ليلة الأربعاء 14 نيسان (أبريل) 2021 هي ليلة إعلان الرئيس جو بايدن عن تنفيذ كامل لما اتفقت عليه الولايات المتحدة ومنظمة طالبان في الدوحة وبوساطة دولة قطر التي رعت أصعب مفاوضات سياسية وعسكرية لوضع حد لأطول حرب دموية خاضتها القوات الأمريكية في العالم والتي طالت عشرين عاما ومات فيها كما قال بايدن 2300 من الجنود الأمريكيين وجرح فيها 20 ألفا آخرين ودمرت فيها عائلات أمريكية وأفغانية على مدى عقدين.
لحظة تاريخية
من العبارات المؤثرة التي قالها بايدن في البيت الأبيض يوم الأربعاء نقتطف هذه الحكمة التي تدل على وعي الرئيس بفداحة اللحظة التاريخية التي تعيشها الأمة الأمريكية والشعب الأفغاني.. قال الرئيس: "أنا رابع رئيس أمريكي عاش تلك الحرب ولا أنوي توريث الرئيس الخامس القادم بعدي هذه التركة المأساوية...". نعم انتصر السلام الذي رعته دولة قطر بأدواتها الدبلوماسية وبجملة القيم والمبادئ السامية التي تقود سياساتها الخارجية.
وكما قال السيد عبد الله عبد الله وهو رئيس الطرف التشريعي الأفغاني المشارك في الاتفاق فإن "رعاية قطر للمفاوضات مستمرة ولا تنتهي بقرار بايدن لأن هذه المفاوضات ستصبح أفغانية أفغانية وسينتج عنها بعد زمن قصر سلام دائم نطمح إليه جميعا".
من جهته صرح الأمين العام لحلف الناتو بأن قوات الحلف معنية بهذا القرار، ففي أفغانستان اليوم قوات أمريكية طبعا ولكن أيضا قوات لـ 36 دولة هي أعضاء في الحلف، وتهمنا كل التطورات المتعلقة بانسحاب قواتنا من أفغانستان والملاحظ أن الرئيس بايدن لم يعلن عن انسحاب القوات الأمريكية بداية من أول أيار (مايو) المقبل إلى يوم 11 أيلول (سبتمبر) التاريخي إلا بعد الاطمئنان إلى موافقة الكونغرس الذي قالت رئيسته السيدة الحديدية نانسي بيلوسي إن القرار الرئاسي أتى في وقته لحماية مصالح أمتنا لأن هذه المصالح ـ كما قالت ـ تكمن اليوم في الانسحاب لا في البقاء هناك.
أما وزير الدفاع الأمريكي فقد عبر عن موقف البنتاغون المؤيد للرئيس فقال: "إن انسحاب قواتنا ليس نهاية علاقاتنا مع الشعب الأفغاني الصديق بل إنه يرسم ملامح مرحلة جديدة تتسم بحماية الشعب الأفغاني و منع كل محاولة من حركة طالبان ومن غيرها لخرق الاتفاق والاستيلاء على السلطات بطريقة غير شرعية وخارج الأطر الديمقراطية. وهو ما يتجاوب مع بعض مخاوف الرئيس أشرف غني الذي عبر عن أمله في أن تبقى خطوط التفاهم مفتوحة مع الحليف الأمريكي للتصدي لكل طارئ وبالتلاؤم مع كل تطور للأوضاع على الأرض.
قرار حكيم
ورغم تحفظ عضو الكونغرس الناشط ليندساي غراهام على قرار الانسحاب فإن أغلبية المشرعين في واشنطن (حسب استطلاع وكالة بلومبيرغ) يؤمنون بأن القرار حكيم لأسباب عديدة منها أنه بحسب وزير الدفاع الأمريكي فقد أصبح الجيش الحكومي الأفغاني أقوى من ذي قبل وسيواصل المدربون والمؤطرون التابعون للقوات الأمريكية والألمانية تدريب القوات الأفغانية بما يجعلها تصمد و تقاوم كل خروج عن اتفاق الدوحة.
يبقى أن البرلمان الأفغاني أبدى احترازات مفهومة وعادية وطلب من الإدارة الأمريكية مراجعة القرار وتأخير الانسحاب وهو ما ألح عليه السيد ليندساي غراهام حين قال بأن وضع أفغانستان السياسي صعب ومعقد وعلى الإدارة التعامل معه على هذا الأساس.
لمحة تاريخية للحضور الأمريكي في أفغانستان تعطينا فكرة عن عشرين سنة من التصادم والحرب؛ فقد كانت القوات الأمريكية هناك حاضرة عام 2011 بـ 100 ألف جندي ثم تقلص العدد في عهد الرئيس أوباما إلى 70 ألفا عام 2012، وتراجع بقرار من أوباما عام 2014 إلى 34 ألفا.. وكان وعد أوباما بأن كل القوات الأمريكية ستنسجب عند نهاية عهدته الثانية أي عام 2016، لكن فوز ترامب المفاجئ رفع العدد الى 84 ألفا ثم تراجع العدد تحت ضغط حركة طالبان و المجتمع المدني الأمريكي و منظمة الأمم المتحدة حتى وصل اليوم إلى 10 آلاف سيتم سحبهم تدريجيا إلى يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2021.
هذا هو نتاج الوساطة الخيرة القطرية بتوجيه من قيادة الدولة وحرص من صاحب السمو أمير قطر المفدى على نشر السلام والأمن في كل أرجاء العالم.
هل يمكن لقوة عظمى واحدة السيطرة على العالم اليوم؟
سراب التشاطر السلطوي في كابول
العدو.. ما لا بد وما ليس منه بد