تستعد الجزائر لإجراء سابع انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ 30 عاما، بعد أن احتكر حزب جبهة التحرير الوطني (قائد حرب التحرير)، العمل الحزبي منذ الاستقلال (1962) دون أن يتاح لأي حزب آخر النشاط القانوني.
ففي 12 حزيران/ يونيو 2021، ستجرى الانتخابات البرلمانية الأولى بعد اندلاع الحراك الشعبي الذي أسقط الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، الذي أُجبر على تقديم استقالته قبل أيام من انتهاء ولايته الرابعة في 2 نيسان/ أبريل 2019، تحت ضغط شعبي وأيضا من قائد الجيش الراحل أحمد قائد صالح.
وتشبه الأجواء التي تجرى فيها انتخابات 2021، تلك التي أجريت في 1991، إلى حد ما، رغم الاختلاف العميق والمتعدد الأوجه بينهما.
ومكمن التشابه، أن كليهما يأتي بعد اندلاع انتفاضة شعبية، أجبرت السلطات على تقديم تنازلات وتعديل الدستور، وانفتاح أكثر نحو قوى المعارضة، وسياق دولي شهد سقوط العديد من الأنظمة.
أما أوجه الاختلاف فكثيرة، أبرزها أن انتخابات 1991 كانت تأسيسية لمرحلة الانفتاح الديمقراطي والخروج من عهد الحزب الواحد، أما انتخابات 2021 فتسعى لتكريس التداول السلمي على السلطة والخروج من "ديمقراطية الواجهة".
لكن أبرز اختلاف بين تشريعيات 1991 و2021، أن حزبا معارضا استطاع قيادة الحشود الغاضبة لاكتساح الانتخابات في دورها الأول، بينما يفتقد الحراك الشعبي لأي زعامة أو حزب يوحده، ناهيك عن الاختلافات العميقة بين أطيافه، ودعوة غالبيتها للمقاطعة، ما يجعل التغيير الجذري عبر صناديق الاقتراع مستبعدا.
اقرأ أيضا: رئيس الجزائر يوضح موقفه من الإسلام السياسي وينتقد فرنسا
اقرأ أيضا: هل تواجه أحزاب التيار الديمقراطي في الجزائر خطر الحلّ؟
اقرأ أيضا: انتخابات الجزائر.. مرشحون غاضبون بعد إسقاطهم لمجرد الشبهة
وخلال 30 عاما تغيرت خريطة تمثيل الأحزاب في البرلمان، لكن باستثناء انتخابات 1991، فقد فاز الحزبان المواليان للسلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) في جميع الانتخابات التي أجريت.
وتنقسم الأحزاب في الجزائر إلى ثلاث عائلات سياسية كبيرة، تتمثل في: التيار الوطني، وأغلب أحزابه موالية للسلطة، والتيار الإسلامي، والتيار العلماني المنقسم بين يساريين وليبراليين.
انتخابات 1991
في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991، اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الدور الأول من الانتخابات التشريعية بـ188 مقعدا من إجمالي 389 مقعدا، مقابل 25 مقعدا لجبهة القوى الاشتراكية (يسار)، وجبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) 16 مقعدا.
كان واضحا أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تشكلت من تحالف ثلاثة تيارات إسلامية (السلفيين، والنهضويين، والجزأرة) تتجه للفوز بالدور الثاني، ما يتيح لها تشكيل الحكومة.
الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد (1980-1992) لم يبد حينها اعتراضه على رئاسة شخصية إسلامية للحكومة، كما أبدت قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهتها، مرونة عندما قدمت عرضا تضمن تنازلها عن رئاسة الحكومة لزعيم جبهة القوى الاشتراكية (يساري) حسين آيت أحمد، بحسب شهادة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
لكن تيارا متطرفا داخل جبهة الإنقاذ، رفع شعارات مستفزة للطرف الآخر، من قبيل "الديمقراطية كفر"، وتوعد بأن تكون هذه آخر انتخابات يتم إجراؤها، قبل إقامة دولة إسلامية.
أثار ذلك فزعا لدى تيارات متشددة داخل السلطة، وحتى المعارضة العلمانية، ما عجّل بتدخل كبار قادة الجيش لوقف المسار الانتخابي، بعد أن أجبروا الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة في 11 يناير/ كانون الثاني 1992.
وسرعان ما أدى ذلك إلى صدام في الشارع، بين أنصار الجبهة الإسلامية وقوات الشرطة والجيش، انتهى بحلها واعتقال قادتها، ودخول البلاد في فراغ دستوري بعد رفض رئيس البرلمان عبد العزيز بلخادم، ترؤس البلاد مؤقتا.
وتشكل المجلس الأعلى للدولة (مجلس رئاسي من 5 أعضاء)، برئاسة زعيم تاريخي يدعى محمد بوضياف، تم اغتياله لاحقا.
انتخابات 1997
عام 1997 أجريت أول انتخابات بعد وقف المسار الانتخابي، لكن المعارضة اتهمت السلطة بتزويرها لصالح حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي تأسس من رحم جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، بعد أن عارض الأمين العام لهذا الأخير عبد الحميد مهري، وقف المسار الانتخابي.
ورغم اتهامات التزوير التي لاحقت "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي لم يمر على تأسيسه سوى بضعة أشهر قبل الانتخابات، إلا أنه لم يحصل سوى على نحو ثلث المقاعد، أو ما يعادل 165 مقعدا من إجمالي 380 مقعدا.
بينما تزعمت حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمين) التيار الإسلامي، بعد حل جبهة الإنقاذ، وحلت في المرتبة الثانية بنحو 15 بالمئة (65 مقعدا)، وحافظت جبهة التحرير الوطني على المرتبة الثالثة، لكنها رفعت رصيدها إلى 62 مقعدا من 16 في الانتخابات السابقة.
لكن حزبا إسلاميا ثانيا خطف الأضواء بحصوله على المرتبة الرابعة بـ34 مقعدا تمثل في حركة النهضة (إسلامية) بزعامة عبد الله جاب الله.
التيار العلماني ممثلا في جبهة القوى الاشتراكية (20 مقعدا) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (19 مقعدا) وحزب العمال (4 مقاعد) تراجع إلى المرتبة الثالثة في التيار، بعدما حل ثانيا في انتخابات 1991.
ورغم تهم التزوير التي لاحقت حكومة أحمد أويحيى، الذي أصبح زعيم التجمع الوطني الديمقراطي، إلا أنه تمكن من تشكيل حكومة ائتلافية ضمت أيضا حركة مجتمع السلم بزعامة الراحل محفوظ نحناح، وحزب جبهة التحرير الوطني، بعد الإطاحة بزعيمه مهري في ما يسمى بـ"المؤامرة العلمية"، وجناح في حركة النهضة، ما تسبب في انسحاب رئيسها وتشكيله حزبا جديدا.
انتخابات 2002
وصول عبد العزيز بوتفليقة، إلى رئاسة البلاد في 1999، أعاد لحزب جبهة التحرير الوطني، أسبقيته على التجمع الوطني الديمقراطي، كحزب السلطة الأول، وخريطة البرلمان تغيرت بشكل لافت..
وفاز حزب جبهة التحرير الوطني بـ199 مقعدا من إجمالي 389 مقعدا، أو ما يفوق الـ51 بالمئة، ما أهله لتشكيل الحكومة منفردا، لكنه كان خاضعا لإرادة الرئاسة..
بينما تراجع التجمع الوطني الديمقراطي إلى المرتبة الثانية، وتقهقرت حصته البرلمانية من 165 مقعدا إلى 47 مقعدا فقط..
السقوط الحر لم يشمل التجمع الوطني الديمقراطي وحده، بل كان أقسى على حركة النهضة (إسلامية) التي كادت تودع البرلمان لولا المقعد الوحيد والمشكوك فيه الذي حصلت عليه..
بينما حصلت حركة الإصلاح الوطني التي أسسها زعيم النهضة السابق على 43 مقعدا، وحلت ثالثة، وافتكت زعامة التيار الإسلامي، رغم أن عمرها لم يتجاوز حينها الثلاثة أعوام.
التصويت العقابي للأحزاب الإسلامية التي شاركت في الحكومة، طال أيضا حركة مجتمع السلم، التي خسرت نحو نصف مقاعدها، وحصلت على 38 مقعدا محتلة المرتبة الرابعة، لكنها نجت من مصير حركة النهضة.
واستغل حزب العمال (يساري) مقاطعة جبهة القوى الاشتراكية (يساري) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (ليبرالي) للانتخابات، ليرفع رصيده من 4 مقاعد إلى 21.
انتخابات 2007
كرست هيمنة حزبي السلطة على أغلبية المقاعد في البرلمان، حيث حافظ حزب جبهة التحرير على المرتبة الأولى رغم تراجعه بـ63 مقعدا، حيث حصل على 136 مقعدا من إجمالي 389، بينما قلص التجمع الوطني الديمقراطي الفارق معه بعد حصوله على 61 مقعدا بزيادة 14 مقعدا.
واستعادت حركة مجتمع السلم زعامة التيار الإسلامي بحصولها على 52 مقعدا، بينما شهدت حركة الإصلاح الوطني التي أسسها جاب الله، سقوطا حرا بحصولها على 3 مقاعد فقط، متأثرة بإبعادها لزعيمها، أما حركة النهضة فصعدت قليلا بحصولها على 5 مقاعد.
لكن هذه الانتخابات كانت بداية انهيار التيار النهضوي الذي أسسه جاب الله، منذ نشاطه السري في السبعينيات إلى غاية ذروة تألقه ما بين 2002 و2007، عندما تمكنت كتلة حركة الإصلاح من تقديم مقترح تعديل قانون الانتخابات، وحاز على تأييد البرلمان، رغم إعلان رئيس الحكومة أحمد أويحيى معارضته له.
وكان ذلك أول مقترح قانون، وربما آخره، تتقدم به المعارضة ويفوز بتأييد أغلبية النواب رغم هيمنة أحزاب السلطة عليه، وتضمنه مادة حساسة تتعلق بإلغاء تصويت أفراد الجيش داخل الثكنات، لصعوبة مراقبتها، واتهام أحزاب المعارضة بوقوع تزوير داخل الثكنات.
وميزت هذه الانتخابات صعود المستقلين واحتلالهم المرتبة الرابعة من حيث المقاعد (33) لكن تأثيرهم السياسي كان محدودا، وبعضهم من رجال الأعمال الذين زاد نفوذهم في الحياة السياسية.
انتخابات 2012
دخلت هذه الانتخابات مرحلة الرتابة، بعد تعزيز حزبي السلطة نتائجهما، بالتوازي مع رفع عدد مقاعد البرلمان إلى 462، بزيادة 73 مقعدا..
وحصلت جبهة التحرير على 221 مقعدا، وهو رقم غير مسبوق في نتائج الحزب، لكن بنسب أقل من انتخابات 2002، أما التجمع الوطني فحصل على 70 مقعدا، بحسب الجريدة الرسمية.
الإسلاميون ورغم تحالف كل من حركات مجتمع السلم والنهضة والإصلاح ضمن ما سمي "الجزائر الخضراء"، إلا أن حصتهم مجتمعة تراجعت إلى 48 مقعدا نزولا من 60 مقعدا في آخر انتخابات..
في حين لم يحصل جاب الله مع حزبه الجديد (جبهة العدالة والتنمية) سوى على 7 مقاعد، أما حركة التغيير، المنشقة عن حركة مجتمع السلم، فسقطت في أول اختبار بـ4 مقاعد.
كانت صدمة للتيار الإسلامي بكل أطيافه، فرغم أن الربيع العربي جاء بالإسلاميين إلى السلطة في تونس والمغرب ومصر، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا عليهم في الجزائر، رغم أن السلطات أرخت قبضتها القوية على صناديق الاقتراع لتجاوز العاصفة.
جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب في الجزائر، حافظ على مستواه بـ21 مقعدا، لثبات قاعدته الانتخابية في منطقة القبائل (ولايتي تيزي وزو وبجاية) وجزء من العاصمة والبويرة.
أما حزب العمال فتراجع بـ9 مقاعد مقارنة بآخر انتخابات حيث حصل على 17 مقعدا، وقاطع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية هذه الانتخابات.
انتخابات 2017
شهدت هذه الانتخابات نزولا حادا في مقاعد جبهة التحرير التي لم تحصل سوى على 161 مقعدا من إجمالي 462 بعدما خسرت 60 مقعدا، لكن التجمع الوطني سجل بالمقابل صعودا قويا بفوزه بـ100 مقعد مضيفا إلى حصته 30 مقعدا.
وتواصل تراجع الإسلاميين متأثرين بانقسامهم رغم محاولة جمع شتاتهم عبر تحالفين؛ الأول يسمى "تحالف حركة مجتمع السلم" الذي ضم إليه "حركة التغيير" المنشقة عنها، وحصل على 34 مقعدا فقط..
أما الثاني فيدعى تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، وضم 3 أحزاب (حركة النهضة، جبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وحركة البناء الوطني)، وحصل على 15 مقعدا.
الملفت في هذه الانتخابات صعود حزبين حديثين مواليين للسلطة، أحدهما منشق عن حركة مجتمع السلم، ويحمل اسم "تجمع أمل الجزائر"، بقيادة الوزير السابق عمار غول، وحصل على 20 مقعدا، وغرف من أصوات الإسلاميين.
والآخر أسسه عمارة بن يونس، الوزير السابق، القيادي المنشق عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وأطلق على حزبه اسم "الحركة الشعبية الجزائرية"، وحصل على 15 مقعدا، وكان تأثيره كبيرا على حزبه الأم الذي لم يحصل سوى على 9 مقاعد فقط.
وحتى جبهة القوى الاشتراكية لم تتمكن من الحفاظ على 20 مقعدا التي تعودت عليها وحصلت على 14.
وفرض رجال الأعمال، أنفسهم ضمن قوائم المستقلين، التي حازت على 28 مقعدا، والذين تدور حول بعضهم شبهات فساد، وتم اعتقال عدد منهم بعد رفع الحصانة عنهم، مع تفجر الحراك الشعبي في 2019.
وتفتتت المقاعد على عدد كبير من الأحزاب، إذ إن 23 حزبا تقاسموا 32 مقعدا فقط.
ومن المتوقع أن تشهد الخريطة السياسية للبرلمان المقبل تغيرا جذريا، مع الزج بالكثير من قادة الأحزاب الموالية للسلطة في السجون بتهم الفساد.
وقد تستفيد الأحزاب الإسلامية من هذا الوضع، لكنها تعاني تراجعا رهيبا في شعبيتها، بعد مشاركة حركتي مجتمع السلم والنهضة في الحكومة وتشظيهم إلى عدة أحزاب، وتعرضهم لحملات تشويه من أطراف عديدة.
وتم تضييق الخناق على رجال الأعمال، ما قد يفتح الأبواب للمستقلين الشباب لدخول البرلمان لأول مرة، لكننا سنقف حينها أمام مجلس شعبي وطني فسيفسائي، بدون قوى سياسية مهيمنة، ما قد يفتح المجال لتحالفات واسعة وربما صعبة، تجعل من تشكيل الحكومة واستقرارها أمرا غير هيّن.
ما تأثير انتخابات النظام على مستقبل الحل السياسي السوري؟
هل تواجه أحزاب التيار الديمقراطي في الجزائر خطر الحلّ؟
نظام الأسد يسوّق لانتخاباته في حلب من خلال رجال الدين