حذر تقرير يمني حديث من خطورة تدهور الأوضاع في
العاصمة المؤقتة،
عدن، جنوبا، في ظل سيطرة
المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم من دولة
الإمارات، وتنصله عن تنفيذ اتفاق الرياض.
التقرير الذي أعده مركز "هنا عدن للدراسات الاستراتيجية"، أكد أن استمرار السيطرة الأحادية للمجلس الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات على عدن، وعدم تنفيذ اتفاق الرياض، مع وجود الصمت السعودي، وعجز الحكومة، وتنصل المجلس بدعم وتوجيه إماراتي، سيفاقم التدهور الذي تشهده المدينة، ويقودها نحو المجهول.
وأضاف المركز، في تقريره الذي حصلت "عربي21" على نسخة حصرية منه، أن الأوضاع في العاصمة
اليمنية المؤقتة تزداد تدهورا في ظل سيطرة المجلس الانتقالي وقياداته، التي تتقاسم المدينة، وتنهب مواردها، وتصادر حقوق أبنائها.
وأشار إلى أن الانتقالي يتجه حاليا لتفجير الوضع، من خلال التصعيد المستمر الذي يتمثل في اقتحام مؤسسات الدولة والسيطرة عليها، واستمرار تشكيل وحدات أمنية وعسكرية خارج إطار مؤسسات الدولة الرسمية، معتبرا ذلك "تحديا صارخا لاتفاق الرياض والقيادة السعودية الراعية والداعمة للاتفاق".
وقال مركز "هنا عدن" للدراسات، في تقريره، إن قيادات المجلس الانتقالي ومسؤولي التشكيلات المسلحة الموالية يسيطرون على عشرات المرافق والموارد المالية، ويقومون بالاستيلاء على أموالها، ويمنعون وصولها إلى البنك المركزي بعدن، ما يؤدي إلى توقف صرف رواتب الموظفين، وتدهور الخدمات العامة، وزيادة معاناة المواطنين.
ولفت إلى أن مظاهر تدهور الأوضاع في العاصمة المؤقتة شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية، وانهيار الخدمات بشكل غير مسبوق، وقمع الفعاليات السلمية والاحتجاجات المدنية، واقتحام الوزارات والمؤسسات، ومداهمة المنازل، واختطاف المواطنين، ونهب الأراضي، والسطو على الممتلكات العامة والخاصة.
من جهته، قال أنيس منصور، رئيس المركز، إن التقرير يحمل طابعا خاصا، إذ يتزامن مع التطورات الأخيرة، أهمها فشل إدارة الانتقالي لعدن، ونشوب صراعات داخلية بين فصائله العسكرية.
ويضيف في تصريح لـ"عربي21": يترافق ذلك أيضا مع قرارات يصدرها رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، وكأنه يقوم بدور الدولة في ظل فشل السعودية بإعادة الحكومة الشرعية إلى عدن، وغياب أي ضمانات حقيقية لذلك.
وبحسب منصور، فإن بقاء الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن يكرس حالة العبث الذي تقوم به دولة الإمارات، واستمرار انتشار قواتها في سبع مناطق عسكرية في جنوب وشرق اليمن، في ظل تركيز حكومة أبوظبي على التواجد في أماكن ومراكز سيادية وحيوية، كالموانئ والجرز والمطارات والسواحل ومضيق باب المندب، حيث ممر الملاحة الدولي.
ودعا تقرير المركز قيادة التحالف العربي، ممثلة بالسعودية، بالضغط على الأطراف لتنفيذ اتفاق الرياض بكامل بنوده ودون أي مماطلة أو تأجيل أو تعطيل، مطالبا في الوقت نفسه الرئاسة اليمنية والحكومة الشرعية بإجراء معالجة شاملة لأدائها خلال الفترة الماضية، وإيجاد رؤية واضحة لما يجب عمله في الفترة القادمة.
وشدد على ضرورة تفعيل المؤسسات الأكثر أهمية، وفي مقدمتها مجلس النواب والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد والمحاكم والنيابات العامة، بما يؤكد حضور الدولة، وقيامها بأداء واجباتها، ومعالجة الأخطاء والاختلالات.
واتهم مركز هنا عدن للدارسات قيادات المجلس الانتقالي بنهب أكثر من 200 مليون دولار أمريكي، خلال فترة إعلانها الإدارة الذاتية للمحافظات التي يسيطر عليها في نيسان/ أبريل 2020، ما أدى إلى تدهور الخدمات، وتراجع أداء المؤسسات، وتوقف تسليم الرواتب للموظفين الحكوميين.
ولفت إلى أن حربا يتعرض لها ميناء عدن الاستراتيجي من قبل المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي، وذلك لصالح ميناء جبل علي الإماراتي، وذلك من خلال عمليات الاقتحام التي تتم للميناء اليمني بين وقت وآخر، ومهاجمة السفن والبواخر، وعرقلة حركة الملاحة.
وأكد أن هذه الأعمال تؤدي إلى نقل صورة سلبية عن ميناء عدن، وتوثر على سمعته داخليا وخارجيا، ما يجبر شركات الملاحة العالمية على إيقاف تعاملها مع الميناء بمبررات عدة، منها عدم توفر الأمن، وتعرض سفنها للابتزاز والمضايقات المستمرة.
وكشف المركز عن سيناريوهات أربعة لما سيؤول إليه مستقبل العاصمة المؤقتة عدن جراء مشاهد العبث التي تعصف بها، في ظل سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي.
وأول هذه السيناريوهات، وفقا للتقرير، يكمن في "استمرار تدهور الوضع العام في عدن، مع استمرار المجلس الانتقالي في سياسة نخر الدولة من الداخل، وصولا لفرض مشروع الانفصال، ولو كخطوة عملية داخلية، بعد تحييد الشرعية كليا، واستشعار سطوته الكاملة عليها.
لكن أورد صعوبة تحقيق ذلك، مع أنه ممكن، بسبب المدى الزمني الطويل الذي يحتاجه المجلس لتحقيقه، رغم أنه الغاية يطمح لها ولو على المدى المتوسط والطويل.
أما السيناريو الثاني، فيتجسد من خلال " تعايش المجلس الانتقالي مع الحكومة الشرعية جنبا إلى جنب، مع احتفاظ كل طرف بتمايزه عن الآخر، بحيث يغدو الأول هو الطرف المهيمن واقعيا، وتظل الشرعية مجرد واجهة فارغة من أي سلطات حقيقية.
ويلفت التقرير إلى أن هذا الوضع هو المتجسد حاليا، لكنه مع طول زمنه سيغدو وضعا يتمتع بديمومة، وتنشأ حالة من التسليم به، رغم أنه سيفاقم الوضع في عدن، بينما يتبادل الطرفان المسؤولية عن ذلك.
وأردف: هذا السيناريو هو ما تفضله السعودية، بالنظر إلى طريقة تعاطيها المخاتل والرمادي مع القضية اليمنية، وميولها للحلول التلفيقية ما دامت تبقي الأطراف تحت نفوذها وسطوتها.
وأوضح أن السيناريو الثالث يبرز في "اندماج المجلس الانتقالي مع الحكومة سياسيا وعسكريا وأمنيا، وتخليه عن مطامحه لصالح الإقرار بدولة موحدة وضامنة لحقوق الشطرين (الشمال والجنوب)"، مؤكدا أن احتمالية جنوح الانتقالي لهذا المعطى منخفضة كثيرا، مع كونه سيناريو مناسبا وضامنا لتجاوز حالة العبث والتدهور الحاصل في عدن.
وقال إن فرض نجاحه منخفضة، نتيجة الفجوة الكبيرة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، وانعدام الثقة بينهما، بالإضافة إلى وجود دوافع ممنهجة لدى الأخير لمواصلة الصدام مع الحكومة.
وتابع: يرى المجلس المنادي بانفصال شمال البلاد عن جنوبه شراكته الشكلية مع الحكومة أنه خطوة تكتيكية تمهد لواقع آخر ينتظر فرص تحققه، وهو ما يجعل إمكانية تعمق المصالحة مع الحكومة أمرا متعثرا.
ولم يستبعد تقرير مركز هنا عدن انفجار مواجهة عسكرية بين القوات الحكومية ومليشيات المجلس الانتقالي بعد إعلان فشل اتفاق الرياض، وهو السيناريو الرابع، بحسب التقرير.
واعتبر أن هذا الخيار وراد، وستعود حينها الأمور لنقطة الصفر، وهو سيناريو متأرجح، وفرص حدوثه متوسطة، ونتائجه مفتوحة، ومرتبطة بموقف التحالف العسكري الذي تقوده الرياض.
لكنه خلص إلى احتمالية انحياز الإمارات عسكريا لصالح المجلس الانتقالي، مقابل صمت سعودي، لإعادة ترميم اتفاق الرياض.
وتشهد العاصمة اليمنية المؤقتة انفلاتا أمنيا، وانقساما شعبيا، وصدامات عسكرية بين الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الذي يسيطر عليها منذ العام 2019، مع تعثر استكمال تنفيذ اتفاق الريا ض الموقع برعاية سعودية بين المجلس والحكومة اليمنية.