إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأجهزة استخباراته حاولت زرع جهاز تنصت في دورة مياه مكتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، وهو أحد أصدقائها المقربين، فماذا ستفعل مع خصومها وأعدائها أو التي تشعر بأن السلام معهم بارد ومجمد؟!
يوم الجمعة الماضي رجح جونسون على ذمة ما قاله لصحيفة الغارديان في مناسبة قرب نشر مذكراته، أنه عندما استقبل نتنياهو في مكتبه في لندن في عام ٢٠١٧، طلب الأخير أن يدخل دورة مياه المكتب، وبعدها وحينما قامت أجهزة الأمن بفحص المرحاض عثرت على جهاز تنصت.
نعرف أن جونسون كان من أشد المؤيدين في حزب المحافظين لإسرائيل، وبالتالي فإذا كان نتنياهو سعى لزرع جهاز تنصت في مكتبه، فالمؤكد أنه سيفعل ذلك هو وأجهزة مخابراته في أي دولة أخرى.
ولماذا نذهب بعيدًا، وهل هناك دولة أقرب لإسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية؟!
المؤكد أن الإجابة هي لا، بل إن المرء الآن يحار هل هما دولتان منفصلتان أم دولة واحدة فى مكانين مختلفين؟!
رغم كل ما قدمته وتقدمه أمريكا إلى إسرائيل فإن الأخيرة حاولت أكثر من مرة
التجسس عليها، والدليل الأبرز على ذلك هو قضية الجاسوس جوناثان بولارد.
هو أمريكي يهودي، وكان يعمل محلل استخبارات في القوات البحرية الأمريكية وتجسس على بلاده لصالح إسرائيل وزودها بوثائق كثيرة مهمة منها ما ساعد إسرائيل على قتل قياديين فلسطينيين في تونس.
تم القبض عليه واعترف بالتجسس وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام ١٩٨٦، ورغم الإنكار الإسرائيلي بأنها جندته، فقد منحته الجنسية الإسرائيلية عام ٢٠٠٨، وتم الإفراج عنه عام ٢٠١٥ بعد أن قضى في السجن ٣٠ عامًا و٥ سنوات تحت الإفراج المشروط.
وبالتالى فإذا كانت إسرائيل تتجسس على «ولية نعمتها» بكل ما يعنيه المصطلح من معنى، فالمؤكد أنها تتجسس أو تحاول التجسس على الجميع، وبالتالي فلا نندهش حينما نقرأ عن محاولات إسرائيل التجسس على أمريكا أو بريطانيا، والدولتان هما في مقدمة داعميها بالمال والسلاح والدبلوماسية والإعلام وكل أنواع الدعم.
كما لا ننسى دور بريطانيا في إصدار وعد بلفور المشئوم في ٢ نوفمبر عام ١٩١٧ الذي أعطت بموجبه بريطانيا التي لا تملك وعدًا لإسرائيل التي لا تستحق الحق بإقامة وطن قومي لليهود فى فلسطين.
أكتب عن هذا الموضوع لأن هناك تفكيرًا عاطفيًا عربيًا يقول إنه ما دام تمت إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وبعض الدول
العربية. فإن ذلك يعني توقف النشاط الاستخباري الإسرائيلي ضد هذه الدول، وبالتالى فلا داعيَ لتضييع الوقت في إنفاق الوقت والجهد والمال في متابعة الأنشطة الاستخبارية الإسرائيلية.
هذا النوع من التفكير العربي هو أفضل هدية يمكن أن يتم تقديمها إلى إسرائيل على الإطلاق، خصوصًا في هذه الأيام الصعبة التي كشرت فيها إسرائيل عن أنيابها الاستخبارية، وسجلت نجاحات ملحوظة خصوصًا في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب أحد مقرات الحرس الثوري في طهران أواخر يوليو الماضي ثم اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله والعديد من قادة حزب الله اللبناني في الأسابيع الأخيرة.
أتصور بعد تطورات الأسابيع الأخيرة وكذلك بعد عملية «البيجر» وتفجير هذه الأجهزة في عناصر حزب لله، فقد يكون مطلوبًا من كل أجهزة الأمن العربية أن تعيد حساباتها وسائر عمليات تأمينها من جديد، خصوصًا أن إسرائيل تتلقى كمًا هائلًا من المعلومات الاستخبارية من الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية تجعلها تبدو عملاقًا استخباريًا، وهي ليست كذلك بالمرة، وهو موضوع يحتاج إلى نقاش لاحق.
(الشروق المصرية)