم تنجح في جعل الشعب الليبي يتخلى عن ثورته، وقد تجلى ذلك في احتفالات الشعب مؤخرا في ذكرى ثورة 17 شباط/ فبراير، وشاهدنا كيف خرج الشعب الليبي عن بكرة أبيه في الساحات والميادين، خاصة في المنطقة الغربية، للاحتفال بذكرى الثورة والتمسك بمبادئها.
لكن البعض يتساءل: هل الإطاحة بمعمر القذافي تستحق الثمن الذي دفعته البلاد؟
الإطاحة بمعمر القذافي تستحق أكثر من الثمن الذي دفعه الشعب؛ فالقذافي استلم ليبيا وكانت في طريقها نحو النمو والازدهار، وكان لديه من الإمكانات المادية والظروف الأمنية ما يساعده على تحويل ليبيا إلى دولة ناجحة يُشار إليها بالبنان، لكنه أضاع هذه الفرصة الثمينة على مدار حكمه الذي امتد أربعة عقود، إذ لم تتقدم البلاد فيها شبرا واحدا، بل على العكس تأخرت عما كانت عليه من قبل؛ فوضع ليبيا عام 1969 عندما انقلب القذافي على النظام الملكي وأسس دولته المزعومة كان أفضل بكثير من وضع ليبيا حتى عام 2011 وقبل سقوط القذافي؛ فقد توفرت له الأموال والسلطة، ولم تكن هناك معارضة سياسية، وكان بإمكانه أن يحوّل ليبيا إلى جنة الله على الأرض، لكنه ضرب عُرض الحائط بكل ذلك، وأهدر مقدرات الليبيين خلال أربعين عاما، فكان القذافي يعتقد أن ثروات الليبيين يحق لكل شخص في العالم أن يستفيد منها، ما عدا الشعب الليبي..
فقد تم تجهيل الشعب على مدار أربعة عقود، فلم يجد بنية تحتية قوية، ولا برامج تعليمية حديثة، ولا مستشفيات مُجهزة طبيا كما ينبغي، فحوّل القذافي الشعب الليبي إلى شعب بائس فقير، رغم أنه يعيش في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم بحسب المعطيات والإمكانات الموجودة.
كما أن القذافي بعد كل هذا الإهمال والإهدار لثروات الدولة، كان يمارس التعسف والقتل بحق الليبيين ويزج بهم في السجون، ويكفي أنه في يوم واحد فقط قتل 1200 سجين بدم بارد، ولم يقم بدفنهم، بل بعثر جثثهم ومثّل بها، حتى لا يبقى لها أي أثر.
وأدخل القذافي اللببين في حروب مع دول الجوار كما فعل مع تشاد ومصر؛ فقد صنع بسياسته مشكلات كثيرة لشعبه في جميع أنحاء العالم، فقبل أن يصل القذافي إلى الحكم كان بإمكان الليبي أن يدخل بجواز سفره إلى معظم دول العالم من دون حاجة إلى تأشيرة دخول.
لذلك، أقول إن الذي فعله القذافي يستحق أكثر بكثير من التضحيات التي بُذلت للإطاحة به؛ فلو استمر القذافي لما كان للشعب الليبي أي أمل في المستقبل، إلا أن الإطاحة به جعلت للشعب –على الأقل- أملا في بناء مستقبله، رغم أن الظروف ليست على ما يرام، ولكن هكذا هي الثورات، وكل ما تمر به ليبيا هو نتاج طبيعي سوف ينتهي قريبا، وتضع ليبيا أرجلها على الطريق الصحيح، لتكون دولة مدنية مستقلة ذات سيادة ويتنفس الشعب الليبي الحرية التي فقدها على مدار 42 عاما.
أي المعسكرين بات هو المنتصر في ليبيا الآن.. معسكر الثورة أم الثورة المضادة؟ وهل يمكن أن يتعايش المعسكران معا؟
نحن الآن في ليبيا لا نتعامل بحسابات المكسب والخسارة، فما حدث ببلادنا من اقتتال خسر فيه الجميع، ومن سقطوا من الطرفين كلهم من الشعب الليبي، ولن يتحمل الشعب بعد ذلك المزيد من الخسائر لأن تعداده قليل، ولن يتحمل أيضا تكلفة الدمار الذي حدث سواء كان ماديا أو معنويا، والروابط الاجتماعية التي تقطعت، فكلا الطرفين خسر بميزان الربح والخسارة، لكن الثورة المضادة لم تنجح رغم ما حصلت عليه من دعم كبير من دول تريد إفشال الثورة الليبية، إلا أن الثورة ما زالت حيّة وتتقدم للأمام، فنحن لسنا مصر ولا سوريا أو اليمن وثورتنا باقية وتتمدد، ولن تستطيع الثورة المضادة أن تخمدها، وهذا ما اتضح عندما حاول حفتر أن يقتحم العاصمة طرابلس، ورأينا كيف تصدى له الشعب الليبي بشجاعة، فثورة 17 شباط/ فبراير ما زالت موجودة رغم ما يحيط بها من ظروف صعبة.
هناك جدل بشأن مستقبل خليفة حفتر، فكيف ترون مستقبله؟
حفتر أصبح على مشارف الثمانين من عمره، ويتمتع بتاريخ غير مشرف عسكريا، ودائما كل خطواته تُفضي إلى نتائج سلبية، وهو الآن في نهاية عمره ويجب أن يخرج من المشهد السياسي ويتنحى جانبا، وعليه أن يفسح المجال للآخرين كي يبنوا دولتهم، ولكن إذا أراد حفتر أن يتقدم ويترشح في انتخابات نزيهة ويتخلى عن استخدام القوة للحكم في ليبيا فهذا يرجع إلى الليبيين وحدهم، لكني أعتقد أنه لا يستطيع أن يفوز في أي انتخابات حرة نزيهة؛ فحفتر أصبح يُمثّل مشكلة كبيرة عند الليبيين، بعد أن تسبّب في إراقة دماء كثير من أبنائهم، وتدمير البنية التحتية وتقطيع النسيج الاجتماعي وهدر أموال الليبيين على السلاح، والتي كان من المفترض أن تُسخّر لإعمار ليبيا، كل هذه العوامل جعلت حفتر شخصية غير جديرة بالثقة لحكم ليبيا على الإطلاق.
وحفتر لا يعرف سوى طريق الحرب والعنف كآلية للوصول للحكم، وقد فشل حتى في ذلك، وقد رأينا كيف فشل عندما حاول أن يسيطر على المنطقة الشرقية وهو يقاتل مجموعة من أفراد الشعب الليبي، رغم ما كان بينهم من بعض الإرهابيين التابعين لداعش وأنصار الشريعة، لكن الجزء الأكبر كان عبارة عن ثوار حقيقيين يدافعون عن أهلهم وديارهم ويُقدّرون بحوالي ألفي مقاتل، إلا أنه استغرق في قتالهم حوالي أربع سنوات دمّر فيها المدينة، وقُتل ما لا يقل عن خمسة عشر ألفا من مقاتليه، وشرّد ما يقرب من 150 ألفا من سكان المدينة، وكل ذلك بلغت تكلفته المالية حوالي 35 مليار دولار، وبالتالي فإنه من الناحية العسكرية ونواح أخرى كانت عمليته العسكرية فاشلة تماما، لذلك فإنه لا يستطيع أي شخص يقوم بعملية كهذه أن يُقدّم نفسه فيما بعد ليحكم ليبيا.
هل يمكن القول إن الخيار العسكري فشل تماما في ليبيا ولا أفق له؟
نعم. فشل الخيار العسكري في ليبيا وكانت نهايته على أسوار طرابلس؛ فالأمور كانت تسير نحو الحل السياسي، لكن خليفة حفتر اختار الحل العسكري، وفشل فيه فشلا ذريعا وتحطمت كل آماله على أسوار العاصمة طرابلس، وبالتالي فإن الحل العسكري ليس مجديا في ليبيا، ولن تُحل الأزمة إلا بتوافق الليبيين سياسيا، خاصة أن الحل العسكري فشل تماما خلال ست سنوات في إنهاء الأزمة.
إلى أي مدى تعتقد أن التوصل إلى اتفاق تشكيل حكومة موحدة واختيار رئيس وزراء لشطري البلاد وانتخابات محتملة نهاية العام الجاري سيكون نهاية للأزمة الليبية الممتدة منذ سنوات طويلة؟ وهل سيكون ذلك عقدا اجتماعيا جديدا ينهي عقدا من الدمار الذي حدث؟
بالطبع نتمنى ذلك، لكن الأزمة الليبية من الصعب حلها بشكل كامل، لكنها خطوة نحو الطريق الصحيح وضوء في نهاية النفق، فالآن هناك حكومة جديدة ومجلس رئاسي جديد، تم انتخابهم ولقيا ترحيبا كبيرا من عموم الشعب الليبي، ونحن نأمل أن يتمكنوا من الوصول بالبلاد إلى برّ الأمان، رغم أن المدة قصيرة جدا، لكن إذا تضافرت الجهود وخلصت النية فسوف يستطيعون الآن إجراء الانتخابات في ميعادها، ليختار الشعب مَن يحكمه.
واشنطن أكدت مؤخرا أنها "ستواصل دعم العملية السياسية التي تقود ليبيا نحو المصالحة والآن الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الليبي".. فكيف تنظر للدور الأمريكي في ليبيا؟ وهل إدارة بايدن ستختلف عن إدارة ترامب في التعاطي مع الملف الليبي؟
كل الشواهد تقول إن هذا ما سيحدث، لأن الموقف الأمريكي ضروري ومؤثر جدا في ليبيا، وهذا عبر التاريخ وليس وليد اللحظة؛ فاستقلال ليبيا عام 1951 كان للدور الأمريكي سبب رئيس فيه، لأنه أفشل مخططات كانت تريد تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول، لكن الدور الأمريكي أفشل هذا المخطط ودفع بالقضية الليبية إلى الأمم المتحدة، وأبعدها عن مجلس الأمن كي لا يكون هناك "فيتو" في إفشال هذه القضية، وبسبب الضغط الأمريكي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة منح الاستقلال إلى ليبيا، وبالفعل صدر قرار استقلال ليبيا بفضل دور الولايات المتحدة الذي كان بارزا في هذا الصدد.
والآن بعد أن تغيرت الإدارة الأمريكية، فقد شهدنا تحولات كبرى حدثت من قِبل دول إقليمية كانت لا تريد الاستقرار لليبيا، لذلك فإننا نأمل في أن يكون الدور الأمريكي أكثر فاعلية لتنال ليبيا حريتها واستقلالها.
كيف تنظرون لآفاق مستقبل الثورة الليبية؟ وهل لدى الثورة رؤية أو مشروع واقعي للنجاح في المستقبل؟
نحن نرى أن الثورة الليبية هي ثورة واعدة وحقيقية؛ فعندما خرج الليبيون في 17 شباط/ فبراير 2011 لم تكن هناك قيادات سياسية تُحرّك الثوار، فانتفض الثوار مرة واحدة فكانت ثورة شعبية بمعنى الكلمة، وتلك كانت نقطة قوة وأيضا نقطة ضعف في الثورة الليبية، فنقطة الضعف تمثلت في عدم وجود قيادات سياسية لديها رؤى وتصورات ومشاريع واضحة منذ البداية.
وبعد نجاح الثورة قدّم الثوار للمشهد بعض النخب السياسية، التي لم توفق في أن تتجه بالثورة نحو الطريق الصحيح ورسم مشروع واضح يلتف حوله الجميع، وهنا تنازع الجميع بكل أطيافهم السياسية، وبالتالي، تدخلت بعض الدول الخارجية للعبث بالثورة الليبية ما أدى إلى تشتت الجهود، وإلى الآن لا يوجد مشروع واضح للثورة بكل أسف؛ فمشروع الثورة الوحيد كان في إسقاط النظام السابق وإصرار الشعب أن تكون ليبيا دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون، لكننا نأمل من خلال النخب الموجودة حاليا، وبعد أن تمايزت الصفوف وتبيّن الغث من السمين، أن تُفرز الآن الانتخابات القادمة قيادات حقيقية ووطنية تقود البلاد نحو التقدم ورفاهية العيش.
ناشط ليبي: ثورة 17 فبراير صمدت أمام هجمات عاتية
بلحاج لـ "عربي21": الحكومة الوطنية لها فرصة ثمينة لإنقاذ ليبيا
قيادي ليبي: الحكومة الجديدة أمامها فرصة لتثبت ولاءها للوطن