لو كان هناك درس مستفاد مما حدث في جلسة مجلس الأمن ليلة
الخميس الماضي والتي ناقشت قضية سد النهضة الإثيوبي، فهو ضرورة أن تعيد مصر النظر في
كل علاقاتها الدبلوماسية مع جميع البلدان على أساس موقفها من هذه القضية.
الدروس المستفادة من هذه الجلسة كثيرة جدا، أهمها أن بعضنا
فوجئ بهذا الموقف الدولي شديد التخاذل في قضية شديدة الأهمية لنا.
قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣ المجيدة، بل وربما منذ النكبة عام
١٩٤٨ فإن علاقتنا الدولية كانت تتحدد على أساس موقف كل دولة من إسرائيل، ومدى تعاطفها
مع حقوقنا العربية العادلة، وهل هي معنا أم ضدنا، أم على الحياد؟
وفي بعض فترات تاريخنا كانت مواقفنا تتحدد بناء على تأييد
هذه الدولة أو تلك لمصر للتخلص من الاستعمار الإنجليزي. وفي فترة أخرى كان المعيار
هو مناهضة العنصرية والصهيونية.
الآن فإن القضية المصرية والمصيرية الأولى بلا منازع هي حقوقنا
المائية، وليس فقط مجرد بناء سد النهضة. هذه قضية وجودية تتعلق بحياتنا ومستقبلنا،
وبالتالي فمن الضروري أن نقيّم علاقتنا مع الآخرين على أساس موقفهم من هذه القضية.
الموضوع لم يعد يحتمل المواقف الملتبسة أو المترددة أو المهزوزة،
وما حدث في مجلس الأمن خلال الجلسة الأخيرة، كان صادما للعديد من المصريين، الذين انتظروا
أن ينتفض المجتمع الدولي لإنصاف مصر باعتبار أنها تخوض معركة عادلة ثم فوجئوا بهذا
الأداء الهزيل.
أي متابع للمواقف الإقليمية والدولية الكبرى، كان سيعرف حتما
أننا لن نحقق نتائج حاسمة داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. من كان يقرأ بدقة تصريحات
قادة ومسئولي الدول الكبرى وبياناتهم، كان يدرك فورا أن هذه الدول إما يؤيدون إثيوبيا،
أو على الأقل محايدون، وقلة منهم كانت تنتصر لقضيتنا.
ومن سوء الحظ أن غالبية وسائل إعلامنا لم تكن تولي هذه القضية
اهتماما كبيرا، بل إن بعضها أوهم الرأي العام المصري بأن العالم كله معنا في هذه القضية،
ولذلك كانت صدمة لكثير من المصريين، حينما استمعوا لممثلي غالبية الدول الأعضاء الدائمين
وغير الدائمين خلال الجلسة، والتي لم ينتصر معظمها لموقفنا، بل ربما ساندت إثيوبيا،
لدرجة دفعت وزارة الخارجية الإثيوبية للقول بأنهم حققوا نجاحا دبلوماسيا كبيرا في مجلس
الأمن وللأسف معهم حق في هذا الاعتقاد.
مواقف الصين وروسيا كانت شديدة السلبية، الصين لها مصالح
اقتصادية كبرى مع إثيوبيا، لكن لا نعرف سر الموقف الروسي الذي كان مفاجئا، حينما رفض
التهديد باستخدام القوة، والغريب أنه في نفس اليوم كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
يأمر باستئناف رحلات الطيران المباشر والعارض إلى المقاصد السياحية المصرية، لدرجة
أن البعض قرأ في تزامن التوقيت دلالة مهمة، وهي أنه يحاول أن يرضي مصر في موضوع السياحة،
ويرضي إثيوبيا في موضوع السد، وليته فعل العكس!!
الموقف الأمريكي يعتبر أفضل نسبيا، مقارنة بما كنا نتوقعه،
وكذلك فرنسا إلى حد ما، لكن السفير الفرنسي رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، ارتكب خطأ
قاتلا، حينما استبق الجلسة قائلا إنها لن تسفر عن شيء.
أعود مرة أخرى لما بدأت به، وأطالب حكومتنا ودولتنا وأجهزتنا
ورئيسنا، وكل المجتمع المصري، أن نبدأ من الآن في إعادة النظر في كل علاقتنا مع العالم،
بناء على موقفه من هذه القضية، ودرجة تأييده لحقوقنا المائية وصراعنا مع إثيوبيا. علينا
أن نخير أي دولة بين التعاون معنا أو مع إثيوبيا، وأننا نرفض صيغة أن يتم إطلاق تصريحات
ودية لصالحنا، ثم تكون الكلمات الفعلية في مجلس الأمن بهذا التردد والتلعثم.
لدينا مشروع الضبعة النووي مع روسيا بأكثر من ٢٥ مليار دولار،
إضافة لصفقات السلاح الضخمة، ولدينا علاقاتنا الضخمة مع الصين وبريطانيا وفرنسا وأمريكا
وسائر الدول الكبرى إقليميا ودوليا. علينا أن نقول لهم جميعا، وبلغة صارمة وحاسمة إما
أن تكونوا معنا أو ضدنا.
هذه الصراحة يفترض أن تكون مع القريب والشقيق قبل الغريب.
إمساك العصا من المنتصف، هذه الأيام في هذه القضية، لن يكون مفيدا. ولا يصح أبدا أن
تكون بعض الدول العربية شديدة الود مع إثيوبيا، بينما هي تشن حرب وجود على مصر.
في ظل هذا الموقف الدولي المتخاذل، فقد حان الوقت لنكون حاسمين،
ونبدأ التفكير الصحيح في كيفية التصدي لهذه البلطجة الإثيوبية، التي اكتشفنا أخيرا
أنها محمية دوليا.
(الشروق المصرية)