نار تحت الرماد في كل المقرات الرئاسية لبنانيا، وكلام مصوب في كل الاتجاهات سياسيا وماليا مع الحديث عن التدقيق الجنائي واستهدافاته المفتوحة.
إنه النكد السياسي والمناكفات الآخذة في التعقيد والتصعيد أكثر فأكثر، والكل على فوهة بركان ويمتطي جواده للانقضاض على الآخر. ويبدو أن الضحية الأولى سيكون
اتفاق الطائف في ظل الجبهتين المتقابلتين، وكأني بالسيدة أم كلثوم رحمها الله وهي تغني "وتعطلت لغة الكلام"!!.. كيف لا ولغة الحوار بين الفرقاء السياسيين متوقفة، ولا مبادرات حية، وكله فراغ في فراغ يملأ نشرات الأخبار بمادة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ اللهم إلا من لغة الوعيد المبطن تارة بالاختصاصيين وطورا بالتدقيق الجنائي، وكلاهما عنوان مبادرة الرئيس ماكرون التي ربما توفيت بعدوى فيروس كورونا من السياسيين
اللبنانيين الذين ذبحوها لعيون أهوائهم ونحروا معها شعبا دون رحمة ولا شفقة.
وتكفي الإشارة إلى أعداد الفقراء التي ترتفع يوميا كاشفة معها عائلات مستورة منذ سنين، وربما فاقت المعدلات التي أشارت إليها التقارير الدولية؛ وأن 55 في المئة من اللبنانيين فقراء. والأشد قساوة أننا على أبواب شهر رمضان المبارك، فهل تستيقظ ضمائر ماتت من إمعان الجشع فيها بعدما لم يبق لا مال ولا ودائع ولا مرفأ ولا فرص عمل، وربما قريبا لا شعب ولا ناس. ويستحضرني كلام الوزير الفرنسي لودريان عن "الخوف من زوال وطن"، عندما سمعه الجميع بالأذن الطرشاء للاسف.
لودريان.. فرنسا
إن الكلام الفرنسي المتصاعد تجاه المسؤولين اللبنانيين ربما يبلغ ذروته بقرار من العيار الثقيل قريبا، حيث الحديث عن عقوبات فرنسية وربما أوروبية على غرار العقوبات الأمريكية، وعندها قد ننعى المبادرة الفرنسية الماكرونية رسميا.
لقد تجاوز لودريان في كلامه الأخير كل الخطوط وبوضوح تام، مؤكدا أن "القوى السياسية اللبنانية عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد على الرغم من التعهدات التي تم اتخاذها، وهذا يعدّ جريمة". وقال: "أريد أن أعلمكم بأن هنالك مقترحات ملموسة بصدد الإعداد ضد أولئك الذين أهملوا المصلحة العامة، في سبيل مصالحهم الخاصة. وإذا لم يتحمل بعض الفاعلين السياسيين اللبنانيين مسؤولياتهم، فلن نتردد في اتخاذ مسؤولياتنا نحن في هذا الصدد".
إن فرنسا فقدت الآمال من بعض السياسيين اللبنانيين، بمعنى آخر أن كلام وزير الخارجية الفرنسي لودريان يؤكد نفاد صبر الفرنسيين نتيجة التعطيل المتعمد للمبادرة الفرنسية، وهو عبر عن إجراءات قاسية ستتخذها فرنسا تجاه المعرقلين. وكلامه أتى استكمالا لكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحازم قبل أيام، والذي بات يعيش حالة قرف سياسي تجاه المعرقلين.
الفاتيكان.. هل من دور
وعلى المقلب الآخر، كان ملفتا خبر زيارة الرئيس الحريري المتوقعة إلى الفاتيكان قبلة المسيحيين، في ظل اشتداد الأزمة الحكومية المترافقة مع شعار حقوق المسيحيين في السلطة التنفيذية.
إن هذا اللقاء لا بدّ وأن يسفر عن نتائج جيدة لصالح لبنان، حيث قيمة الكرسي الرسولي في لبنان وانعكاس الرؤية الفاتيكانية في أولويات الحياة السياسية اللبنانية، لا سيما مع تعاطف البابا الحالي مع الشعب اللبناني المظلوم والمتعب في أكثر من اطلالة مؤخرا.
إن الفاتيكان حريص على أن يرسل في النهاية رسالة إلى العديد من الأطراف اللبنانية المسيحية والإسلامية بأنّ ما يهم الفاتيكان هو استقرار لبنان وازدهاره، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال تعاون إسلامي- مسيحي، ويوضح ويعكس للمجتمع الدولي والعربي الناشط في الزيارات معاناة لبنان الحقيقية الناجمة عن وقوعه في صراعات لا شأن له بها؛ ما أسفر عن إيقاعه في تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية لا سبيل له للخروج منها إلا بتعاون مع المجتمع الدولي من قبل مسؤولين لبنانيين يثق بهم هذا المجتمع.
والثقة هي مفتاح الحل مع المجتمعين العربي والدولي، وعليه ستكون الثقة ضرورة ومتلازمة مع الإصلاحات المطلوبة من الجميع في الداخل والخارج.
فيينا الحلول من بيروت إلى بغداد وصنعاء وأكثر
للحقيقة من فشل مبادرة باريس حتى الساعة أو عدم جرأتها في قرارات حاسمة، وصولا إلى الحركة الروسية الجامدة بقصد أو بضعف الولوج والاحراج بين الحلفاء الروس الكثر على الساحة اللبنانية، ومرورا بالحركة العربية المصرية المتناغمة مع الفرنسيين شكلا والخليجيين مضمونا، لا سيما بعد الحديث عن عتاب مصري واضح على أكثر من جهة في لبنان، والخشية من انزلاق الواقع اللبناني إلى أماكن لا تحمد عقباها.
إن المؤشّرات التي تجعل المراهنين على العوامل الخارجية يعتقدون أنّ "الانفراج" على خطّ العلاقات الأمريكيّة- الإيرانيّة يشكّل "كلمة السّرّ" في "حلحلة" قضيّة الحكومة اللبنانية والقضية اليمنية، وتمهيد أرضية لبغداد الجديدة وربما صفقة قرن برؤية مجددة، انطلاقا من وجود اعتقاد لدى شريحة واسعة من اللبنانيّين والمراقبين بأنّ لبنان وسواه مجموعة "أوراق" على طاولة المفاوضات"؛ يمكن أن تُستخدَم للمساومة على طاولة الحوار الواسعة في الملحق على الاتفاق النووي الذي ترغب أمريكا في إضافته إرضاء لحلفائها في المنطقة وتعويضا عما فات الحقبة الأوبامية (نسبة إلى أوباما).
إن الواقع يقول إن اللبنانيين بانتظار ليالي الأنس في فيينا التي ربما ترسم للحكومة اللبنانية الظهور. وللحقيقة تنقسم الآراء في هذا المضمار إلى فريقين، إذ ثمّة من يعتقد أنّ الحكومة لا تزال بعيدة، وسط كل ما يحكى "أسيرة" التجاذبات الإقليمية والخارجية المتشعّبة، وهي نظرية قد تكون أثبتت الأيام المنصرمة "عقمها"، وذلك عند الربط بالانتخابات الأمريكية ونتائجها وغيرها من الاحداث والتفاعلات في الإقليم. وفي المقابل هناك رأي آخر، يقول إن هناك في لبنان من يريد أن يبني على الإيجابية الإقليمية لتوظيفها في خدمة الملف الحكوميّ، لأنّ الانفراج إذا لم يحصل اليوم، فالانفجار سيسبقه غدا، وغضب الناس على الأبواب، فهل تكون حاجة الناس وعوزهم فيشهر رمضان المبارك مفتاح الصرخة القادمة؟
فحتى ظهور قرارات باريس الصارمة بحق المعطلين ونتائج زيارة الرئيس المكلف إلى عاصمة المسيحيين وانفراج من فيينا طاولة المتحاورين؛ نقول لكم: رمضان كريم.