رفضت مصر، الثلاثاء الماضي، قرارا صادرا من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن إلزام الدول والحكومات بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فيما اعتبره حقوقيون إصرارا من النظام لاستكمال جرائمه بحق المصريين.
ووافق على القرار 115 دولة، وامتنعت عن التصويت ٢٨ بلدا، ورفضته 15، بينها: مصر، والسودان، وسوريا، والصين، وكوبا، وكوريا الشمالية، وروسيا، وروسيا البيضاء، وفنزويلا، وبوليفيا، ونيكاراجوا، وبروندي، وإندونيسيا.
وتضمن القرار مجموعة توصيات، منها أن تتعهد الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، وإدراج هذه الجرائم ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل.
ومنذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي، ارتكب النظام الحالي جرائم ضد الإنسانية، كان أخطرها فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة 14 آب/ أغسطس 2013، وكذلك جرائم القتل والتهجير لأهالي سيناء، وتفجير المنازل في شمال سيناء، في جرائم وصفتها منظمات حقوقية بأنها ترقى لجرائم ضد الإنسانية.
اقرأ أيضا: مشروع قانون يهدد ملايين الموظفين بمصر لآرائهم السياسية
ويواجه نظام السيسي انتقادات واسعة لملفه الحقوقي من منظمات حقوقية محلية ودولية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الجديدة، حيث عبر كل منها في مناسبات مختلفة عن قلقه من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
"يعلم جريمته"
وفي رصده لأسباب رفض النظام المصري هذا الالتزام الأممي والعهد القانوني الدولي بحماية شعبها من أي جرائم ضد الإنسانية، قال الحقوقي المصري خلف بيومي، إن "النظام ما زال يصر على السير بسياسة رفض التصديق على ثمة معاهدات واتفاقيات دولية من شأنها محاسبته على جرائم يرتكبها، ومنها اتفاقية مناهضة الإخفاء القسري".
مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، أكد لـ"عربي21"، أن "موقف النظام الأخير وعدم توقيعه على القرار الأممي يؤكد أنه يعلم جريمته التي يرتكبها تجاه معارضيه، والتي توصف بأنها جرائم ضد الإنسانية".
ولفت إلى أنه بذلك يحمي نفسه وجنرالاته، ويحاول منع ملاحقته ورموزه من العقاب، ويسعى لذلك بطرق شتى، سواء بقوانين محلية يصدرها أو بعدم التوقيع على مواثيق دولية؛ لأنه يعلم أن الجرائم معروفة وموثقة، وعليها دلائل قوية، ولا يمنع من العقاب أو يحول دونه سوى عدم التوقيع على تلك المعاهدات".
"تتخفى كالنعامة"
الحقوقي المصري محمد زارع، أعرب عن أسفه لـ"تصويت مصر بالرفض مع دول قمعية لا تحترم حقوق الإنسان كالمذكورة آنفا".
وبحديثه لـ"عربي21"، أكد أن هذا يدل على "إصرار السلطة المصرية أن تبقى طوال الوقت بين تلك الدول التي للأسف ترفض حماية حتى مواطنيها من الإبادة الجماعية، وكأنها تدلل برفضها على ممارستها تلك الجرائم بحق شعوبها".
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أضاف أنه "في كل الأحوال فالقرار الأممي مر بالإجماع وسينفذ، ويطبق على كل دول العالم، ومؤكد أن الخبراء المعنيين بالملف بالأمم المتحدة سيتابعون الجرائم المنصوص عليها، والتي ترتكبها الأنظمة بحق الشعوب".
وقال: "وللأسف، فإن تصويت مصر بالرفض لهذا القرار الهام يدل على أن أولوية حماية حقوق الإنسان غير موجودة لدى مصر، وإن نظامها يتخوف من ممارسته السابقة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمت بحق المصريين، خاصة في شمال سيناء".
وأوضح أن "ما يحدث من النظام المصري يأتي في ظل عدم اهتمامه بالقوانين الدولية الهامة والتشريعات التي تنحاز لحماية حقوق الإنسان، وتصويتها ضمن مجموعة الدول القمعية يؤخذ عليها وعلى ملفها الحقوقي، ويشير إلى حجم مخاوف نظامها".
ويرى زارع، أنه "كان على الدولة المصرية التصويت لصالح القرار، ومواجهة مشكلاتها الداخلية بشجاعة، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، بدلا من وضع رأسها في الرمال كالنعامة".
"اعترف بجرائمه"
السياسي المصري حاتم أبوزيد، وفي قراءته لدلالات رفض الانقلاب في مصر القرار الأممي القاضي بحماية السكان من جرائم الإبادة والوحشية، أرجع "ذلك لما جاء في القرار من اعتبار المناقشة والتصويت اعترافا بـ(استخدام القوة غير المتناسبة والمميتة ضد المتظاهرين السلميين)".
المتحدث باسم حزب "الأصالة"، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه النقطة تضع حبلا حول عنق النظام، حتى، وإن لم يحاسب عليها بأثر رجعي، وتم التغافل عما ارتكبه من مجازر في 2013 وما بعدها، وبخاصة مذبحتي رابعة والنهضة".
اقرأ أيضا: حقوقيون يوصون نواب أمريكا بوقف دعم الدكتاتوريين العرب
وأكد أن قبول النظام هذا الالتزام الأممي يعني "غل يده مستقبلا تجاه أي حراك جماهيري ضده؛ وهو الأمر الذي يرفضه النظام، ومن ثم لا يمكن لنظام مثل هذا قائم على القمع والقهر، ولا يلتفت للجماهير أو يهتم بها، أن يقبل قرار كهذا".
ويرى أبوزيد، أن "خيار النظام الوحيد للبقاء هو استخدام القوة غير المتناسبة والمميتة ضد من يعارضه؛ وأن تلك دلالة على استمرار النظام في طريقته تجاه الشعب المصري، وأنه لا يفكر في التعامل معه سوى بنفس الأسلوب الذي اعتاده: العنف والقتل".
ويعتقد أنه "ولذلك، فهو يسعى للإفلات من المحاسبة على تلك الجرائم برفضه تلك القرارات؛ على اعتبار أن الدول أو الأنظمة التي ترفض القرارات الأممية يصعب محاسبتها وفق تلك القرارات أو وفق ما يصدر عنها من تشريعات".
"تحسبا لهذا اليوم"
السياسي والمحامي الحقوقي المصري عمرو عبدالهادي، قال إن "رفض السيسي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد أنه نظام غير مستقر، وهذه أكبر دلالة على أن السيسي يعلم أن نهايته اقتربت، ويعلم جيدا أن الفوضى سبيله الوحيد للاستمرار بحكم مصر كما كانت سبيله لسرقة الحكم".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف عبدالهادي، أن "رفض السيسي للقرار الأممي "تأكيد على ما تحدثت عنه طوال ٣ سنوات ومنذ ٢٠١٧، وتحديدا بأن السيسي رفع شعار (أنا والفوضى).
وتابع شرح رؤيته: "السيسي يتمنى الاستمرار بالحكم حتى وفاته عبر تعديل الدستور، وإن لم يتمكن فسيولي ابنه قبل مغادرته، وإن فشلت المخططات فسيحرق مصر".
ويعتقد أن "حرب السيسي القادمة ليست مع المصريين، بل مع قيادات الجيش الطامحة بحكم مصر، وبعض قيادات المخابرات العامة التي تريد إنقاذ ما تبقى من مصر؛ ومن هنا سيحول السيسي مصر إلى سوريا قادمة، ولكن بأيدي أجهزتها السيادية".
وأكد أن "السيسي مسيطر سيطرة كاملة على المخابرات الحربية، وعلى الأمن الوطني، ويقود بهما باقي الأجهزة، ومازالت المباراة جارية بينهم، وخوفه من هذا القرار هو تحسب لهذا اليوم".
الحقوقي المصري، حجاج نايل، تساءل عبر صفحته بـ"فيسبوك"، قائلا: هل هناك اتجاه لضرب المصريين بالبراميل المتفجرة كما حدث بسوريا؟ وهل يشكل رفض القرار تبعات لا يعلم ولا يحمد عقباها؟
من جانبه، تخوف الناشط السيناوي المصري مسعد أبوفجر، مما اعتبره "نية مبيتة في إطلاق حرب الإبادة" على شعب مصر.
— Massaad Abu Fajr (@abu_fajr) May 22, 2021
لماذا تغير موقف مصر من الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي؟
مفكر فرنسي يكشف لـ"عربي21" سبب دعم ماكرون للسيسي
السيسي يقدم دعما ماليا لإعمار غزة.. هل يسعى لمكاسب سياسية؟