هو الأزهري السابع في هذه السلسلة، والشاعر الثالث الذي أقام وعاشر وناظر شعراء وأدباء النهضة
الأدبية في مصر (التي سبقت ما اتُّفِق على تسميته النهضة الأدبية
الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي)، وهو أحد رواد
الرواية العربية.. إنه الشاعر الأديب محمد بن أحمد التميمي (1824- 1924).
في الوقت الذي تُجمع فيه الأوساط الأدبية المصرية على أن أول رواية عربية هي رواية "زينب" للكاتب الدكتور محمد حسين هيكل في العام 1914، يتبيّن لنا ـ حسب النقاد ـ أن لبنان سبق في إصدار الرواية التي قيل إنها الأولى، وهي رواية "حُسن العواقب" لزينب الفوّاز في العام 1899، وتلته فلسطين برواية "الضحية"، ثم العراق في "الرواية الإيقاظية" لسليمان فيضي في العام 1919، أما الخليج فكانت روايته الأولى في السعودية عام 1930 برواية "التوأمان" لعبد القدوس الأنصاري.
إلا أن الدكتور عبد الرحمن ياغي خالف ذلك كله، وأكّد في كتابه "حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى النكبة"، والصادر عن دار الآفاق في بيروت في العام 1981، أن رواية "الدرّ النظيم في قصة أم حكيم" للفلسطيني محمد أحمد التميمي، الذي كان يقيم في مصر، كانت الرواية الفلسطينية الأولى، والحديث هنا عن العام 1888 كتاريخ للنشر، أي أنها أيضاً الرواية العربية الأولى على الإطلاق.
ولد محمد بن أحمد التميمي في مدينة الخليل عام 1824م. وترعرع فيها ثم سافر مع والده الشيخ المفتي أحمد التميمي وهو صغير السن إلى مصر، ذلك أن إبراهيم باشا المصري حين قام بحملته على بلاد الشام، التقى بوالده في فلسطين وأُعجب به وبمواهبه العلمية ومكانته الدينية فدعاه للعودة معه إلى مصر، وعهد إليه بمنصب الإفتاء في الديار المصرية..
الوالد كان مدرسةً في الفقه الحنفي ومرجعية المذهب في الديار المصرية، وقد أسس مكانته الاجتماعية والسياسية من خلال العلم والتعليم والفقه والإفتاء. وقد مات وعنده ولدان، عبد الرحمن الذي كان مبذراً فأتلف ما ورثه من ثروة أبيه الطائلة، ومحمد الشاعر الأديب المدبّر المحافظ، الذي كان أمين سرّ والده ورفيقه في الدروس والأسفار، فورث علاقات وصفات والده وثروته.
درس محمد التميمي في الأزهر، وقد درّسه في ذلك العهد أبوه وعددٌ من علماء الأزهر الذين كان يراهم يترددون على مجالس أبيه. ولكن محمداً جعل جُلَّ اهتمامه في الشعر والأدب.
سافر إلى الآستانة مع والده، بدعوة من السلطان آنذاك، والتقى مع والده هناك بكبار رجال عاصمة الخلافة وعلمائها، واطّلع على أحوالها العلمية والثقافية والسياسية..
في القاهرة، التقى خطيب الثورة العرابية الشيخ عبد الله النديم أيام اختفائه في القرشية عند المرحوم أحمد باشا المنشاوي.. وكان النديم يسمّي نفسه السيد علي الإدريسي اليمني، زيادة في الحذر والتخفي.
وكان التميمي يحضر مجالساته كل ليلة، لكنّه شكّ بأمر النديم، ولما أيقن أن جليسه في هذه السنوات هو النديم.. رجع إلى بيته وكتب إليه:
يا أَبُّها الحَبْرُ الّذي .. كَالبَحْرِ يَبْعُدُ سَاحِلُهْ
مَنْ كَانَ مِثلكَ فَاضِلاً .. نَمَّتْ عَلَيهِ فَضَائِلُهْ
وأرسل البيتين مع خادمه إلى مكان المجلس في القرشية، ولما قرأهما النديم، ارتاع وخشي على نفسه، فلما جنّ الليل جاء التميمي على عادته ولكن هذه المرة لقيه بالعناق متأكداً من السرّ الذي عرفه، دون أن يبوح به لأحد.
توفي التميمي في القاهرة سنة 1924م.
من أهم أعماله الأدبية:
ـ الدرّ النظيم في قصة أم حكيم (رواية). طبع في القاهرة سنة 1888م.
ـ ديوان الصفا (ديوان شعر)
ـ مقامة (غزل العيون). اختلف فيها النقاد إن كانت له أم لأديب يحمل اسماً مشابهاً.
وعندما نتحدث عن التميمي باعتباره من الرواد العرب الأوائل لفن الرواية، فهو ليس حديثا عن تنافس على منصب الصدارة بقدر ما هو حديث عن الأثر الفلسطيني كما ارتسم في مختلف فنون الأدب والفكر والثقافة، بما ثبّت الهوية الفلسطينية الراسخة رغم كل محاولات الاحتلال طمسها. فالرواية كما الشعر هي في نهاية المطاف تجربة إنسانية عاكسة لحياة صاحبها بكل تفاصيلها.
*كاتب وشاعر فلسطيني