قضايا وآراء

لبنان بين التأليف العالق والاعتذار.. ماذا عن الانهيار؟!!

1300x600
زيارة لوزير الخارجية الفرنسي السيد لودريان إلى بيروت وتغريدات تويترية لاذعة عن عقوبات لا تسمن ولا تغني من جوع بحق معرقلي تأليف الحكومة العتيدة التي باتت أحجيتها تدور من ساحة إلى ساحة، من ساحة الرئيس المكلف وعلاقته بالوزير جبران باسيل إلى الارتباط الوثيق مع ما يجري في بغداد بين المملكة العربية السعودية وإيران، مع إمكانية الخرق في اليمن ولبنان، وصولا إلى الاتفاق المؤجل من فيينا، حيث الكل بانتظار الاتفاق الأمريكي الإيراني الذي سيأتي حتما.

ولكن المشكلة تكمن حتى الساعة في ملحقات الاتفاق من برنامج إيران البالستي للصواريخ، وصولا إلى الساحات المتنازع عليها لا سيما في صنعاء وبيروت وربما دمشق، حيث كان لافتا الانفتاحة السعودية على سوريا وماذا تحمل في طياتها وهل تنعكس على لبنان تأليفا أو اعتذارا، في ظل تغريدات حلفاء سوريا عن نصيحة للرئيس المكلف بالاعتذار، حيث غرّد رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب على حسابه عبر "تويتر" كاتباً: "للرئيس الحريري نقول بمحبة اعتذر فقرار معاقبتك أكبر منك، وحتى رسالة لودريان واضحة استدعاك ولم يقم بزيارتك، رغم أن البروتوكول واضح في هذا الشأن، في السياسة أحياناً احترام النفس واجب".

لكن ما عدا ممّا بدا حتى تغيرت اللهجة وبدأت التسريبات منذ أيام قليلة عن أن احتمال الاعتذار وارد بشدّة. ومن هنا بدأت التساؤلات المحقة: ما الرابط بين التطورات الإقليمية المتسارعة الحاصلة وبين تسريب أجواء عن احتمال الاعتذار؟ وما هو الموقف الفرنسي من الحريري؟ وإن كان لودريان التقى الحريري مساء الخميس فهل يكون ناظر الخارجية الفرنسية تمنى على الحريري الاعتذار، حيث المبادرة الفرنسية تترنح وبحاجة للأوكسجين لدعم الرئيس ماكرون في معركته الرئاسية القادمة، علما أنه بحاجة لأي انتصار دبلوماسي خارجي بعدما بات خصومه اليمينون يعتبرون أن ماكرون أخفق في بيروت؟!!

هذه التساؤلات طُرِحَت بعد التقارب السعودي- السوري، والسعودي- الإيراني، والكلام عن عدم رغبة المملكة بتكليف الحريري وتفضيل السفير نواف سلام، فظهر الحريري كأكبر المتضررين من خطوات المملكة تجاه خصميها الكبيرَين؛ سوريا وإيران، فهل يكون الرئيس الحريري الضحية الأولى لهذا التقارب؟

إن الواقع يقول إن الرئيس الحريري بات يلعب باللغة العامية "لعبة صولد وأكبر"، راهنا مستقبله السياسي بهذا التأليف حيث يشكل دخوله السراي مقاربة لتظهره رائد عودة لبنان واقتصاده إلى المسار الصحيح وعراب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومهندس اتفاق الترسيم الحدودي، حيث الرضى الأمريكي في زمن تغير التوازنات الإقليمية والدولية ودور لبنان القادم في لعبة الأمم في شرق المتوسط.

من الواضح تردد الحريري وفريقه أمام هذه التطورات، مما دفعه إلى إعادة حساباته والتمعن في خلفيات ونتائج ما يجري، والذي سيكون أغلبه في غير مصلحته، فبدأت أوساطه تروّج للاعتذار عن تشكيل الحكومة، ولو من باب المناورة السياسية.

ولكن السؤال الكبير هل يحتمل البلد الجريح اعتذار الحريري؟ ومن هي الشخصية السنية القادرة على قبول تكليف جديد؟ وأين دور حزب الله والرئيس بري الذي يدعم الحريري حتى لبن العصفور؟ وأين الدور الإقليمي من وجه الرئيس والحكومة البديلة؟ أم أن المطلوب غياب الحريري عن المشهد القادم وهو مشهد الانهيار المحتوم في ظل رفع الدعم عن السلع الأساسية، حيث الإنذار بالصرخة الشعبية القادمة في قابل الأيام من نهاية شهر أيار/ مايو 2021، حيث تبلغت عدة قطاعات وقف الدعم وتاليا بداية الموت البطيء والفلتان الاجتماعي الممزوج بالانفلات الأمني؟ بذلك يكون تحييد الحريري خدمة لما تبقى له من رصيد سياسي وشعبي بانتظار طائف جديد أو دوحة قادم، وتلك كانت نصيحة رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم منذ يومين!!

ببساطة، على المستوى المحلي لا يوجد أي معطى يشير إلى إمكان ولادة الحكومة، على الرغم من أن الرئيس المكلف سعد الحريري عاد من جولاته الخارجية بانطباعين: الأول التمسك به شخصيا لرئاسة الحكومة، والثاني هو في الإصرار على حكومة في الإطار الذي رسمته المبادرة الفرنسية، أي شخصيات مستقلة دون ثلث معطل لأي من الأطراف، وتاليا الكل يلعبون لعبة الانتظار خوفا على خسارة مكتسباتهم، في حين يتحدث البعض بأن لبنان برمته في دائرة الزوال ولن يبقى لكل الطبقة السياسية ما تحكمه بعد الانفجار الاجتماعي القادم عند رفع الدعم نهاية الشهر الحالي.

إن الخوف من الأيام القادمة بات أمرا مشروعا في ظل انسداد الأفق الحكومي، وعلى الأرجح ارتطام التيتانيك اللبنانية بات مسألة وقت وما علينا إلا انتظار المشاهد السوداوية من أنواع انهيارات مختلفة؛ تبدأ اقتصاديا واجتماعيا والأكثر دراماتيكيا أن تتحول إلى انفلات أمني لا تحمد عقباه.