بدا
القيادي الفتحاوي المفصول محمد
دحلان أحد أكبر المستفيدين من إصدار المرسوم
الرئاسي التوافقي لإجراء الحزمة الانتخابية الكاملة في
فلسطين، حيث سعى لاستغلال
الأجواء الانتخابية لشرعنة تياره وتبييض صفحته شخصيا وسياسيا وإعلاميا، علما أن
الأمر يقتصر حتى الآن على
غزة وبدرجة أقل القدس، في ظل حملة التضييق الصارمة ضده
في الضفة الغربية بعدما رفض الرئيس محمود عباس (عن حق ولو لحسابات شخصية وسياسية فئوية
ضيقة) كل الضغوط العربية والدولية للتصالح مع دحلان وإعادته إلى المشهد السياسي بذريعة
توحيد حركة فتح ورصّ صفوفها قبل
الانتخابات، بينما قبلت
حماس ذلك في غزة نتيجة حسابات
ومصالح حزبية وسياسية فئوية، تضمنت أساسا التقارب وتحسين العلاقات مع النظام المصري؛
عرّاب أو أحد عرابي دحلان (مع نظيره الإماراتي) بهدف الحفاظ على سلطتها المحلية وتحسين
الأوضاع الاقتصادية الكارثية والمأساوية بمساعدات إماراتية عبر دحلان وتياره، إضافة
طبعا إلى تخفيف الإجراءات الخانقة التي تفرضها القاهرة باعتبارها أحد أضلاع مثلث حصار
غزة الثلاثة؛ مع إسرائيل والرئيس عباس نفسه.
دحلان
كان قد فُصِل من حركة فتح بقرار من اللجنة المركزية (2011)
وتمت محاكمته في قضايا فساد ونهب للمال العام، ما اضطره للمغادرة والتنقل بين
القاهرة وعمان قبل أن يستقر في أبو ظبي للعمل كموظف في مكتب حاكمها الفعلي محمد بن
زايد، وبات إحدى أدواته الإقليمية التخريبية في ملفات عديدة تمتد من صربيا -التي
يحمل جنسيتها- والجبل الأسود شمالا إلى إثيوبيا والصومال جنوبا، ومن اليمن شرقا إلى سوريا وليبيا غربا، متحولا إلى نسخة محدثة عن بندقية الإيجار صبري البنا (أبو
نضال) الذي انشق باكرا جدا في سبعينيات القرن الماضي عن حركة فتح ليؤسس التنظيم
سيئ الصيت المسمى المجلس الثوري.
حاولت الأنظمة العربية الداعمة لدحلان طوال السنوات الماضية وأكثر من مرة الضغط على الرئيس محمود عباس للتصالح معه؛ بحجة المصالحة الحزبية داخل فتح نفسها قبل الحديث أو السعي للمصالحة الوطنية مع حماس
حاولت
الأنظمة العربية الداعمة لدحلان طوال السنوات الماضية وأكثر من مرة الضغط على الرئيس
محمود عباس للتصالح معه؛ بحجة المصالحة الحزبية داخل فتح نفسها قبل الحديث أو السعي
للمصالحة الوطنية مع حماس، وصل الأمر لدرجة تأجيل سفر عباس وتأخير إقلاع طائرته من
القاهرة (2016) لإجباره على لقاء شخصي مع دحلان لتكريس المصالحة بينهما.
سعى
النظام المصري بعد ذلك إلى تعويم دحلان عبر عقد سلسلة من الندوات والمؤتمرات
لقيادات ومقربين منه، برعاية مباشرة من المخابرات المصرية، في مدينة الغردقة الساحلية
(صيف 2017) بحجة نقاش القضية الفلسطينية، بما في ذلك المصالحة بين فتح وحماس، وفي السياق
التحاور حول كيفية تحسين مناحي الحياة المختلفة في غزة. ومن هنا ولدت فكرة التصالح
مع حماس أولا، وبالتالي تسهيل عودة دحلان إلى المشهد الفلسطيني عبر البوابة الغزاوية.
بناء
عليه اضطر النظام المصري، وضمن أسباب سياسية وأمنية أخرى طبعا، لإنهاء القطيعة مع
حماس وسلطتها وتخفيف الحصار ضد غزة، بما في ذلك إعادة فتح جزئية لمعبر رفح بعد إغلاقه
لشهور طويلة، وإدخال بضائع ومستلزمات إنسانية أخرى بما فيها الوقود والغاز، مقابل
تشريع نشاط تيار دحلان التنظيمي هناك ولو تحت ستار العمل الاجتماعي والإنساني.
واستطرادا أيضا، استأنف النظام المصري وساطته بين حماس والرئيس عباس للمصالحة وإنهاء الانقسام
بين الضفة وغزة ضمن الواقع الراهن في هذه الأخيرة، بما في ذلك حضور دحلان وتياره
في المشهد السياسي الفلسطيني العام.
لم تنجح
تلك المساعي وفشلت في إحداث تعويم حقيقي لدحلان وتياره بشكل جدي غزاويا أو فلسطينيا، حتى توزيع
مساعدات اجتماعية وإنسانية جاءت أقرب إلى المسكنات قياسا للواقع الغزاوي المأساوي،
في ظل رفض قطاعات واسعة التعاطي مع أو الانفتاح على فكرة تعويم دحلان مرة أخرى. ثم
تعرقلت القصة كلها إثر انخراطه الفعلي بالسياسات الإماراتية الداعمة لصفقة القرن
الأمريكية ودوره المعلن في إنجاز التطبيع التحالف بين أبو ظبي وتل أبيب، ما أدى إلى فتح قنوات اتصال مباشرة بين حماس ورئاسة السلطة في رام الله للحوار حول كيفية
مواجهة تلك الأخطار، وجرى التوافق على إجراء الحزمة الانتخابية الكاملة التشريعية
والرئاسية بالتتابع وضمن سقف زمني معين وفق الواقع الحالي، على أن تمثل الانتخابات
مدخلا لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الوطني الفلسطيني بعد ذلك.
قبل
أن يجف حبر المرسوم الرئاسي الانتخابي سافر رئيسا جهازي المخابرات المصري والأردني،
عباس كامل وأحمد حسني، إلى رام الله منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، للضغط مرة
أخرى على عباس للتصالح مع دحلان بحجة ترتيب ورصّ صفوف فتح خشية خسارة الانتخابات
لصالح حماس، كما لتسهيل دعم النظامين للسلطة والرئيس عباس شخصيا بعد انتهاء حقبة
دونالد ترامب.
واجه محمود عباس الضغوط العربية والدولية بعناد، ورفض رفضا قاطعا التصالح مع حليفه السابق وخصمه الحالي لأسباب شخصية وسياسية، منها شعوره بتجهيز دحلان عربيا وإسرائيليا ليكون بديلا له في قيادة فتح والشعب الفلسطيني
الضغوط
الداعمة لدحلان جاءت دولية أيضا، حيث تدخلت روسيا لصالحه عبر استقبال وفد من تياره
(كانون الثاني/ يناير الماضي) في أول نشاط سياسي علني له خارج العلاقات الأمنية مع
رعاته في أبو ظبي والقاهرة، ثم أوصل السفير الروسي لدى رام الله (شباط/ فبراير)
رسالة رسمية من حكومته للرئيس عباس تدعوه للتصالح مع دحلان، وفق نفس المبررات المصرية
والأردنية والإماراتية، علما أن أبو ظبي حضرت في خلفية التحرك الروسي من استقبال
وفد التيار في موسكو إلى الضغط على عباس في رام الله للتصالح معه.
واجه
محمود عباس الضغوط العربية والدولية بعناد ورفض رفضا قاطعا التصالح مع حليفه
السابق وخصمه الحالي لأسباب شخصية وسياسية، منها شعوره بتجهيز دحلان عربيا وإسرائيليا ليكون بديلا له في قيادة فتح والشعب الفلسطيني؛ القصة التي باتت
بمثابة سر معلن، حتى أن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو حذّر علنا ذات مرة من سعي
أبو ظبي لتنصيب عميل إسرائيلي في قيادة الشعب الفلسطيني.
في المقابل،
تعاطت حماس مع الأمر بانفتاح وإيجابية، وسمحت بعودة دحلان وتياره للعمل السياسي
والحزبي عبر عودة معظم بل جلّ قيادات التيار إلى غزة، باستثناء دحلان نفسه، وأعطتهم
مساحة حركة كاملة في سياق إشاعة الحريات العامة قبل الانتخابات، بالتوازي مع جلب مساعدات
إماراتية تحت ستار الدعاية الانتخابية.
تعاطت حماس مع الأمر بانفتاح وإيجابية، وسمحت بعودة دحلان وتياره للعمل السياسي والحزبي عبر عودة معظم بل جلّ قيادات التيار إلى غزة، باستثناء دحلان نفسه، وأعطتهم مساحة حركة كاملة
فعلت
الحركة الإسلامية ذلك أيضا لإرضاء النظام المصري الذي قرر فتح معبر رفح بشكل شبه دائم،
مع تخفيف القيود القاسية على حركة المسافرين من غزة إلى مصر والعكس.
غير
أن تشكيل القيادي الأسير مروان البرغوثي قائمة انتخابية موازية لقائمة فتح الرسمية
أطاح بدحلان وتياره إلى الهامش الفتحاوي والوطني، خاصة مع حذر فئات سياسية واسعة
إسلامية ويسارية وفتحاوية من التحالف معه، علما أنه كان كذلك طوال الوقت رغم
الصوت العالي والبذخ في الإنفاق "المالي" سياسيا وإعلاميا.
في
كل الأحوال بات دحلان وتياره بمثابة نسخة محدثة من المجلس الثوري وبندقية الإيجار
صبري البنا الذي بلغ أعضاء تنظيمه الآلاف في فترة من الفترات، ولكنه اندثر في النهاية
بعدما بات عبئا على داعميه من أنظمة الاستبداد، وهي النهاية ذاتها المتوقعة لدحلان وتياره
عندما ينتهي مشروع عرابيه ورعاته في ظل روافعه الفلسطينية الهشة والضعيفة، مع
الانتباه إلى أنه بنى تنظيم الشخص الواحد الذي بغيابه يندثر التنظيم حتما.