تُخطئ السعودية مرتين، إذا راهنت على مصطفى الكاظمي في التعاون معها، وإحراز تقدم في علاقات البلدين، مرة، لأن الرجل لم يملأ مكانه بعد، وما زال يتخبط في سياساته الداخلية، التي تشكل الركيزة والمنطلق، لتعزيز سياساته الخارجية، ومرة ثانية، لأنه واقع تحت ضغوط الأطراف والمليشيات الولائية لإيران، وغير قادر، على مواجهتها، والتصدي لمشاريعها التخريبية في اتخاذ قرارات جريئة ورصينة، بما يخدم استقرار العراق، ويضمن عودته إلى حاضنته العربية، وتطوير صلاته مع بلدان الجوار، والدول الإقليمية والأجنبية، بتوازن وتكافؤ، برغم أنه يملك صلاحيات سياسية وعسكرية واسعة، بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية، وقائداً عاماً للقوات المسلحة.
وصحيح أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يحمل وداً ومحبةً للكاظمي، وسبق وناشد، رئيس الحكومة السابق، عادل عبدالمهدي، نهاية العام 2019، أن يوفده إلى الرياض، لإجراء مباحثات مع نظيره، رئيس المخابرات السعودية، إلا أن عبدالمهدي، الغارق في المستنقع الإيراني، أرسل فالح الفياض، بدلاً منه، حيث أمضى الأخير، يومين في السعودية، قضاهما في حضور المآدب والولائم، وشرب ربع طن من القهوة الصفراء المُهيّلة، وعاد إلى بغداد، من دون أن يقابل العاهل السعودي وولي عهده، والمعنى والمغزى واضحان.
وصحيح أيضاً، أن الكاظمي، يختلف عن أسلافه رؤساء الحكومات السابقين، لأنه غير حزبي، مثل إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ويسعى إلى الانعتاق من القبضة الإيرانية التي تخنقه، إلا أنه، وهذه مشكلة تُلازمه، لا يملك إرادة حرة، في رسم سياسات، واتخاذ إجراءات، تنقله من دائرته المحشورة في المنطقة الخضراء ببغداد، إلى فضاء أوسع، يؤمن له، حركة وخيارات، تصب في صالحه، وتقدمه كمسؤول، حريص على مصالح بلده، والمصيبة، أنه أمضى قرابة عام، في مواقعه، لم يُعط إشارة واحدة، على استقلاليته، ولم يخطُ خطوة واحدة، في تنفيذ وعوده، التي يُعيدها ويُكررها، من دون أن نلمس جديتها، أو نرى صفحة واحدة يُنفذها، وفي مقدمتها، معالجة سلاح المليشيات، ووقف استعراضاتها العسكرية، وشلّ عبثها وفوضويتها.
ولو تمعن مصطفى الكاظمي ملياً، في تصريحات هيئة الحشد، التي نفت صلتها باستعراض (ربع الله)، الخميس الماضي، وطابقها مع تغريدة المسؤول العسكري لكتائب حزب الله، أبو علي العسكري، وفيها يعترف علناً، ان (الربعيين)، جزء من قوات الحشد، وكانوا في مهمة للدفاع عن (بلدنا العزيز)، وتسببت عوامل أمنية وفنية، في تغيير مسار رتلهم المسلح، إلى وسط العاصمة، فإنه، أي الكاظمي، ليس أمامه ـ إذا كان يحترم نفسه ووظيفته ـ غير اتخاذ قرار باحالة صاحب تصريح الهيئة، وأبو علي، إلى التحقيق، لكشف ملابسات الاستعراض المذكور، خصوصاً وأن العسكري، وصف، في تغريدته الساخرة، أن عمليات نقل قوات الحشد وتحركاتها، لا تحتاج إلى تنسيق مع أي جهة، وأشار أيضاً، إلى أن ما حدث، كان مجرد، أن بعض الشباب المتحمس، المشارك في الاستعراض، قد عبّر عن مطالب حقة.
الكاظمي، يختلف عن أسلافه رؤساء الحكومات السابقين، لأنه غير حزبي، مثل إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ويسعى إلى الانعتاق من القبضة الإيرانية التي تخنقه، إلا أنه، وهذه مشكلة تُلازمه، لا يملك إرادة حرة، في رسم سياسات، واتخاذ إجراءات، تنقله من دائرته المحشورة في المنطقة الخضراء ببغداد، إلى فضاء أوسع
وبالتأكيد فإن الكاظمي، إذا كان رجل دولة، كما يدعي، ورئيس حكومة فعلي، وقائد عام للقوات المسلحة حقيقي، فإنه لا يحتاج إلى أدلة وحيثيات، لإدانة هيئة الحشد، التي أنكرت صلة (الربع) بها، ولا يحتاج أيضاً، إلى جهود وشهود، لسحب أبو علي العسكري، من (ياخة) قميصه، وإيداعه الحبس، لأنه انتهك القوانين المدنية والعسكرية، وتحدى الحكومة التي تعطيه رواتب ومخصصات مفتوحة، وتمنحه وظيفة ومكانة، لا يستحقهما.
ولا ندري، كيف سيجيب الكاظمي، عن تساؤلات مضيفيه السعوديين، وهم يناقشون معه، قضايا وموضوعات تُهدّد أمنهم الوطني، بعد أن اتضح أن مليشيات ولائية إيرانية، ترابط على حدودهم الشمالية، وثبت أنها أطلقت صواريخ، على مدنهم ومنشآتهم؟ وكيف سيُقنعهم بجدوى التبادل التجاري والصناعي بين البلدين، وإحدى وزارات حكومته (الموارد المائية) منعت مشروعاً اقتصادياً ضخماً، تكفلت الرياض بإنشائه وتمويله بالكامل، في البادية الجنوبية، وريعه يخدم العراق، ويوفر آلاف فرص العمل للعراقيين، وحجة الوزارة أنها (لا تستطيع توفير المياه للمشروع)؟ مع أن السعودية، تعهدت بحفر عشرات الآبار، ومدّ شبكة أنابيب عملاقة، لإنجاح المشروع، وإنعاش المنطقة.
نتمنى، ونحن دعاة تضامن عربي، وسعاة إلى العمل العربي المشترك، أن ينهض العراق، ويغادر أزماته، ويخرج من أسره الإيراني، ويعود إلى دوره الحيوي، في خدمة شعبه وأمته، إنها أمنيات نأمل أن تتحقق، ولكن نعرف، سلفاً، أن موالي الجارة الشرقية، ما داموا أصحاب سلطة ونفوذ، وحملة سلاح، لن يسمحوا بذلك.
وَمَنْ يَجْعِلِ الضُّرْغامَ بَازاً لِصَيْدِهِ..
هل يزور الأمير محمد بن سلمان الخرطوم؟
أَبَاطِرَةُ القُوَّة في الغَابَة البَشَريَّة