لعبت الأغنية الوطنية والأهازيج الشعبية دورا مهما في تعبئة الشعب الفلسطيني وتحريضه ضد الاحتلال الإسرائيلي على مدار تاريخه، وكان النضال بالأغنية والفن لا يقل عن النضال بالسلاح ليساهم في تشكيل الوعي لدى الفلسطينيين.
وتطورت هذه الأغنية على مدار قرن من الزمان بشكل كبير مع تطور الآلات الموسيقية والألحان وانتقلت نقلات نوعية من الميجنا والعتابة إلى مقاطع لحنية وصلت العالمية.
وأصبحت هذه الأغنية بعد أن كانت تخاطب الشعب الفلسطيني فقط بداية الاحتلال منتصف القرن الماضي تخاطب كل العالم ورسالة لكل الشعوب وأحرار العالم.. واستحالت بفعل العلاقة القائمة بين الفنان وواقعه أولا، ثم بفعل الاحتلال إلى أن تكون واحدة من علامات الهوية الفلسطينية.
وقال الكاتب والإعلامي الفلسطيني حسن جبر: "إن الأغنية والأهازيج الوطنية لعب أدوارا مهمة في تثوير الناس ودب الحماسة في قلوبهم أثناء التصدي للاحتلال".
وأضاف جبر لـ "عربي21": "الأغنية الوطنية كانت حاضرة في كل مراحل الثورة جنبا إلى جنب مع البندقية المقاتلة، وانتشرت الأغاني الوطنية الثورية من بداية نشوء القضية الوطنية وازدادت مع انطلاق الثورة والفصائل منتصف ستينيات القرن الماضي، وكان اللون الطاغي عليها الأغاني الوطنية الخالصة التي تدعو للثورة وترفض الاحتلال لكنها اكتسبت أهمية جديدة مع اندلاع انتفاضة الحجارة والتي على أنغامها كان الشبان يتصدون للاحتلال".
حسن جبر.. كاتب فلسطيني
وأشار إلى أنه مع انطلاق الثورة الفلسطينية ظهر في الأرض المحتلة العديد من الفرق الفنية الوطنية التي ألهبت مشاعر الناس بأغانيها الخاصة التي انتشرت بين الناس رغم الملاحقة المتواصلة للمغنين والأشرطة الوطنية التي لاحقت قوات الاحتلال ليس مغنيها فقط بل من يبيعها أو يمتلكها.
وقال: "مع ظهور الفصائل ذات التوجه الإسلامي بدأت الأناشيد الإسلامية تزاحم الأغاني الوطنية في تثوير الناس وزيادة حماسهم ليشهد هذه المجال منافسة كبيرة بين الفصائل التي بدأت تنتج أغانيها الحزبية الخاصة التي تمجد العمليات المسلحة والشهداء الخاصة بها".
وأكد جبر أنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي زادت نسبة انتشار الأغاني والتفاعل العربي والعالمي معها وهي تواكب هموم الناس.
ومن جهته أكد الشاعر والأديب سائد السويركي الذي كتب ولحّن الكثير من الأغاني الوطنية أن الأغنية الوطنية بدأت بشكل كلاسيكي منذ قديم الزمان من خلال الأجداد وكانت فقط عبارة عن "الميجنا" و"ظريف الطول" و"العتابة".
وقال السويركي لـ "عربي21": "طوال الوقت كان عندنا مشكلة هي الالتحام الزيادة عن اللازم بالموروث الفلسطيني ومن كثر ما هو عميق الإحساس بالمشهد الموسيقي في الأزمنة الماضية فقد نسي الفلسطيني أن ينظر إلى الأمام بالنسبة للمشهد الفلسطيني".
وأضاف: "ظلت القوالب الغنائية هي نفسها التي بدأنا فيها، وذلك لأن الأمر كان له علاقة بأن الحديث عن الوطن، فيصبح كل شيء قديم له قداسة لا يجب الاعتداء عليها".
وأشار السويركي إلى أن المشهد بدأ بالتغير في سبعينيات القرن الماضي وذلك حينما تجرأ كتاب الأغنية والملحنون على الذهاب باتجاه جملة لحنية جديدة خارجة عن العتابة والميجنا وظريف الطول.
سائد السويركي.. كاتب وشاعر فلسطيني
وقال: "مع انطلاق فرقة العاشقين التي قدمت جملة موسيقية تجاوزت الموروث الماضي أصبح لدينا كتاب أغنية معروفون بالإضافة إلى ملحنين على مستوى عال جعلونا نتقدم إلى الأمام، وبعد ذلك جاءت انتفاضة الحجارة عام 1987م لتزيد جرأتنا على منظومة لحنية جديدة".
وأضاف: "هذه الفترة كانت غنية جدا بالأغاني لأنه في الأزمات يحاول الكل أن يكتشف قدراته فكان إبداع كبير جدا على كل المستويات وذلك لأن الهم الثوري والوطني يجعلك تكتشف أجمل ما في الإنسان".
وأشار السويركي إلى أن الانتفاضة الأولى أدخلت أجيالا على الأغنية الوطنية ابتعدت نوعا ما عن العتابة والميجنا وقدمت مقترحات لحنية جديدة كان لها الأثر الكبير والجميل.
وقال: "التطور الرئيس في اختلاف الجملة اللحنية كان بعد ظهور الفنان محمد عساف عام 2010م وغيره من الفنانين الشباب الذين أدخلوا جملا لحنية جديدة دون إلغاء الموروث القديم وذلك بعد تأثرهم بالمنجز العربي".
وأضاف: "الفنانون الشباب امتلكوا فضاءات جديدة للعمل فيها وأوصلوا رسالتهم للغرب وكانت أقوى من رسائل السياسيين".
وشدد على أن قوة الأغنية الوطنية نابعة من قوة الفعل الوطني الفلسطيني، مشيرا إلى أن الفنان الفلسطيني ولا سيما الغزاوي وجد فرصة للحب والتغزل بالطبيعة والأماكن فقدم تصورا جديدا لطبيعة علاقة الإنسان بالجغرافية التي يعش فيها.
وقال السويركي: "قطعنا شوطا كبيرا في الأغنية الوطنية، حيث إن عبقرية الإحساس باللحن الجميل ومعركة الفن يجب أن تحسم تماما كما هي معركة السلاح".
وأضاف: "الفن قد يكون أخطر في تشكيل الوعي من البندقية والصاروخ، حيث إن الذي يثبتك في المعركة ليس الصاروخ بل كل أنواع الفنون".
وتابع: "أنا معجب كثيرا في هذا الجيل من الفنانين الذي تقدم عدة خطوات رغم كل المعيقات، ولو أنه شعب آخر غير الشعب الفلسطيني لما كان يعرف شيئا اسمه فن".
ومن جهته أكد المغني قاسم النجار الذي غنى أغنية "اضرب تل أبيب" برفقة زميله شادي البوريني أن هذه الأغنية فرضت نفسها عليهم حينما قصفت المقاومة الفلسطينية تل أبيب لأول مرة عام 2012 بعد اغتيال القيادي في كتائب القسام أحمد الجعبري.
وقال النجار لـ "عربي21": "في حرب عام 2014 قدمنا الجزء الثاني من أغنية اضرب تل أبيب التي لقيت رواجا كبيرا على مستوى فلسطين والعالم بأسره".
قاسم النجار وشادي البوريني خلال أغنية اضرب تل ابيب
وأضاف: "الأغنية الوطنية تقوم بدورها في رفع معنويات الناس وتعبئتهم ثوريا وهذا منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي منذ أغنية (من سجن عكا طلعت جنازة)".
وشدد النجار على أن الأغنية الوطنية لا تقل عن البندقية ولها دور في توثيق تاريخ الصراع مع الاحتلال، فهي تحكي عن أحداث بعينها أو عن عمليات فدائية نفذت أو عن مجازر ارتكبها الاحتلال يتم تخليدها من خلال الأغنية.
وأشار إلى أنه في وقت التصعيد يجب أن يصعد الفنان من رتمه ويواكب الأحداث، لكن حينما تكون الناس مهمومة وحزينة فيجب أن يقدم ما يناسب هذه الأمور مع ذلك ويقدم ما يناسب المرحلة.
وقال النجار: "هناك علاقة تكاملية بين المقاومة والفن، بمعنى أنه حينما تكون هناك كلمة لأبي عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام فإننا نحتاج أن نواكب الأحداث وربما نستخدم بعض جمله وكلماته في هذه الأغنية".
وأضاف: "الأغنية الوطنية كانت سببا في حدوث انقلاب في المفاهيم لأنها وصلت للعالمية حيث إن القضية الفلسطينية تخص الجميع في الداخل والخارج، لأن قضية فلسطين قضية إنسانية قبل أن تكون وطنية والجميع يتفاعل معها".
وتابع: "قضية فلسطين هي الكاشفة، وتفرز الجميع، فهناك فنانون عرب أخذوا جوازات سفر فلسطينية ولم يتضامنوا مع فلسطين أو يغنوا لها وهناك أجانب من آخر الدنيا تضامنوا معها".
وأشار النجار إلى أنه دفع ثمنا غاليا لأنه يغني الأغنية الوطنية، مؤكدا أن قوات الاحتلال اعتقلته واعتقلت أشقاءه الثلاثة وحكمت عليهم ما بين سنة و3 سنوات بعدما غنى أغنية "اضرب تل أبيب".
سلافة جاد الله.. من مؤسسي سينما الثورة الفلسطينية
الشيخ يوسف شراب الحنفي.. فلسطيني في ثورة عرابي المصرية
أنور الغربي: الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الإنسانية