في الأيام الماضية، أثيرت أزمة على صفحات الفيسبوك، كان محورها خطأ إداري فادح من القائمين على لجنة الفحص باتحاد الكتاب، الذي تنص لائحته على أن يتقدم طالب العضوية بثلاثة كتب من تأليفه، وبعد أن تفحصها لجنة القيد، تقرر ما إذا كان مستحقا لعضوية الاتحاد أم لا، وفقا لمستوى كتابته ومدى جديتها ومطابقتها للمعايير الأدبية.
بدأت العاصفة على السوشيال ميديا بنشر صفحات من ديوان شاعر مجهول اسمه مصطفى أبو زيد، بعنوان "حروف من حب"، تضمنت قصيدة شهيرة لنزار قباني، هي "اختاري"، التي غناها كاظم الساهر، منسوبة لمصطفى أبو زيد تحت عنوان "مرهقة جدا". تردد صدى الفضيحة بين جنبات الفيسبوك، لأن الشاعر السارق نال مؤخرا عضوية النقابة العامة لاتحاد كُتّاب مصر، التي تعد النقابة الأكبر في المنطقة العربية.
ومع أنه لم ينل العضوية عن الديوان سابق الذكر، لكنه ناله عن ثلاثة دواوين وردت عناوينها في تقرير لجنة القيد، منها ديوان "أمير الحرف والعشق"، الذي ضم قصيدة أخرى مسروقة من نزار قباني أيضا، هي "حب بلا حدود". وتوالت فضائح الشاعر، فقد أعلن الشاعر الأردني سعيد يعقوب على الفيسبوك اتهام مصطفى أبو زيد بسرقة قصيدته "جاروا عليّ" التي ألقاها بعض طلاب الجامعة في فعاليات للإلقاء الشعري.
ثم جاءت التسريبات تباعا، فقد نُشر تقرير لجنة الفحص والقيد، الذي كتبه الشاعر فولاذ الأنور، ورافقه في التوقيع عليه الشاعران ناصر دويدار وعبده الزراع.
يكيل الأنور مديحا صريحا للشاعر السارق: "تنم لغة الأعمال المقدمة عن تمكن الشاعر من هذه الأداة المهمة من أدوات الشعر، وجاء حرصه على ضبطها بالشكل تأكيداً لهذا التمكن الملموس على الرغم من جنوحه في بعض الأحايين إلى استخدام اللغة أو اللهجة الدارجة خدمة لتجربته الشعرية فنياً... فقد اعتمد لإنجاح معماره الفني على الصورة الشعرية التي لونها في كثير من الأحيان بمهارة".
ومع أن عناوين دواوينه تبدو بالغة السذاجة ومفرطة في رومانسية طفولية زاعقة، (أمير الحرف والعشق مثلا) فقد أطنبت لجنة القيد في الاحتفاء بالشاعر السارق: "وراء هذه الأعمال المقدمة للفحص شاعر له تجربة طويلة مع الإبداع، اختار لنفسه العزف بشكل جديد على الإيقاع الداخلي لقصيدة النثر...لهذا أرى صلاحية هذه الأعمال لترقية صاحبها إلى عضوية النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر".
بالطبع، يمكننا أن نسأل عن سبب هذا الإطناب في امتداح نصوص لم يزد نصيب كاتبها من الإبداع أن يسرق نصوصا شهيرة تغنت بها أجيال قبله، ملفقا معها بعض قصائد النثر، منتحلا قصيدة من هنا ونصا نثريا من هناك..
اقرأ أيضا: لويس عوض.. ومعركة أصل العرب ولغتهم
لكن قبل الدخول في بعض التفاصيل ينبغي الإشارة إلى أن الشاعر عبده الزراع نشر اعتذارا صريحا على موقع اليوم السابع، اعترف فيه بالخطأ، موضحا أن دوره كان التوقيع على قرار الشاعر فولاذ الأنور، من باب "الترجيح" لقراره، خاصة أن الشاعر ناصر دويدار كان قد وقع قبله. كما صرح الأنور بدوره، لليوم السابع بتصريح لا يمكن التأكد من صحته، فقال إن نسخة ديوان "حروف من حب" التي قرأها لم تكن تحتوي على القصيدة المسروقة، موضحا أن الشاعر يمكنه طباعة نسخ محدودة العدد وإرسال بعضها لدار الكتب لاستخراج رقم إيداع، ثم يمكنه بعد ذلك طباعة أي عدد من النسخ، وقد يضيف إليها قصائد ويحذف غيرها.
قد يكون الأنور صادقا، لكنه لم يفسر لماذا كال المديح لشاعر سارق، تتفاوت سرقاته من نصوص قديمة، إلى حديثة، ومن تفعيلة إلى نثر...
أما مصطفى أبو زيد، بطل الفضيحة، فصرح لليوم السابع وغيره تصريحات تؤكد السرقة، مدعيا أن قصيدة نزار دخلت مع قصائد الديوان بسبب خطأ غير مقصود من ابنته، حين أرسلت ملفات القصائد للطباعة، فأخطأت بضم قصيدة نزار ضمن قصائده! دون أن يفسر أبو زيد سبب تغير عناوين قصائد نزار بعد سرقتها، فإذا كان الخطأ غير مقصود لجاءت قصائد نزار بعناوينها الأصلية، لكنه تصور أن تغيير العنوان قد يصرف القارئ عن السرقة!
لكن الفضيحة الحقيقية حدثت حين قرر اتحاد الكتّاب معاقبة أعضائه الذين تحدثوا عن الواقعة، وعبروا عن غضبهم من أداء لجنة القيد، وهو ما يذكرنا بوقائع مؤسفة أخرى، اعتقلت فيها الشرطة شابا قام بتصوير مقطع فيديو يوثق وفاة مرضى الرعاية المركزة في مستشفى حكومي بسبب نفاذ الأكسجين من المستشفى.. وهو ما يدفعنا للتساؤل عن المنطق الذي تُدار به مصر الآن، لكن هذا المقال يتناول نقابة اتحاد كتاب مصر، وليس الشأن السياسي العام، لذا سأكتفي بالتساؤل: هل أصبحت المؤسسات الثقافية نسخة مصغرة من "الدولة المصرية"؟
الأغرب أن اتحاد الكتاب نقابة عامة، أي مؤسسة مستقلة عن الدولة، والمعروف أن النقابات دورها الأساسي حماية أفرادها من قمع السلطات المختلفة؛ سواء سلطة رأس المال أم الأمن أم الرقابة.. فكيف تتماهى نقابة عامة مع الأجهزة الأمنية التي لا ترى الجريمة إلا في توثيقها، ولا ترى المسؤول عنها إلا من قام بفضحها وليس مرتكبها الحقيقي!
رأى مجلس إدارة الاتحاد في غضب الأعضاء "قصدًا للنيل من مكانة النقابة ودورها والإساءة إلى لجانها القانونية ومجلسها، فهنا أمر لا يمكن قبوله أو التهاون فيه"، باعتبار أن القصيدة الشهيرة لنزار نشرت في ديوان آخر لم يتقدم به السارق لعضوية الاتحاد، وتغافل مجلس الإدارة عن أن أحد الدواوين التي فحصتها لجنة القيد تضمن قصيدة أخرى لنزار، كما تغافل المجلس عن شلال المديح الذي صبته اللجنة على الشاعر السارق.
حين زرتُ موقع اتحاد الكتاب بحثا عن نص البيان السابق صدمتني واجهة الموقع، حيث جميع الأخبار الموجودة تتضمن صورة رئيس الاتحاد، الدكتور علاء عبد الهادي، سواء وحده أو مع غيره، وهذا ما قد يفسر غضبه الشديد من 21 عضوا أحالهم للتحقيق والتأديب بسبب تعبيرهم عن الغضب على صفحاتهم على الفيس بوك.
من البديهي أن الكتابة فعل منحاز للحرية. من البديهي أن نقابةً للكتاب لا يمكن تصور دورها بلا حرية تامة لكافة أعضائها.
فإذا حاولنا تأمل المشاركة السياسية للكتاب المصريين منذ ظهور دولة 30 يونيو، سنلاحظ أن معظم الكتاب، سواء في النقابة العامة أو خارج مظلتها، تماهوا تماهيا شبه تام مع نظام 30 يونيو، نكاية في الإخوان المسلمين.
مضى الوقت وذاق المصريون جميعا نتيجة هذا النظام، فمتى يحين الوقت لمراجعة النفس، والتفكير في إقرار أصول لممارسة سياسية تسمح بشتى درجات الاختلاف دون أن تمنح أي سلطة قدرة على قمع المختلفين وقتلهم في الشوارع؟ لأن نتيجة القمع هي ما نعاينه جميعا من تردي كل تفصيلة من تفاصيل الحياة في مصر.
أما ما لم أفهمه أبدا، فهي صورة رئيس اتحاد كتاب مصر علاء عبد الهادي مع الطاغية بشار الأسد، متصدرة بيانا يتضامن فيه الاتحاد مع سوريا ضد تركيا. ولا يهمني طبعا مناقشة موقف سياسي من تركيا، لأن المفاجأة التي صعقتني حقا هي قدرة رئيس اتحاد كتاب مصر على نشر صورته بجوار طاغية قتل مئات الآلاف من أبناء شعبه، مرة أخرى من أجل النكاية في تركيا والإخوان المسلمين، وكسب رضا النظام المصري، الذي أسرف الاتحاد في تهنئة رئيسه عبد الفتاح السيسي بفوزه بالرئاسة دون انتخابات سنة 2018، دون أن يجرؤ على سؤاله عن تيران وصنافير مثلا!
هكذا غضب رئيس اتحاد كتاب مصر على منتقديه دون أن يجد حرجا في نشر صورته مع سفاح.