قالت صحيفة "
وول ستريت جورنال" إن أغلى لوحة فنية
تم بيعها على الإطلاق عُرضت على يخت ضخم في مرساه في البحر الأحمر بعد رحلة مشؤومة
إلى باريس حيث أدى نزاع دبلوماسي إلى إبعادها عن معرض دافنشي في متحف اللوفر.
كانت لوحة ليوناردو دافنشي "سالفاتور موندي" (المسيح
المخلّص)، معلقة في يخت "سيرين" المملوك لولي العهد السعودي الأمير محمد
بن سلمان البالغ طوله 439 قدما حتى أواخر العام الماضي، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
رسا اليخت قبالة الساحل الشمالي الغربي للسعودية قبالة مدينة نيوم المستقبلية المقترحة
والتي تمثل بصمة لجهود ولي العهد لتحديث البلاد.
أسر مصير اللوحة، بعد بيعها بمبلغ 450 مليون دولار في عام
2017، عالم الفن. ولم تعرض اللوحة للعامة منذ ذلك الحين، حيث زعم بعض المطلعين في عالم
الفن أنه تم تخزينها في مستودع في سويسرا. لكن شخصا شاهد العمل الفني المعروض في يخت "سيرين" العام الماضي قال إنه "مندهش للغاية لأنه لم يكن في سويسرا كما يعتقد الآخرون".
عرف آخرون أنه كان في
السعودية لكنهم لم يعرفوا بالضبط أين.
يخت ولي العهد الأنيق باللونين الأبيض والأسود -والذي اشتراه
في أواخر عام 2016 بعد أن تم تجهيزه في عام 2011 بمهبطين للطائرات العمودية وثلاثة
أحواض سباحة وعشر غرف فاخرة وجدار تسلق داخلي- يرسو الآن في حوض بناء سفن هولندي للصيانة.
وقال شخصان مطلعان إنه قبل وقت قصير من مغادرة "سيرين" للصيانة، نُقلت اللوحة
إلى مكان سري داخل السعودية.
وانتشرت الشائعات حول مكان وجود اللوحة منذ أن كتب تاجر الأعمال
الفنية كيني ستشاتشر على موقع Artnet.com في حزيران/ يونيو 2019 أنه تم أخذها ليلا ونقلها
إلى اليخت.
قال ستيفن إريسوتي، وهو عامل ترميم فني في فيلادلفيا عمل
على لوحات كبار الفنانين، إن محيط مياه البحر في "سيرين" قد يعرض طبقات الخشب
وأصباغ الطلاء التي يبلغ عمرها 500 عام للخطر إذا تعرضت اللوحة لدرجات حرارة متقلبة
باستمرار أثناء وجودها على متن القارب.
قال إريسوتي: "اللوحات معقدة، وهياكلها متعددة الطبقات،
وتحب الاستقرار.. وكانت هذه اللوحة غير مستقرة أصلا"، في إشارة إلى أعمال الترميم
المكثفة التي ملأت أجزاء من وجه المسيح وردائه قبل بيع العمل الفني.
وأضاف المسؤول عن الترميم أن اللوحة يمكن أن تظل دون أن تصاب
بأذى إذا تم عرضها في غرفة ذات تحكم دقيق في درجة الحرارة والرطوبة.
اشترى محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS، لوحة ليوناردو في مزاد كريستيز عام 2017. تم تقديم المزايدة من خلال
الأمير بدر بن عبد الله بن محمد، وهو شخصية أقل شهرة وأحد أقارب ولي العهد. وقال الأمير
بدر في ذلك الوقت إنه قدم عرضا باعتباره "داعما محبا" لمتحف اللوفر أبوظبي،
وهو متحف جديد في دولة الإمارات المجاورة. قال ذلك المتحف إنه سيكشف النقاب عن اللوحة
لكنه لم يفعل ذلك أبدا.
كان من المفترض بعد ذلك عرض العمل الفني في متحف اللوفر في
باريس في أواخر عام 2019. أكد فنسنت ديليوفين، أمين متحف اللوفر، في الأسابيع التي
سبقت افتتاح المعرض أنه طلب من مالكي "سالفاتور موندي" استعارته لمعرضه الرائد،
الذي تزامن مع الذكرى الخمسمائة لوفاة كبير فناني عصر النهضة.
ثم كما هو الحال الآن، دار الجدل حول أصالة اللوحة. قال ديليوفين
في ذلك الوقت إنه يعتزم تضمين البحث الذي أجراه فريقه أثناء وجود اللوحة في باريس قبل
العرض، والذي يشير إلى أن علماء اللوفر يؤيدون فكرة أن ليوناردو قد رسم صورة المسيح.
كان من الممكن تضمين هذه النتائج في كتالوج المعرض لو تمت إعارة اللوحة للمعرض مما
يمنح العمل الفني مصادقة مهمة بخصوص أصالتها، وهو أمر كان السعوديون يأملونه.
لم يتم عرض اللوحة قط. وفقا لمسؤولين سعوديين وفرنسيين، شحنت
المملكة اللوحة إلى فرنسا لكنها رفضت لاحقا إعارتها للمعرض بعد أن رفض أمناء متحف اللوفر
تعليقها بجوار "الموناليزا"، تحفة ليوناردو، التي يعتبرها المتحف غير قابلة
للنقل، والمعلقة في قاعة مشيدة خصيصا لاستيعاب الحشود الهائلة والحراسة المشددة.
قال مسؤول سعودي مطلع على حالة الجمود: "رفض كلا الطرفين
التزحزح.. بالنسبة للمملكة، كان من الأهمية بمكان أن تحصل على ما تريد بعد النقد الذي
تعرض له ولي العهد لدفع ما يقرب من نصف مليار دولار مقابل لوحة متنازع على مصداقيتها".
وأضاف المسؤول: "لن أقول إنها مواجهة دبلوماسية كاملة
بين البلدين، لكن ولي العهد شعر بالإهانة من الفرنسيين".
لم يستجب المتحدثون باسم الحكومة السعودية إلى طلب التعليق
على الأمر.
وقال مسؤول فرنسي مطلع على النزاع إن وزارة الخارجية قلقة
من أن الحادث قد يكون له تأثير كبير على العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية الواسعة
النطاق بين فرنسا والسعودية.
قد يتلخص بعض الخلاف في سوء فهم مدى أهمية "الموناليزا"
في متحف اللوفر. قال ديليوفين، أمين المعرض الذي أمضى عقدا من الزمن في جمع الأعمال
لمعرض ليوناردو، إنه لم يطلب حتى استعارة الصورة الشهيرة، المعلقة في القاعة التي تقع
في الطابق أعلى صالات العرض المستخدمة لعرض ليوناردو. وقال المتحف في ذلك الوقت إن
"الموناليزا" تجذب عادة ما يصل إلى 30 ألف شخص يوميا، أكثر من أربعة أضعاف
الحشود التي كان عرض ليوناردو قادرا على التعامل معها بأمان.
يميل الفن في السعودية إلى الظهور في أي مكان تمليه عليه
ملوكها، لذا يبدو أن فكرة عدم إمكانية تغيير مكان لوحة واحدة لتلائم رغباتهم أمر صعب
عليهم فهمه.
أثارت الأسئلة حول المصير النهائي للوحة "سالفاتور موندي"
داخل السعودية أيضا اضطرابا في عالم الفن. قالت وزارة الثقافة في المملكة لصحيفة "وول
ستريت جورنال" العام الماضي إنها تخطط لبناء متحف جديد لعرض العمل كجزء من جهد
بمليارات الدولارات لجعل السعودية وجهة فنية عالمية.
قد يكون ظهور اللوحة في نهاية المطاف هناك أمرا حساسا لأن الحملة
الثقافية للبلاد تتوقف على إبراز تاريخها كمركز للإسلام، وليس عرض صورة الفنان الأوروبي
للمسيح على أنه "منقذ العالم"، وهو معنى عنوانها اللاتيني.
قال ستيفانو كاربوني، الرئيس التنفيذي للجنة المتاحف بالوزارة،
العام الماضي: "إنها مسألة إدراك. ماذا تقول عن الهوية السعودية إذا وضعنا صورة
تلك اللوحة على ملصق؟".
وقال كاربوني إنه يأمل في عرض أعمال ليوناردو في متحف للفن
الغربي يمكن أن يكون بجوار متحف آخر يركز على الفن الإسلامي، وهو المحور الأساسي للمملكة.
لم يتم بناء تلك المتاحف بعد.