يعيد بنيامين نتنياهو سيرة دونالد ترامب بتمامها وكمالها، برغم اختلاف السياقين، والأرجح أن ثمة مشتركات كثيرة، بين الرجلين، شخصية و«عقائدية». كلاهما متجرّد من أي «منظومات قيمية وأخلاقية»، وكلاهما، مطاردان بتهم الفساد والإفساد في الأرض، وكلاهما تلاميذ نجباء للمدرسة الميكافيلية: الغاية تبرر الوسيلة.
ينتمي كلاهما لليمين المتطرف، الشعبوي، ومن أدواته تقويض المؤسسات وزعزعة قواعد الديمقراطية وقيمها وأدواتها، يكرهان القضاء المستقل، ويسعيان لمصادرته، يكرهان الإعلام المستقل، ويعتبرانه عدوا لهم، ولا يتورعان عن اتباع أساليب «زبائنية» لاحتوائه أو شيطتنه.
ينتميان ليمين شعبوي متطرف، خطابه تفتيتي - تقسيمي، يلعبان على وترة إثارة المخاوف والانقسام في صفوف المجتمع الواحد، يكرهان الآخر، من فلسطينيين وسود ولاجئين ولاتينيين وغيرهم. يؤمنان بتفوق العرق الأبيض و«شعب الله المختار»، ويعتبران أن وظيفة «الآخر» و«الغوييم»، هو خدمة عرقهم المتفوق. وبالرغم من أن اليمين الشعبوي في إسرائيل، كما جسده نتنياهو، ينتمي لعوالم ضحايا النازية والفاشية، إلا أنه يتقصى خطابهما ويسلك طريقهما ويعتمد أدواتهما. كلاهما ترك مجتمعيهما في أسفل درك التفتت والتمزق.
ترامب مزق المجتمع الأمريكي، وخلق حالة استقطاب كادت تنذر بحرب أهلية، ولو قُيّضت له ولاية ثانية، لربما حصل سيناريو كهذا. نتنياهو مزق المجتمع الإسرائيلي، وعمق انقساماته الهوياتية، وأقام خنادق في مواجهة خصومه. كلاهما يكره اليسار والميول الاجتماعية، وبالنسبة لهما، فإن لفظة اليسار تعادل الخيانة، وهما لم يتورعا عن توجيه هذه «التهمة» لخصومهما، برغم أن القاصي والداني يعرف أنهم ليسوا كذلك، بالذات في الحالة الإسرائيلية، حيث خصوم نتنياهو من «فرسان» اليمين المتطرف الأقصوي.
يشترك الرجلان في تبني النظرية «الجوبلزية» في الإعلام: اكذب حتى يصدقك الآخرون ... لا يتورعان عن ممارسة الأكاذيب، ويطلقان العنان لما يعتقدانه «حقائق» حتى وإن كان العالم بأسره لا يصدقهما. لا يأبهان بالمعلومة ومدى دقتها، وظيفتهما إطلاق الأكاذيب، وعلى «مجادليهم»، عناء البرهنة على بطلانها وتفاهتها.
بلغ الصلف بترامب أن تحدى نتائج صناديق الاقتراع، وأطلق حملة تحريضية غير مسبوقة، وطالب جمهوره من الغوغاء باقتحام الكونغرس، وسقط ضحايا أبرياء، واختل الوضع الأمني في البلاد، حتى تحوّل حفل تنصيب بايدن، إلى ثكنة عسكرية. نتنياهو فعل ذلك من قبل، عندما قاد أوسع حملات التحريض على إسحق رابين واتفاق أوسلو، حتى انتهى الأمر إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، في سابقة ما زالت تتردد أصداؤها في جنبات السياسة والمجتمع الإسرائيليين.
نتنياهو اليوم، يعيد إنتاج مرحلة ما قبل اغتيال رابين، حملات التجييش والتحريض والتخوين، تنطلق بصورة هستيرية، مدفوعة بـ»شغف» نتنياهو للدفاع عن مستقبله الشخصي والسياسي، والإجراءات الأمنية المشددة، تحيط بكل خصومه المستهدفين: بينت، ساعر ولبيد، شركاؤه السابقون في معسكر اليمين، بل وفي الليكود ذاته. نتنياهو ينذر بتحويل مسار الانتقال الحكومي إلى مسار مفخخ بالألغام ومفروش بالدماء، وسط تحذيرات المستوى الأمني، من مغبة بدء موسم الاغتيالات، في إسرائيل.
ترامب بعد خمسة أشهر من خروجه من البيت الأبيض، يَعِد بالعودة إليه، ويخوض معارك ضارية للإطاحة ببايدن، بل ومحاكمته إن أمكن. نتنياهو سيفعل شيئا مماثلا حال نجحت حكومة لبيد – بينت في اجتياز امتحان الثقة في الكنيست، سيواصل نتنياهو حربه على الحكومة، وسينتظرها بفارغ الصبر، عند «أول كوع»، للإطاحة بها والذهاب إلى انتخابات مبكرة خامسة، على أمل أن يعود للإقامة مجددا في منزل رئيس الحكومة في شارع بلفور بالقدس. شغف الشعبويين واحد، وملّة المتطرفين هنا وهناك واحدة كذلك.
(الدستور الأردنية)